هل تستطيع الحكومات أن تسحب جنسية مواطنيها الدواعش؟
قالت مجلة “ذا ايكونوميست” البريطانية إن واقعة سحب الجنسية البريطانية من الفتاة المسلمة شاميما بيغوم، بسبب انتمائها لتنظيم الدولة ” داعش” أثارت تساؤلات حول مدى قدرة الدولة على تجريد مواطنيها من الجنسية، في الوقت الذي تتهم فيه لندن بخرق القانون الدولي في هذه الواقعة.
وغادرت شاميما، التي وُلِدَت في بريطانيا، البلاد منذ أربعة أعوام، وهي في سن الخامسة عشرة، لتنضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا. عبَّرت شاميما، عندما وجد مكانها صحفيون من صحيفة “التايمز” البريطانية في مخيمٍ للَّاجئين الشهر الفائت، فبراير/شباط، عن رغبتها في العودة إلى بريطانيا، ورُفِض طلبها. تتَّخذ القضية الآن منحىً مثيراً للجدل، بإشارة البعض أنَّ بريطانيا قد خرقت القانون الدولي بتركها شاميما بلا مواطَنة.
إذن متى يمكن للحكومات أن تسحب جنسية مواطنيها؟
ليس ذلك حدثاً جديداً. نصَّ قانون المغتربين عام 1907 في أميركا على سحب جنسية أي امرأةٍ إذا ما تزوجت رجلاً أجنبياً، واستخدمت الدولة أساليب مشابهة على مدار القرن العشرين ضد المتعاونين مع النازيين، والمشتبه بكونهم جواسيس، وغيرهم من المواطنين «مخالفي المبادئ الأمريكية».
وبحسب المجلة البريطانية فأثناء الحرب العالمية الثانية نزع نظام فيشي الجنسية عن 15 ألف مواطن فرنسي، أكثرهم من اليهود. وفي عام 1967 حكمت المحكمة العليا الأمريكية بأنَّه يمكن نزع الجنسية عن مواطن فقط إذا ما كان قد تمَّ التحصُّل عليها زوراً، بأن تستَّر على قيامه بجرائم في الماضي مثلاً. وفي الأعوام الأخيرة استخدمت بعض الدول حق سحب الجنسية في مكافحة الإرهاب، كوسيلةٍ لمنع الجهاديين من العودة إلى مواطنهم الأصلية. ما زالت دولٌ عديدة تمارس أحقيتها بنزع الجنسية عن المواطن إذا ما ارتكب فعلاً يُعَد خيانةً لبلاده: وهذا ما فعلته الدنمارك وأستراليا مع مقاتلين مِن داعش يحملون جنسيتها.
إنَّ سحب الجنسية من مواطن هوَ أمرٌ شديد الإثارة للجدل. يقدِّس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق كل شخصٍ في امتلاك جنسية، ويحظر على البلاد حرمان أي شخصٍ منها تعسفاً. وأبعد من ذلك ينص ميثاقٌ للأمم المتحدة يعود لعام 1961 بحظر سحب الجنسية من مواطن استناداً إلى العرق، أو الدين، أو السياسة، وكذلك يحظر نزع الجنسية في الحالات التي يُترَك فيها المواطن بلا جنسية. ومع ذلك، فإنَّ الميثاق يستثني من ذلك الدول التي تمنحها قوانينها القومية الخاصة، في وقت الإمضاء على الاتفاقية، حقَّ نزع الجنسية عن مواطن ليصبح بلا مواطَنة. بريطانيا هيَ إحدى الدول المُعفاة على أساس الاستثناء المذكور، إلَّا أنَّه لم يرِد إلى العلم استخدامها هذه الأحقية منذ عام 1973.
الكويت والبحرين لم توقعا على الاتفاقية
وبحسب المجلة البريطانية، دولٌ عدة غيرها، ومن بينها أمريكا، لم تصدِّق على ذاك الميثاق من الأساس، ويحق لها تجاهل القوانين المنصوصة بِه. ويُعرَف عن دولتيّ الكويت والبحرين، وهُما دولتان لم توقِّعا على الاتفاقية هما الأخريان، أنَّ كلتيهما نزعت جنسيتها قبلاً عن معارضين سياسيين.
وقد تخلق محاولات تجنُّب تَرك مواطن بلا أية جنسية مشكلاتٍ أخرى. وبموجب تشريعٍ أُقر مؤخراً، يمكن سحب جنسية بريطانيا من مواطنين وُلِدوا على أرضها فقط في حالة أن كانت لديهم جنسية أخرى. يجادل البعض أنَّ هذا القانون يصوغ سياسةً مزدوجة، بموجبها تكون مواطَنة البريطانيين مزدوجي الجنسية (أو المحتمل حصولهم على جنسية أخرى) مضمونةً بدرجة أقل من غيرهم، بحسب المجلة البريطانية.
وقد أثارت «قوَّة سحب الجنسية» المتشكِّلة مؤخراً في أمريكا حفيظة الكثيرين. تشنُّ القوَّة المذكورة مطارداتٍ شرسة ضد المهاجرين ممَّن كذبوا باستمارات طلب حصولهم على الجنسية الأمريكية، التي يصعب التعامل معها في الأساس. أثيرت تساؤلاتٌ كذلك عما إن كان نزع الجنسية عن شخصٍ ما أداةً نافعة لمكافحة الإرهاب. ذلك أنَّه قد يهدِّد عن غير عمدٍ الأمن العالمي بتركه الجهاديين خارج البلاد، فضلاً عن سَجنهم -أو على الأقل السيطرة عليهم- داخل البلاد.
وبحسب المجلة البريطاينة فإنَّ إجبار دولٍ أخرى على التعامل مع المنفيين يضرُّ بدوره بالعلاقات الدولية (تخوض بنجلادش وبريطانيا الآن خلافاً حول الجنسية التي يمكن لشاميما أن تطلبها الآن). وبرغم هذه المخاوف، زادت بريطانيا استخدامها لهذا الحل بحدٍّ جذري. في ما بين عاميّ 2006 و2016، نُزِعَت الجنسية البريطانية من 50 شخصاً على أساس أنَّ ذلك «يصبُّ في المصلحة العامة». وفي عام 2017 وحده، سُحِبت جنسية 104 أشخاص. عن قريب سوف تتكرَّر الأسئلة المطروحة الآن في قضية شاميما.