هل تنجح الصين في التوصل لعلاج لكورونا قبل غيرها؟
تتداول وكالات الأنباء أخباراً عن إعطاء الهيئات التنظيمية الصينية الضوءَ الأخضر للشروع في إجراء تجارب سريرية على ثلاثة لقاحات مضادة لفيروس “كوفيد 19” جرى تطويرها محلياً، فيما يعد تتويجاً لأشهرٍ من الجهود التي بذلتها مجموعة من الشركات الناشئة وشركات ترعاها الحكومة ومعاهد بحوث صينية.
وقالت وكالة الأنباء الحكومية إن الشركات الثلاث التي حصلت على الموافقات هي: شركة CanSino Biologics، وشركة Sinovac Biotech، بالاشتراك مع “معهد ووهان للمنتجات البيولوجية” التابع لمجموعة الصين الوطنية للصناعات الدوائية، بحسب تقرير صحيفة Financial Times البريطانية.
هل اقتربت الصين من اللقاح؟
مع ذلك، لا تزال الموافقة على إجراء تجارب سريرية خطوة تبعد الكثير عن إنتاج لقاح آمن وفعّال. فعلى الرغم من أن صناعة المستحضرات الدوائية في الصين قد نضجت كثيراً في السنوات الأخيرة، فإنها لا تزال في مجملها أفضل بكثير في مجال الابتكار التدريجي عنها في تحقيق طفرات أو اكتشافات كبرى.
وفيما يتعلق بذلك، تقول جوديث لي، من شركة Lilly Asian Ventures التي تتخذ من شنغهاي مقراً لها واستثمرت على مدار 10 سنوات أكثر من 2.3 مليار دولار في 90 شركة ناشئة في مجال الصناعات الدوائية: “السؤال الأهم هو متى تنتج الصين المنتج الأفضل في فئة معينة من الأدوية أو المنتج الأول في فئته. أما الآن، فإنها لا تزال تحاول اللحاق بالركب”.
ويعد مجال التكنولوجيا الحيوية، جنباً إلى جنب مع صناعات مثل أشباه الموصلات والجيل الخامس من الاتصالات وتطبيقات تكنولوجيا النانو، أولويةً استراتيجية للحكومة، وذلك على النحو المنصوص عليه في خطتها العشرية المسماة “صنع في الصين 2025″، والتي تعمل على تشجيع الاكتفاء الذاتي في الصناعات عالية التقنية. وقد عملت كل من الحكومة المركزية والحكومات المحلية على توفير مبالغ هائلة من الأموال لدعم الشركات الناشئة الواعدة ومؤسسيها.
المركز الثاني في سوق الأدوية
كما تحتل الصين المرتبة الثانية كأكبر سوق للأدوية في العالم بعد الولايات المتحدة، بإجمالي إنفاق قدره 137 مليار دولار سنوياً. ومن المتوقع أن يزداد هذا المبلغ زيادة كبيرة مع قيام الدولة بتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي الخاصة بها، وارتفاع عدد أصناف الأدوية المصروفة من خلال برامج الحكومة التأمينية.
على الجانب الآخر، يقول رجال أعمال ومستثمرون إنها مسألة وقت فقط قبل أن تصبح الصين رائدة في الابتكارات والبحوث الأصلية. وينبع هذا التفاؤل جزئياً من إرادة وطنية تسعى إلى خلق “أبطال” محليين، لكنه يستند أيضاً إلى الجهود المبذولة لتوفير كميات هائلة من بيانات المرضى وتوافر التمويل من كل من المصادر الحكومية والخاصة.
ويقول ليفي صن، وهو المسؤول عن الحصص الاستثمارية الخاصة بشركة General Atlantic في شركات التكنولوجيا الحيوية الصينية: “ليس لدينا بعد طفرةٌ على غرار جاك ما [مؤسس مجموعة علي بابا العملاقة للتجارة الإلكترونية] في مجال التكنولوجيا الحيوية. لكن في غضون 10 سنوات، ستكون التكنولوجيا الحيوية في الصين قابلة للمقارنة مع التفوق التكنولوجي بوجه عام اليوم”.
كانت شركة CanSino قد تمكنت، بالشراكة مع معهد البحوث العسكرية الصيني، من تطوير والحصول على موافقة على لقاح علاجي مضاد لفيروس الإيبولا، وبعد انحسار خطر هذا الفيروس منذ ذلك الحين، عمدت الشركة إلى بناء مخزون وطني للاستخدام في حالة عودة التهديد.
مخزون من الباحثين
ومن جهة أخرى، يسهل على الصين اجتذاب مواطنيها الذين كانوا قد غادروا للتعلم أو العمل في الخارج للعودة إليها مرة أخرى. والدكتور وانغ شياو دونغ مثال على ذلك، فقد كان من أوائل جيله الذين درسوا في الولايات المتحدة بعد ما يسمى “الثورة الثقافية الصينية” وحصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء الحيوية من “جامعة جنوب غرب تكساس الطبية”، ثم درس في الولايات المتحدة لسنوات، وأصبح عضواً في “الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم”.
كان الدكتور وانغ شياو دونغ من أوائل العائدين إلى الصين، وهو الآن مدير “المعهد الوطني الصيني للعلوم البيولوجية” في بكين، ومؤسس مشارك في شركة BeiGene التي تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية.
ويمكن قياس مدى تقدم الشركات الصينية، مثل CanSino وشركة Clover، من خلال حقيقة أن شركات أجنبية متعددة الجنسيات تأخذها على محمل الجد، ويشمل ذلك شراكات مع شركات مثل GSK البريطانية، التي أمدت شركة Clover مؤخراً بالمكونات اللازمة لجعل اللقاح الذي تعمل على تطويره أكثر فعالية.
ومع ذلك، تبرز من خارج الصين على وجه الخصوص أسئلةً تتعلق بأجزاء معينة في الصناعة. إذ تجذب التمويلات الصينية الجاهزة بوجه عام أولئك الذين يسعون إلى الثراء السريع والمثاليين دعاة التعاون مع الجميع، في حين أن ثمة مواقف تعامل مع مرضى وبيانات مختلفة أثارت قلقاً من أن التدابير ليست على القدر اللازم من الإحكام لحماية الأشخاص المشاركين في التجارب السريرية، وأن النتائج ليست دائماً كما تبدو.
يقول الدكتور لو شان، وهو أستاذ في جامعة ماساتشوستس الأمريكية: “إن البيانات المزيفة [في التجارب الدوائية الصينية] سلوكاً منهجياً إلى حد كبير. كما أن هناك تركيزاً أكبر على العوائد المالية السريعة. وعندما يصبح العلماء مهتمين بالأساس بالحوافز المالية، يتحولون إلى رجال أعمال ويقل تأثيرهم العلمي. ويتقدمون في خطواتهم على نحو أسرع من المفترض بكثير”.
ومع ذلك، فإن تلك هي طبيعة السباق إلى حد كبير. فمجال التكنولوجيا الحيوية كما ينطوي على حوافز ومكافآت عالية، ينطوي أيضاً على مخاطر عالية. والسرعة ضرورية، فالمنتج الذي يصل إلى السوق ثانياً مكافأته أقل بكثير من الأول. وهذا هو الحال خاصة مع تطوير لقاحات للفيروسات. ليس فقط لأن عشرات من المنافسين يعملون بجد على الوصول أولاً، لكن لأن الفيروسات أيضاً تتمتع بسلوك تحولي، ما يعني أن صيغة اللقاح الفعالة اليوم قد تعمل لفترة محدودة فقط، ثم لا تعود ذات جدوى.
وفي الختام، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه الباحثين الصينيين الآن هو دمج مهاراتهم تكاملاً مع نقاط القوة التي يتمتع بها الخرب، في محاولة لإيجاد مخرج من مأزق هذا الوباء. يقول ليفي صن: “العلم عالمي. لا ينبغي أن يكون حكراً على أمة أو دول بعينها”.