هل تقوم سياسة الصين في الشرق الأوسط على “مفاهيم ساذجة”؟
انتقد بريت ماكجريك مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدني والمحاضر في معهد فريمان سبجولي بجامعة ستانفورد الإستراتيجية الصينية في الشرق الأوسط باعتبارها سياسة محفوفة بالمخاطر. وقال إن بيجين ستكتشف أنها نهجها في الشرق الأوسط ساذج. فمحاولة الصين التعامل مع دول المنطقة بطريقة تعاقدية وبدون تدخل في الشؤون السياسية فيها غير ممكنة خاصة إن حاولت الدول الحليفة لأمريكا الدفاع عن مصالحها.
وأشار ماكغريك للقاء حضره بداية هذا الشهر في العاصمة الصينية بيجين ونظم بدعم من وقفية كارنيغي للسلام الدولي ومركز تسينغوا وعبر فيه المسؤولون الصينيون والأكاديميون ورجال الأعمال أن بلادهم تستطيع تجنب التورط في السياسة من خلال الترويج للتجارة والتنمية من طهران إلى تل أبيب. وعلق أن الصين قد تكتشف “عدم ديمومة النهج التعاقدي في هذه المنطقة التي تعاني من مشاكل مستعصية، مما يعرض مصالحها للخطر وفتح فرص للولايات المتحدة”. وأضاف ان الصين قامت وعلى مدار السنوات الماضية برسم مستقبل طموح في الشرق الأوسط من خلال “بناء شراكات استراتيجية” مع إيران والإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر.
وهذا مستوى عال من العلاقات الدبلوماسية التي يمكن للصين تقديمها وتعتقد أن هذه الدول يمكن أن تؤسس لموقف محايد وتوفر استقرار على المدى البعيد أفضل من الولايات المتحدة. واستثمرت الصين بشكل ضخم في قطاع البنية التحتية بالمنطقة بما في ذلك إسرائيل التي تعد الصين ثاني شريك تجاري لها بعد الولايات المتحدة. ويعتقد ماكغريك أن اهتمام الصين بالمنطقة نابع من مصالح بنيوية واستراتيجية. فعلى الصعيد البنيوي تحتاج الصين للمصادر الطبيعية مثل النفط مقارنة مع الولايات المتحدة التي لم تعد بحاجة لنفط المنطقة بعدما أصبحت أكبر منتج للنفط في العالم. وبنفس المقام تحتاج الصين إلى سوق لكي يستوعب قدراتها الصناعية المفرطة وترى في الشرق الأوسط سوقا نامية بعد سنوات من الحروب والبنى التحتية المتداعية والسخط. ومن الناحية الإستراتيجية فالصين مع روسيا تريدان الإستفادة من الظرف الغامض بسبب التغير المستمر في السياسات الأمريكية بما في ذلك الوصفات الصفرية للوضع في إيران وسوريا والتي لن تثمر في الوقت القريب. ورحبت دول المنطقة بالصين وعروضها للإستثمارات التي لم تحمل معها شروطا للإصلاح السياسي أو احترام حقوق الإنسان. وقدم الرئيس الصيني شي جينبنغ رؤيته الحازمة في خطاب مهم بالقاهرة قبل ثلاثة أعوام .
وأعلن فيه أن الصين لا تطمح لبناء محور تأثير لها حتى مع استثماراتها التي أعلنت عنها ووصلت 100 مليار دولار، على شكل موانيء وطرق ومشاريع سكك حديدية. وقال إن الصين ترفض التنافس بالوكالة رغم عقده اتفاقيات كبرى مع إيران التي تدعم حروب الوكالة بالمنطقة. وحذر من “التمييز أو التحيز ضد أي جماعة عرقية أو دين” وفي الوقت الذي أجبر فيه مليون مسلمة صيني في معتقلات أطلق عليها “إعادة التعليم” في إقليم تشنجيانج، شمال- غرب الصين. ويمكن الحفاظ على التناقضات هذه طالما سمحت دول المنطقة التي رحبت بالإستثمارات الصينية باستمرارها. وقال إن حلفاء الولايات المتحدة لا يترددون عن تأكيد مصالحهم الأوسع مع واشنطن أو التعبير عن الخلاف عندما تتباين السياسات وقد حان الوقت لأن تعمل نفس الشيء مع بكين. وفي الوقت الذي تسائل فيه الولايات المتحدة جدوى الإستثمارات الصينية ونواياها خاصة تلك المتعلقة بالتكنولوجيا والموانئ مثل ميناء حيفا فيمكنها مساءلتهم حول منح الصين الحرية لاستغلال ما يمكن اعتباره مجال أمني أمريكي.
ويرى ماكجريك أن ترتيبات كهذه يجب على شركاء أمريكا في المنطقة رفضها وكذا لواشنطن. وأقل ما يمكن أن يفعله شركاء واشنطن هو الطلب من بيجين الإستفادة من تأثير الصين الصاعد خاصة مع طهران ودمشق والضغط باتجاه تحقيق الإستقرار الدائم بالمنطقة. وأشار إلى تحركات في أربعة مجالات.
الأول: يمكن للصين الضغط على إيران سحب الجماعات الوكيلة لها والتشكيلات العسكرية التي تشكل تهديدا على إسرائيل. وتعترف أصوات في الصين أن حربا إيرانية – إسرائيلية قد تؤثر على مصالحها في المنطقة. واقترحت افتتاحية أخيرة في “جلوبال تايمز” ضرورة سحب وكلاء إيران من سوريا. ولو تم تشكيل هذه السياسة فستخدم مصلحة بيجين، واشنطن وموسكو والتي اعترفت بحق إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد الأنظمة العسكرية الإيرانية في سوريا.
المجال الثاني، يمكن للصين الضغط على بشار الأسد دعم العملية السياسية التي تشرف عليها الأمم المتحدة ووقف الإستثمارات في إعادة إعمار البلاد حتى يوافق على هذا. ودعمت الصين حتى الآن دمشق في مجلس الأمن واستخدمت الفيتو ست مرات. ولم تطلب من الأسد مقابل ذلك بشكل يدعم موقفها المحايد بالمنطقة. وكواحدة من أربع دول يمكنها المساعدة في عمليات إعمار البلاد فلديها تأثير مهم على الأسد.
المجال الثالث: يمكن لبيجين الدعوة لإطلاق سراح المواطن الصيني-الأمريكي شوي وانغ المعتقل في إيران. فرغم ما أثارته من مشاعر وطنية عن حماية المواطنين الصينيين أينما كانوا إلا أنها لم تفعل شيئا من أجل وانغ. وعليها أن لا تمد يد الشراكة الشاملة مع طهران طالما ظلت تحتفظ بمواطن يحمل الجنسية المزدوجة. فوانغ باحث برئ ويجب على الصين المطالبة بالإفراج عنه.
وأخيرا على الصين المساعدة في مشاريع استثمارات بالمناطق التي تم تحريرها من تنظيم الدولة خاصة الموصل. وتجنبت الصين الإستثمار في المناطق خارج مبادرة “الحزام والطريق” مع أن الإستثمار في المناطق السابقة لتنظيم الدولة ستمنع من عودته، وهو ما يشكل مصلحة للمنطقة. ويمكنه المساعدة في جهود الأمم المتحدة لتحقيق العدالة وتوثيق جرائم تنظيم الدولة.
ويعتقد ماكجريك ان أيا من هذه المبادرات لا يشكل خرقا لموقف الصين المحايد من شؤون المنطقة. وستعود بالإستقرار الذي سيؤثر على استثمارات الصين الان من دبي إلى القاهرة. وحتى بمفهوم الصين للعلاقات التعاقدية فهي تناسب نهج “رابح- رابح” وهي مجالات عملية للتعاون الصيني- الأمريكي. والفشل في دعم هذه الأهداف العادية سيثير أسئلة حول نوايا الصين طويلة الأمد وقوتها الناعمة التي تركز على التنمية. وليس من السهل وقف ظهور الصين في الشرق الأوسط ولكن يمكن للولايات المتحدة تشكيل دورها وموقعها. ويجب على أصدقاء امريكا بالمنطقة المساعدة في هذا.