هل تغير الأحزاب الصغيرة المشهد السياسي في تركيا؟
أزاح اتفاق المعارَضة التركية على تشكيل تحالف انتخابي بعض الغموض عن الخريطة السياسية التركية الحالية، خاصة تلك المتعلقة بالأحزاب الصغيرة نسبياً التي لم تتمكن في الانتخابات السابقة من الحصول على أصوات تسمح لها بدخول البرلمان.
أعلنت قناة “إن تي في” التركية اتفاق حزب الشعب الجمهوري مع الحزب الجيّد القومي اليميني وحزب السعادة اليميني المحافظ والحزب الديمقراطي المحافظ من يمين الوسط، على تشكيل تحالف لدخول الانتخابات البرلمانية، على أن يُوقَّع الاتفاق الساعة الثالثة عصر الخميس 3 مايو/أيار 2018.
ووفق تعديل قانون الانتخابات في 15 مارس/آذار 2018، يحق للأحزاب دخول الانتخابات البرلمانية في تحالفات تُعفيها من عبء الحصول على 10% من الأصوات بمفردها (كشرط لدخول البرلمان)، وبدلاً من ذلك يكفي حصول التحالف على هذه النسبة من الأصوات.
ورغم فشل المفاوضات التي قادها حزب الشعب الجمهوري لإقناع المعارضة بترشيح الرئيس التركي السابق عبد الله غُل، الذي يعود جزئياً إلى رفض زعيمة الحزب الجيد (İYİ Parti)، ميرال أكشينير، إلغاء ترشيحها وتقديم غُل كمرشح توافقي- بدا إعلان التحالف الجديد نجاحاً مبدئياً للمعارضة في توحيد صفوفها.
عودة الأحزاب الصغيرة
ثبّت التحالف الجديد عودة الأحزاب الصغيرة إلى المشهد السياسي التركي، ليس في فترة الانتخابات فقط؛ بل على مقاعد البرلمان، الذي سيشهد حوارات سياسية أكثر تنوعاً في النظام السياسي الجديد للبلاد.
وفي حديث لـ”عربي بوست”، أشار عاتق جار الله، الباحث المتخصص بالتحليل والاستشراف السياسي، إلى أن تشجيع الأحزاب السياسية الصغيرة كان هاجساً لدى الحكومة، بدليل التعديلات على قانون الانتخاب والتي سعت إلى فتح شهية الأحزاب للحصول على المساعدات المالية الممنوحة من الدولة في أثناء الحملات الانتخابية.
فقد خفضت هذه التعديلات شرط الحصول على هذه المساعدات إلى امتلاك الأحزاب 3% من أصوات الناخبين بدلاً من 7%، وسرى ذلك على الانتخابات البرلمانية في يونيو/حزيران 2015 والانتخابات المبكرة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.
ورأى جار الله أن عودة الأحزاب إلى المشهد السياسي تجربة إيجابية من ناحية منع الاستقطاب الفكري وبناء التحالفات على أساس المصلحة التكتيكية، فالتحالف الجديد يتجاوز الاختلافات الفكرية بين حزبي السعادة والشعب الجمهوري اللذين يقفان على طرفي نقيض من ناحية الفكر السياسي.
لكنه نوه في الوقت نفسه إلى أن الأحزاب السياسية التركية -عدا “العدالة والتنمية”- تشهد انتقالاً بين معسكرين يمين ويسار في النظام الرئاسي الجديد، وفي الوقت نفسه حالة ترويض سياسي تعني أن هذه الكتل الحزبية لم تستقر حتى الآن على رؤية سياسية واضحة؛ ومن ثم يكون التحالف الجديد خطوة تكتيكية تهدف إلى إسقاط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ووصف جار الله التحالفات السياسية الحاصلة بين الأحزاب المناوئة لأردوغان بأنها نخبوية بدرجة أساسية ولا تستطيع التحكم في قواعدها الانتخابية، خاصة أن هدف الإطاحة بأردوغان فقط قد لا يكون مقنعاً لكل القاعدة الانتخابية، وكما خسر حزب الشعب الجمهوري بعض أصواته حين قدّم مرشحاً من خلفية إسلامية للانتخابات الرئاسية في 2014، خسر كذلك حزب الحركة القومية عدداً من داعميه؛ بسبب تحالفه مع “العدالة والتنمية”.
ديجافو “السعادة” و”الديمقراطي”
أعاد الحلف الجديد إلى الذاكرة الائتلاف الحكومي بين حزب الطريق القويم برئاسة تانسو تشيلر وحزب الرفاه برئاسة نجم الدين أربكان في يونيو/حزيران 1996، والذي انتهى بعد 8 أشهر بمذكرة للجيش التركي عُرفت بـ”انقلاب ما بعد الحداثة”.
تأسس حزب الطريق القويم في عام 1983، وشكّل 4 حكومات، 3 منها بقيادة سليمان دميريل وواحدة بقيادة تشيلر. وفي مايو/أيار 2007، غيّر حزب الطريق القويم اسمه إلى “الحزب الديمقراطي” أسوة بحزب عدنان مندريس، الذي حُظر بعد إعدام مؤسِّسه في 1961.
أما حزب السعادة، فهو وريث فكر “الرؤية الوطنية” (Milli Görüş) الذي أسسه أربكان، ومنه تنحدر أحزاب “السلامة الوطنية” و”الفضيلة”، و”الرفاه” الذي تحالف مع حزب الطريق القويم.
بوادر انشقاق في حزب السعادة
من جهة أخرى، رأى الباحث السياسي التركي أنس يلمان، في حديث لـ”عربي بوست”، أن إقدام حزب السعادة على التحالف مع حزب الشعب الجمهوري يهدد مصداقيته لدى قاعدته الانتخابية، ويهزّ ثقة ناخبيه بقيادته التي اهتزّت منذ الانتخابات الرئاسية السابقة.
ففي أغسطس/أب 2014، دعم حزب السعادة مرشح حزبي الشعوب الجمهوري والشعوب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، أكمل الدين إحسان أوغلو، في مواجهة حزب العدالة والتنمية، الأمر الذي وصفه يلمان بأنه تغيير في رؤية الحزب وتوجّهِ ناخبيه، قد يؤدي إلى حدوث انشقاقات.
أحد هذه الانشقاقات المتوقعة قد يكون على يد فاتح أربكان، ابن نجم الدين أربكان، الذي أعلن في تغريدة له رفض مشاركة “السعادة” في التحالف الجديد للمعارضة التركية، وقال: “الذين يساندون كمال كلتشدار أوغلو (زعيم حزب الشعب الجمهوري “CHP”-أكبر أحزاب المعارضة في تركيا) والقائل بوجوب التخلص من ظلم الدولة العثمانية لا يمثلون “الرؤية الوطنية” (مللي غوروش)”.
أشار يلمان إلى أن عدم رضا فاتح أربكان عن توجه “السعادة” بدأ منذ أكثر من سنتين، وأنه ربما ينشق ويؤسس حزباً جديداً قد يتحالف مع حزب العدالة والتنمية. وكشف لـ”عربي بوست” أن أربكان ربما يسمي حزبه “حزب الرفاه” أسوة بحزب والده.