هل تنجح أمريكا وإسرائيل في إقناع روسيا بإخراج إيران من سوريا؟
من المقرر عقد اجتماع بين مستشاري الأمن القومي الأمريكي والروسي والإسرائيلي، في شهر يونيو الجاري، في إسرائيل، لمناقشة قضايا الأمن الإقليمي. وقد صرَّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنَّ هذا الاجتماع لم يحدث قط من قبل، لكن ماذا يمكن أن يحقّقه هذا الاجتماع؟
إسرائيل راضية عن الدور الروسي في سوريا لكنها تريد المزيد
كانت روسيا وإيران وعدة ميليشيات شيعية متحالفة مع طهران (بما في ذلك حزب الله اللبناني)، تساعد نظامَ بشار الأسد في سوريا ضدَّ العديد من المعارضين الذين سعوا إلى إسقاطه. ومع أنَّ إيران وحزب الله لَطالما كانا معاديين لإسرائيل (إذ كانت إيران تدعم حزب الله في مواجهته مع القوات الإسرائيلية في الماضي)، فإنَّهما أصبحا يركِّزان تركيزاً أقلّ على إسرائيل، وتركيزاً أكبر على معارضي الأسد في الصراع الذي اندلع في سوريا منذ عام 2011.
لكن الآن، بعدما تعرَّض خصومُ الأسدِ لإضعافٍ شديدِ وصارَ بقاء النظام يبدو مضموناً، حوَّلت إسرائيل اهتمامَها تجاه إيران وحزب الله، اللذين أصبحا بدورهما يركزان بصورة أكبر على إسرائيل. وقد أسفر ذلك عن عدة مواجهات عسكرية، إذ يخاف الإسرائيليون بشدةٍ من أنَّ النفوذ الإيراني الموسَّع في سوريا سيسمح لإيران وحزب الله بمهاجمة إسرائيل بسهولةٍ أكبر، كما يقول موقع LobeLog الأمريكي.
وهو الخوف الذي تفاقم بتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن سحب جميع القوات الأمريكية من سوريا، لذا تهاجم القوات الإسرائيلية أهدافاً تابعة لحزب الله، وحتى بعض الأهداف الإيرانية هناك، لإضعاف نفوذهما.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ روسيا تؤدّي دوراً غريباً في هذا الصراع المتصاعد بين إسرائيل من جهةٍ، وإيران وحزب الله من جهة أخرى. إذ تتعاون موسكو عن كثب مع إيران وحلفائها للدفاع عن نظام الأسد، لكنَّها في الوقت نفسه تتمتَّع بعلاقاتٍ وثيقة مع إسرائيل، ويبدو أنَّ العلاقة بين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعاونيةٌ بصورةٍ خاصة.
ومع أنَّ موسكو تنتقد الهجمات الإسرائيلية على الأهداف التابعة لإيران وحزب الله في سوريا، فإنَّها لم تفعل الكثيرَ لإيقافها، بل يبدو أنَّ روسيا وإسرائيل قد توصّلتا إلىأسلوب «تعايُش» يتمثّل في أن تُحذِّر إسرائيل القوات الروسية في سوريا من الهجمات التي توشك على شنِّها، وأن تحرص على عدم استهداف أفراد أو معدات روسية، مقابل ألَّا تستخدم روسيا القوة لإحباط تلك الهجمات الإسرائيلية.
وبالطبع لا يمكن أن تشعر إيران أو حزب الله بالرضا تجاه هذا «الحياد» الروسي. لكنَّهما ليسا في وضعٍ يسمح لهما بالاستغناء عن الدعم الروسي في حماية الأسد. ولا يمكنهما كذلك اتخاذ حليفٍ آخر أنفع من روسيا.
أمَّا الإسرائيليون، فهُم سعداء للغاية بالتسامح الروسي مع هجماتهم على الأهداف التابعة لإيران وحزب الله، لكنَّهم يريدون المزيد من روسيا، مثلما تريد الولايات المتحدة المزيد منها.
تل أبيب وواشنطن يريدون لموسكو إخراج إيران من سوريا
وعلى وجه التحديد، تريد إدارة ترامب وحكومة نتنياهو من موسكو أن تساعدهما فيتقليل الوجود الإيراني في سوريا، أو حتى إنهائه، لذا من المرجَّح أن يضغط مستشارا الأمن القومي الأمريكي والإسرائيلي، جون بولتون ومئير بن شبات، على نظيرهما الروسي نيكولاي باتروشيف بشأن هذه النقطة فقط في الاجتماع المقبل.
لكن بقدر ما تريد الحكومتان الأمريكية والإسرائيلية من روسيا أن تساعد في تقليص الوجود الإيراني في سوريا أو إنهائه، فمن غير المؤكَّد بدرجةٍ كبيرة أنَّ موسكو ستفعل ذلك، أو أنَّها حتى قادرة على ذلك.
وحتى لو استطاعت روسيا فعل ذلك بطريقةٍ ما فإنِّها لن تفعله لمجرد أنَّ الولايات المتحدة وإسرائيل تعتقدان أنَّ «هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله»، بل لأنَّها تريد شيئاً ذا قيمة كبيرة في المقابل، مثل:
- الاعتراف بضمِّ روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014.
- وإلغاء العقوبات الاقتصادية التي فُرِضَت عليها بعد ذلك.
ومع أنَّ تصرُّفات روسيا في أوكرانيا أو أي مكانٍ آخر في أوروبا تعدُّ أقلَّ إثارة لقلق نتنياهو من الوجود الإيراني في سوريا، فإنَّ موافقة الولايات المتحدة على تقديم مثل هذه التنازلات لروسيا:
- ستؤثر سلباً في علاقات واشنطن مع حلفائها الأوروبيين.
- وتُفاقم المخاوف الأمريكية حيال استعداد ترامب لتقديم تنازلاتٍ لبوتين.
- وهذا شيءٌ لا تريده حملة ترامب قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية المرتقبة في العام المقبل 2020.
وحتى إذا أعربت روسيا عن استعدادها تقليص الوجود الإيراني في سوريا أو إنهاءه، وهو أمرٌ مستبعدٌ، فليس من الواضح على الإطلاق أنَّ موسكو بإمكانها تحقيق ذلك.
هل تقبل روسيا بالعروض الأمريكية والإسرائيلية المفترضة؟
صحيحٌ أنَّ روسيا حقَّقت نجاحاً عسكرياً في سوريا، أكبر من الذي حقَّقته الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق بقواتٍ أقل بكثير من تلك التي استخدمتها أمريكا في أفغانستان والعراق، لكنَّ نجاح التدخل الروسي المحدود في سوريا تحقَّق فقط:
- لأنَّ إيران وحلفاءها من الميليشيات الشيعية لديهم قواتٌ أكثر بكثير هناك، تحمَّلت عبءَ خوض الحرب البرية، بينما ركَّزت التشكيلات الروسية الأصغر على الحرب الجوية.
- لذا لا يمكن لروسيا ببساطة بقواتها الأقل عدداً أن تقضي على الوجود العسكري الأكبر لإيران وحزب الله في سوريا.
- وإذا طلب نظام الأسد علانيةً من إيران وحلفائها مغادرة البلاد، فقد يضطرون إلى ذلك، لكن من المستبعد أن يفعل الأسد ذلك. فهو لا يريد أن يعتمد اعتماداً كلياً على موسكو أو طهران فقط، لأنَّ استمرار وجود قواتٍ من كلا البلدين يتيح له مجالاً للمناورة بينهما، وهي ميزة من غير المرجح أن يرغب في التخلي عنها.
وصحيحٌ أنَّ هناك تقارير عديدة تفيد بأنَّ روسيا وإيران تتنافسان الآن على بسط نفوذهما في سوريا، بعد الفوز بمعركة إنقاذ الأسد، لكن بصرف النظر عن أنَّ إيران تُعتبَّر شريكاً صعباً لروسيا، فإنَّ موسكو لا ترغب في رؤية إيران وحزب الله يغادران البلاد، والتعرُّض لخطر عودة المعارضة ضد نظام الأسد، لأنَّ القوات الروسية ستضطر حينئذٍ لتحمُّل الجانب الأكبر من عبء قمع هذه المعارضة، فضلاً عن أنَّ موسكو لن تكسب شيئاً إذا انضمَّت إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، في مطالبة إيران بالانسحاب من سوريا، ثم فشِلت في تحقيق ذلك.
لكن بدلاً من ذلك، تطمح روسيا إلى تحقيق «أقصى استفادة من الجانبين»، بجعل القوات الإيرانية وحزب الله يواصلان تحمُّل الجزء الأكبر من عبء ضمان بقاء نظام الأسد، لكن مع الحرص على عدم تفوق إيران عليها في أي معركةٍ على بسط النفوذ في سوريا.
لكنَّ أفضل طريقة أمام روسيا لفعل ذلك ليست العمل ضد إيران نفسها، بل الاستمرار في عدم التدخُّل لمنع إسرائيل من فعل ذلك. ونظراً إلى أنَّ إسرائيل مستعدة لأداء هذه المهمة، وقادرةٌ على ذلك، فلا يوجد سببٌ يدفع روسيا إلى الموافقة على أي مطالب أمريكية أو إسرائيلية في الاجتماع المقبل بين مستشاري الأمن القومي بأن تفعل أي شيء آخر.