هل تصبح القوات الفرنسية بديلة عن الأمريكية شرقي الفرات؟
يجمع المراقبون على ان باريس لا تستطيع أن تملأ الفراغ الذي سوف يحدثه الانسحاب الأمريكي من منطقة شرق الفرات شمال شرقي سوريا، لا سياسياً ولا عسكرياً، ولكن تصريحاتها حول دعمها للوحدات الكردية، اثار موجة من التساؤلات حول أهداف باريس ومآلات الوضع الذي يشهد مزيداً من التعقيد والتشابك، حيث كانت قد أعلنت فرنسا عن نيّتها الإبقاء على قواتها في شمال سوريا على خلفية قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأكّدت أنها بدأت محادثات مع واشنطن بشأن ظروف الانسحاب والجدول الزمني لتنفيذه، وفي المقابل تجتهد وحدات الحماية الكردية التي تقود تحالف قسد، سياسياً، وتعقد اجتماعات في موسكو وباريس من اجل إيجاد مخرج للحل العسكري المرتقب في ظل تعزيزات تركية هي الاضخم من نوعها على الخط المحاذي للحدود السورية التركية.
وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد عن أسفه الشديد إزاء القرار الأمريكي حيال سحب قوات واشنطن من سوريا وقال في مؤتمر صحافي في تشاد «الحليف ينبغي التعويل عليه… أشعر بأسف شديد إزاء القرار الذي اتخذ بشأن سوريا»، وحسب مصدر رئاسي فرنسي فإن أعضاء من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي أجروا محادثات الجمعة مع مسؤولين فرنسيين بشأن الخطوات الجديدة، وذكرت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان أن باريس وحلفاءها في التحالف بدأوا محادثات مع واشنطن بشأن الإطار الزمني وظروف سحب القوات الأمريكية، وقالت إن باريس ستحرص على ضمان أمن جميع شركاء الولايات المتحدة في المنـطقة ومنها «قسد».
مصادر ميدانية أكدت الاحد دخول رتل عسكري فرنسي إلى مدينة تل أبيض شمالي شرقي سوريا، وقال مصدر عسكري في «قوات سوريا الديمقراطية» في تصريحات صحافية إن الرتل مؤلف من تسع سيارات عسكرية بينها أربع ترفع العلم الفرنسي، دون معرفة أسباب دخولها إلى تل أبيض أو المنطقة التي قدمت منها.
«فرنسية» بديلة عن «الأمريكية»؟
إعلان البيت الأبيض البدء بسحب قوات بلاده من سوريا، ضمن فترة زمنية محددة، لا يعني استدال الستارة على التدخل الغربي في سوريا أو يحدّ من نفوذها، وكذلك لا يعني الانسحاب الأمريكي تخلي دولة مثل فرنسا عن دعم وحماية التنظيمات الكردية في شرق الفرات، وتركها بمفردها في مواجهة الآلة العسكرية التركية، ومن هذا المنطلق قال الباحث السياسي عبد الرحمن عبارة ان واشنطن قد تكون جادة من حيث المبدأ بالانسحاب عسكرياً من سوريا، لكنها بنفس الوقت لن تترك مكانها شاغراً دون ملئه ببدائل عسكرية حليفة وموثوقة، تضمن لواشنطن استمرار مصالحها في سوريا على المدى القريب والبعيد، ويبدو أن إعلان فرنسا الأخير عن تأييدها للتنظيميات الكردية «قسد» في شمال شرق سوريا يصب في هذا الاتجاه.
التأييد الفرنسي للتنظيمات الكردية في سوريا ليس مفاجئاً للمراقبين، فقد سبق أن أعلن قصر الإليزيه موقفاً مشابهاً في شهر آذار/مارس الفائت، وفي هذا الاطار اضاف عبارة لـ»القدس العربي» ان الموقف هذا يذكر بأن التدخل العسكري الفرنسي في سوريا بدأ مع بداية عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة عام 2014، وكان تمركز القوات الفرنسية في تلة ميشتانور، وبلدة صرين، ومصنع لافارج الفرنسي للإسمنت في ريف حلب، وبلدة عين عيسى في ريف الرقة، بالإضافة إلى مدينة منبج في ريف حلب.
وأضاف المتحدث، إن صحّت الأنباء التي تتحدث عن قيام رتل عسكري فرنسي بالتّوجه إلى تل أبيض، فهذا يعني أن القوات الفرنسية قد تحل محل القوات الأمريكية ولو جزئياً في بعض الأماكن ذات الحساسية الشديدة لدى تنظيم قسد وتركيا على حدّ سواء، مثل مدن تل أبيض ورأس العين ومنبج، فإن تحقق ذلك فهذا يعني أن ثمّة أزمة سياسية تلوح في الأفق بين أنقرة وباريس قد تدفع المشهد السوري إلى مزيد من التعقيد.
ورأى المحلل العسكري والاستراتيجي فايز الدويري في حديث مع «القدس العربي» ان فرنسا لا تستطيع أن تملأ الفراغ الذي يحدثه الانسحاب الأمريكي كما انه ليس لديها الحضور الكافي من اجل ذلك، معتبرًا التصريحات الفرنسية لا تعدو كونها اعلاناً يستثمر سياسياً.
ولم يستبعد الدويري ملامح تفاهمات كردية – تركية بوساطة فرنسية لافتاً إلى ان ذلك لا يمكن ان يتم إلا بشروط تركية صارمة، وقال: يجب التخلص من عناصر الحزب الكردستاني «بي كي كي» وحزب الاتحاد الديمقراطي.
وكانت وكالة دمير أورين التركية ذكرت يوم الأحد أن أنقرة ترسل تعزيزات إلى حدودها مع سوريا مشيرة إلى أن نحو مئة مركبة بينها شاحنات بيك آب مزودة بمدافع رشاشة وأسلحة تشق طريقها إلى المنطقة، وقالت الوكالة إن الرتل التركي المتجه نحو بلدة كلس الحدودية في إقليم خطاي في جنوب تركيا يشمل دبابات ومدافع هاوتزر وأسلحة رشاشة وحافلات تقل أفراداً من القوات الخاصة، وأضافت أن جزءاً من العتاد العسكري والجنود سينتشرون في نقاط على الحدود فيما عبر البعض إلى داخل سوريا عبر منطقة البيلي.
وأكدت فرنسا على استمرار تواجد قواتها العسكرية في سوريا، وكانت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي قد قالت «يتعين هزيمة تنظيم الدولة عسكرياً في آخر جيوبه في سوريا، في حين يبدو قرار واشنطن مرتبطاً باتفاق غير واضح المعالم مع تركيا التي تعتبر حليفها الاستراتيجي، على اعتبار أن الطرفين يعملان على إعادة بناء الثقة المتزعزعة بينهما جراء اعتبار أن كلاً منهما ينتهج سياسة غير مسؤولة تجاه الآخر.
هل واشنطن جادّة؟
ويقود هذا الافتراض حسب مركز جسور للدراسات إلى أن هذه الأخيرة ستكون معنية بمنع المخاطر التي قد تلحق بالأمن القومي الأمريكي من روسيا وإيران في ظل السياسات الحالية المتبعة من قبلهما والتي تدفع نحو تقويض بنية النظام الأمني العالمي، وأضاف «وما يدعو للاعتقاد بوجود اتفاق بين واشنطن وأنقرة وجود مؤشرات لذلك من قبيل موافقة الخارجية الأمريكية على بيع تركيا صواريخ الباتريوت، وكسب هذه الأخيرة لدعوى داخل الولايات المتحدة حول الرسوم الإضافية التي تم فرضها على الصلب التركي، وتجاوز أزمة القس الأمريكي الذي كان معتقلاً لدى أنقرة منذ محاولة الانقلاب الفاشل. إضافة لاستمرار الحشود العسكرية التركية لشن عملية شرق الفرات وحديث الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن تلقيه جواباً إيجابياً من ترامب بخصوصها وطلب البنتاغون عدم جعل المعركة من طرف واحد بدون تنسيق».
وقال الباحث السياسي عبد الرحمن عبارة انه من الصعوبة بمكان التكهّن بالخطوط العريضة للسياسة الأمريكية في سوريا في عهد ترمب، نظراً للطريقة التي يعمل بها والتي يغلب عليها طابع القرارات المفاجئة والصادمة والمتغيرة بين ليلة وضحاها وهذا ما عبّر عنه مرارا أعضاء بالإدارة الأمريكية.
وأضاف، لذلك فمن الوارد أن يتراجع ترمب عن القرار في الربع ساعة الأخيرة، ومبررات هذا التراجع موجودة في المشهد السوري، فالخطر الإيراني المهدد لدول المنطقة وفي مقدمها دول الخليج وإسرائيل ما زال قائما وخطر داعش في شرق سوريا لم ينته كلياً كما أن واشنطن لن تسمح لتركيا بإبادة التنظيمات الكردية التي تتحالف مع واشنطن، ولن تتخلى واشنطن بسهولة عن قواعدها العسكرية المتمركزة في سوريا والتي تجاوزت (13 قاعدة) دون إعادة انتشارها وفقاً لترتيبات الحل النهائي للعملية السياسية.
وقال المرصد إن اجتماعاً جرى قبل يومين بين قيادات فرنسية، وبين أبرز قيادات «قسد»، في منطقة عين عيسى، في الريف الشمالي الغربي للرقة، وذلك على خلفية قرار القوات الأمريكية بسحب قواتها من شرق الفرات في ظل العملية العسكرية التركية التي تلوح بالأفق هناك، وحسب المرصد فإن الفرنسيين أبلغوا قيادات «قسد» بأنها ستبقى إلى جانبهم حتى النهاية وستعمل على تأمين الدعم الكامل لقسد من معدات لوجستية وسلاح وذخيرة وما إلى ذلك، كما أضافوا اننا «سنسعى إلى الضغط على الأمريكان للتراجع عن قرارهم بالانسحاب من سوريا، فهدفنا هو عدم ترك المنطقة للفراغ ومتابعة العمليات العسكرية لإنهاء تواجد تنظيم «الدولة» شرق الفرات، كما نهدف إلى عدم تمدد النفوذ الإيراني إلى شرق الفرات».