هل تعيد الانتخابات الرئاسية التونسية تشكيل النظام السياسي للبلاد بشكل دائم؟
26 مرشحاً تونسياً سوف يخوضون الانتخابات الرئاسية المبكرة في وقت مبكر من الشهر المقبل، بحسب ما أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، الأسبوع الماضي. ستشمل قائمة المرشحين، من بين النخبة السياسية التونسية، رئيس الوزراء الحالي وعدداً من رؤساء الوزراء السابقين، ووزير الدفاع ورئيساً سابقاً، وهذا بالإضافة إلى أحد أقطاب الإعلام، وشخص هارب، ومرشح رسمي لحزب النهضة للمرة الأولى.
وعلى الرغم من أنَّ تونس قد شهدت انتخابات متعددة منذ ثورة 2011، فإنَّ السباق الرئاسي لهذا العام في طريقه لأن يكون سباقاً استثنائياً: إذ سوف يكون تنافسياً للغاية وغير متوقع على نحو لافت، كما تقول صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
وفاة السبسي قلبت حسابات الجميع
تقول الصحيفة الأمريكية، إن وفاة الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، في الـ25 من شهر يوليو، أدت إلى إعادة تشكيل هيكل السباق بشكل حاسم وقلبت حسابات الأحزاب والمرشحين. وأدت المادة الدستورية الداعية إلى إجراء انتخابات في ظرف 90 يوماً إلى عكس الخطة الأصلية القاضية بإجراء الانتخابات الرئاسية بعد الانتخابات البرلمانية في شهر أكتوبر.
وربما الأمر الأكثر أهمية أنَّ الرئيس السبسي قد رفض، في أيامه الأخيرة، التوقيع على مسودة قانون كان من شأنه أن يحظر الكثير من المرشحين المؤثرين والمثيرين للجدل من خوض الانتخابات.
ويعكس هذا المدى الواسع من المرشحين إيمانهم بالعملية الديمقراطية في تونس، كما أنه بمثابة اختبار جديد للفاعلين السياسيين في البلاد. فبعد سنوات تميزت بالإجماع والتسويات ودرجة معينة من القابلية للتنبؤ، تمثل الانتخابات القادمة شكوكاً غير مسبوقة للناخبين والمرشحين التونسيين على حد سواء. فيما يلي كيف يمكن للخيارات وتغير الترتيب أن تؤثر على الانتخابات المقبلة.
تحديات جديدة للأحزاب صاحبة البرامج
كان حزب النهضة التونسي المحافظ اجتماعياً، وأكبر أحزاب البلاد، والذي كان محظوراً في عهد نظام بن علي، قد ركز منذ 2011 على تأمين موقف قوي في البرلمان. وكان الحزب في الماضي قد اختار عقد تحالفات لدعم مرشح غير حزبي حتى لا يخيف منافسيه السياسيين من خلال سيطرته على فروع متعددة من الحكومة.
هذا الإحجام السابق عن تقديم الحزب لمرشح رئاسي يجعل من قرار تقديم نائب رئيس الحزب، عبدالفتاح مورو، قراراً تاريخياً بحق. وقد كان قرار اختيار مورو بدلاً من زعيم الحزب راشد الغنوشي محل نزاع داخل الحزب. ومع ذلك، فإنَّ مورو، المحامي ذا النسب المديني، ينظر إليه باعتباره خياراً أكثر أماناً وأكثر احتمالاً أن يجتذب مدى أوسع من التونسيين، كما تقول صحيفة واشنطن بوست.
وربما يؤثر إجراء الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات البرلمانية على حزب النهضة بشكل كبير: فلو فاز الحزب بالرئاسة، ربما يشكل خصومه من اليسار إلى الوسط تحالفات لمنع الحزب من التحكم في البرلمان. ويمكن أن يتردد الحزب ايضاً في حشد إمكاناته الانتخابية في الانتخابات البرلمانية لئلا يُظهر سلطة أكبر من اللازم. ويخلق هذا المدى الواسع من المتسابقين المرشحين للفوز، والذي يشمل رئيس الوزراء السابق حمادي الجبالي، والأمين العام لحزب النهضة، حالة كبيرة من عدم اليقين حول من سوف يصل إلى الجولة الثانية من الانتخابات.
وتشعر الجبهات السياسية الأخرى أيضاً بآثار الانتخابات العاجلة وترتيبها العكسي، ذلك أنَّ أحزاب اليسار قدمت الكثير من المرشحين الرئاسيين، مما خلق منافسة داخل معسكراتها. لكن إجراء الانتخابات البرلمانية بعد الانتخابات الرئاسية يمنع الأحزاب من تحديد القواسم المشتركة للبرامج وبناء ائتلافات لكبار المرشحين.
الاستمرارية، لكن إلى ماذا؟
أظهر السبسي والرئيس السابق المنصف المرزوقي، المرشحان الباقيان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لعام 2014، خبرة سياسية كبيرة وقدرة على تمثيل الاستقرار والاستمرارية. وبالنظر إلى الوفاة المفاجئة للسبسي، وتمجيد إنجازاته بأثر رجعي، والعدد الكبير من المرشحين البارزين وعدم اليقين الاقتصادي واسع النطاق، فإنَّ مجاز «والد الأمة» قد يعاود الظهور بوصفه أحد العوامل.
ومن المرجح أن يفيد هذا الأمر، أكثر ما يفيد، «رجل الدولة الأكبر سناً» في حزب النهضة، عبدالفتاح مورو، أو ربما وزير الدفاع السابق عبدالكريم الزبيدي، الذي يُعتقد أنه كان مقرباً من السبسي. ويستغل العديد من المرشحين الآخرين أيضاً رأس المال الرمزي من الخبرة السياسية والاستمرارية، وإن كان أولئك المرشحون مختلفون تماماً. فالمنصف المرزوقي يتمتع بخبرة تنفيذية، فضلاً عن سجل من الدفاع المستمر عن إنجازات الثورة ومحاربة عودة الحرس القديم. وبالمثل، يمكن للمدافع عن حقوق الإنسان محمد عبو أن يشير إلى تاريخ من دعم القيم الديمقراطية في أحلك سنوات الديمقراطية.
وفي تناقض حاد مع ذلك، فإنَّ المزاعم المستفزة للمرشحة المحسوبة على الحرس القديم عبير موسي بالاستمرارية تروج صراحة للعودة إلى ما تعلن أنه منجزات الديكتاتور السابق بن علي. وأخيراً وليس آخراً، فإنَّ رئيس الوزراء يوسف الشاهد يمثل الاستمرارية الأكثر مباشرة للبرنامج السياسي للحكومة الحالية، لكنه سوف يكون أيضاً المرشح الذي يقيَّم على نحو أكثر مباشرة بأدائه. وربما يحاول آخرون، مثل القطب الإعلامي نبيل القروي، التقليل من علاقاتهم بالشبكات المظلمة للنظام القديم وعرض أنفسهم بوصفهم رواداً للقطيعة لا الاستمرارية، بحسب الواشنطن بوست.
اختبار النظام وتشكيله
تمثل الانتخابات الرئاسية القادمة اختباراً لرغبة الجهات السياسية الفاعلة في أن تقبل مرة أخرى بعملية سياسية لا يمكن لأي منهم أن يتحكم فيها أو يسيطر عليها تماماً. ويشمل ذلك الامتثال لقواعد الحملة، لا سيما فيما يخص التمويل، والإبقاء على خطاب مدني وديمقراطي، حتى في حالة الهزيمة السياسية، أو تدهور الوضع الأمني بسرعة، وهو تحد واجهه في الماضي أكثر من واحد من المرشحين الحاليين، والأمر الأكثر أهمية، أنَّ ذلك قد يتطلب القبول بانتصار مرشح مثير للاستقطاب.
هل يمكن لهذه الحملة الانتخابية أن تعيد تشكيل النظام السياسي التونسي بشكل دائم؟
من شأن الاهتمام الهائل بالانتخابات الرئاسية أن يخفض من أهمية الانتخابات البرلمانية إلى حدث ثانوي ومن شأنه أن يؤثر على النظام التونسي شبه الرئاسي. فالرئيس الذي لا يحظى بدعم حزب قوي ربما يدافع عن نظام أكثر رئاسية ويدفع باتجاه تعديلات دستورية. ومن ناحية أخرى، فإنَّ الرئيس الذي يحظى بدعم برلماني قوي ربما تكون له مصلحة في تعزيز البرلمان، كما قد يكون الحال لو حققت النهضة فوزاً مزدوجاً [في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية].
ومع نشر القائمة الرسمية للمرشحين، فإنَّ التونسيين يعرفون خياراتهم. وسوف تشهد الأسابيع المتبقية توضيح المرشحين لسياساتهم ومواقفهم. ومع بث التلفزة التونسية الرسمية للمناظرات للمرة الأولى، فإنَّ المسرح مهياً بجدارة لواحدة من أكثر المسابقات الانتخابية تنافسية بحق في تاريخ العالم العربي. وبينما يواجه المرشحون بعضهم بعضاً على الهواء مباشرة، فسوف يتمثل التحدي الذي سوف يواجهونه في التركيز على البرامج السياسية وإعادة إشراك جمهور الناخبين الذين يشعرون بخيبة أمل متزايدة تجاه دمقرطة تونس. ومن شأن عدم القدرة على التنبؤ بالسباق أن تظهر قوة العملية الديمقراطية، أو تحفز المرشحين على تقويضها.