هل تعقد فلسطين انتخاباتها العامة بعد 14 عام؟
كلّف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مؤخرا، رئيس لجنة الانتخابات المركزية، حنّا ناصر، باستئناف الاتصالات وبشكل فوري مع الفصائل والجهات المعنيّة، من أجل التحضير لإجراء الانتخابات التشريعية (البرلمانية)، على أن يتبعها بعد بضعة أشهر الانتخابات الرئاسية.
وتباينت آراء المحللين السياسيين، حيال هذه الخطوة، التي لم يتم تحديد موعد زمني لإجرائها حتى الآن، حيث رأي البعض أن الرئيس عباس، جاد في عقدها، فيما قال آخرون إنها “مناورة سياسية”.
وقبلت حركة حماس، إجراء الانتخابات، لكنها اشترطت عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية بشكل متزامن، وعدم الفصل بينهما، كما يريد الرئيس عباس.
وتحكم “حماس”، قطاع غزة، فيما تدير حركة “فتح” التي يتزعمها الرئيس محمود عباس، الضفة الغربية، منذ بداية الانقسام الفلسطيني، عام 2007.
وطالب قادة في حركة فتح، في تصريحات صحافية، حركة حماس، بقبول عقد الانتخابات، “كبوابة لإنهاء الانقسام”.
بدورها، أعلنت حماس تمسّكها بإجراء الانتخابات العامة، الرئاسية والتشريعية، بشكل متزامن، داعية حركة فتح إلى قبول مبادرة أطلقتها مؤخرا 8 فصائل فلسطينية، وتحمل رؤيتها لإنهاء الانقسام.
وتتكون المبادرة من 4 بنود تؤكد ضرورة اعتبار اتفاقيات المصالحة السابقة مرجعية لإنهاء الانقسام، وتطالب بعقد اجتماع للجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير، واعتبرت أن المرحلة الممتدة ما بين أكتوبر 2019، ويوليو 2020، مرحلة انتقالية لتحقيق الوحدة.
أما البند الأخير في المبادرة، فقد نص على إجراء انتخابات شاملة تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، منتصف عام 2020.
ولم يصدر رد رسمي من حركة “فتح” على المبادرة، لكن بعض قادتها قالوا في تصريحات صحافية، إنها “غير ضرورية، وعلى حركة حماس تنفيذ اتفاقية المصالحة الأخيرة”، في إشارة إلى الاتفاقية الموقعة عام 2017 في القاهرة.
وعقدت آخر انتخابات رئاسية في عام 2005، بينما أجريت آخر انتخابات تشريعية عام 2006.
دعوة جادة
الكاتب والمحلل السياسي عبد المجيد سويلم، يرى أن الرئيس الفلسطيني جاد في التوجّه نحو إجراء الانتخابات العامة.
ويقول: “المسألة ستخضع لحوارات وطنية؛ وشكلت لجنة لبدء حوارات مع كل الفصائل حول الموضوع للوصول إلى توافق هذا هو المبدأ”.
وذكر أن عدم التوافق الوطني على إجراء الانتخابات قد يدفع القيادة الفلسطينية، للبحث عن وسائل أخرى (لم يحددها) من شأنها التمكين لإجراء انتخابات بصورة ديمقراطية.
وأرجع ذلك إلى أن القيادة الفلسطينية لا يمكن أن تترك النظام السياسي على ما هو عليه؛ نظرا للتحديات المحدقة بالقضية.
ولا يستبعد سويلم رفض حركة “حماس”، المشاركة، في حال إصرار الرئيس عباس على الفصل بين الانتخابات التشريعية والرئاسية.
وقال في ذلك الصدد: “ما الذي يضير حماس أن تجري الانتخابات التشريعية أولا، ثم يتم الانتقال للرئاسية والمجلس الوطني؟ حماس تضع شروطا تعجيزية وتتنصل من إعادة بناء النظام السياسي، لأن ما يهمها هو استمرار حكمها بغزة كما أنها تدرك أن ما حصلت عليه في انتخابات 2006 لن تحصل عليه اليوم”، في إشارة إلى فوزها آنذاك بأغلبية مقاعد البرلمان.
ووقّعت حركتا “فتح” و”حماس”، أحدث اتفاق للمصالحة بالقاهرة في 12 أكتوبر 2017، لكنه لم يطبق، بسبب نشوب خلافات حول عدة قضايا؛ منها تمكين الحكومة في غزة، وملف موظفي القطاع الذين عينتهم “حماس”.
مؤشرات سلبية
ويختلف الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن، مع سويلم، حيث يرى أن الدعوة للانتخابات العامة، دون تهيئة المناخات السياسية الداخلية، “تحمل بذور الفشل في ذاتها”.
ويعتقد محيسن أن ترك الدعوة فضفاضة دون تحديد، يهدف إلى “تضليل الرأي العام والفصائل الفلسطينية”.
ويضيف إن كافة المؤشرات التي سبقت الدعوة للانتخابات، “تؤكد على أن السلطة الفلسطينية وقيادتها غير جادة في طرح موقفها من الانتخابات”.
وبيّن أن البيئة السياسية والقضائية الفلسطينية، “غير مهيّأة لإجراء هذه الانتخابات”.
واستكمل قائلاً:” لا بد من حسم مرجعية القضاء للبتّ في الطعون الانتخابية، لدينا انقسام ونظاميْن قضائييْن (بغزة والضفة)، ومرجعيات مختلفة”.
وقال إن الشعب يريد ضامنا لهذه الانتخابات، فإعادة تجربة الانتخابات البلدية (المحلية) في غزة والضفة عام 2006، والتي قطعت شوطا كبيرا قبل أن تلغيها المحكمة العُليا (بقرار سياسي)، ستعزز الانقسام.
اشتراطات نجاحها
بدوره، يشكك الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى إبراهيم، في جدية إجراء الانتخابات.
ويرى إبراهيم أن أي انتخابات فلسطينية مُقبلة لا بد وأن تُجرى في ظل حالة من التوافق الوطني الفلسطيني، لا تحت مظلّة الانقسام.
وبدون التوافق، يرى إبراهيم أن إجراء الانتخابات هو بمثابة “قفزة في الهواء” دون أن تأتي بأي نتائج إيجابية.
ويضيف: “إنهاء الانقسام، ضرورة من أجل إنجاح العملية الانتخابية، كما أن تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على التهيئة للانتخابات؛ هو أمر ضروري، كما نصّ عليها اتفاق المصالحة الموقّع عام 2017 في القاهرة”.
كما يتطلب نجاح الانتخابات، بحسب إبراهيم، توحيد القوانين في شقيّ الوطن.
وتابع: “العملية الانتخابية جزء من عملية المصالحة، وهذا بحاجة لعملية كفاحية مستمرة”.
ويعتبر أن تهيئة البنية الفلسطينية الداخلية من “إشاعة الحريات العامة، واحترام القوانين، وسيادة القانون، والسماح للفصائل بالعمل السياسي في الضفة وغزة”، من المؤشرات القوية التي تدل على وجود “نوايا حقيقية للدخول في الانتخابات”.
كما يشير إلى أن الموقف الإسرائيلي، هو “أحد أبرز العوامل الخارجية التي تؤثر في العملية الانتخابية”، مضيفا:” فهل ستسمح تل أبيب بإجراء الانتخابات في القدس المحتلة أم لا؟ وإن رفضت هل ستُجرى فقط في الضفة وغزة؟”.
ويكمل: “هناك الكثير من التساؤلات التي لا يجد القارئ السياسي للمشهد إجابات واضحة لها، بسبب ضبابية الساحة السياسية الفلسطينية، والتشكيك في توفر الإرادة من أجل إنجاح أي انتخابات، تعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني”.
احتمالات داخلية وخارجية
ويرى الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني، أن توقيت إعلان الرئيس “عباس”، اعتزامه الدعوة لإجراء الانتخابات العامة، تأتي ضمن عدة احتمالات، ومنها رغبته في “الهروب إلى الأمام، والمناورة السياسية على المستوييْن الداخلي والخارجي”.
وأضاف: “داخليا، قد يكون الرئيس يعمل على إشغال الساحة الفلسطينية بطرحه، بهدف إضعاف مبادرة الفصائل للمصالحة وإسقاطها شعبيا، وخارجيا، ربما يهدف إلى التلويح بهذه الورقة لخلط الأوراق وإفشال تمرير الخطة الأمريكية للتسوية المعروفة باسم صفقة القرن”.
كما لا يستبعد الدجني أن يكون هدف الرئيس “عباس”، من هذه الخطوة “تحذير المجتمع الدولي من أن انسداد الأفق السياسي يستوجب انسحابه من المشهد، ما قد يمهّد الطريق لوصول حماس إلى سدة الحكم”.