هل تحولت إسرائيل إلى قوة تنفيذية لسياسة الولايات المتحدة في سوريا؟
في بداية مايو عرض المبعوث الخاص للولايات المتحدة في سوريا، جيمس جيفري، ملخص السياسة الأمريكية في سوريا. “الولايات المتحدة تؤيد جهود إسرائيل من أجل الحفاظ على أمنها. لأنها مهددة بخطر دائم من إيران… ولإسرائيل الحق في استخدام كل الوسائل المطلوبة ضد هذا التهديد، مع الاهتمام والحذر من المس بالمدنيين السوريين. إسرائيل هكذا تعمل. وبناء على ذلك، نواصل دعمنا لها بكل الطرق الممكنة”، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
هذا ما قاله جيفري في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية. وعلى سؤال ما هو نوع المساعدات الأمريكية لإسرائيل، أسياسية هي أم لوجستية؟ وهل تأتي عبر قاعدة تنف التي على الحدود بين العراق وسوريا؟ أجاب: “نقدم لها كل المساعدات المطلوبة كي تستطيع بكل وسائلها الضرورية الدفاع عن نفسها. وعندما تدافع عن نفسها فهي تدافع عن الدول المجاورة لسوريا مثل الأردن وتركيا ولبنان والعراق”.
من المهم متى تفهم هذه الدول بأن إسرائيل هي في الحقيقة السور الدفاعي عنها من إيران. وحسب معرفتنا، لم يتم تلقي أي طلب من تركيا أو لبنان أو العراق أو الأردن لمواصلة الهجمات على سوريا كجزء من إستراتيجية دفاعها. ولكن الدولة العظمى الأمريكية تعرف كما يبدو المخفي عن أنظار متخذي القرارات في هذه الدول. وحتى إسرائيل لا تطرح هذا الادعاء الذي يمنحها الإذن لمهاجمة حرة في سوريا، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
الهجمات المتواصلة في الأسابيع الأخيرة تتساوق تماماً مع الاستراتيجية الأمريكية التي أوضحها جيفري. “سياسته تتركز على ضرورة إبعاد كل القوات الإيرانية من سوريا، مع القوات العسكرية الأجنبية الأخرى التي دخلت سوريا بعد العام 2011. وهذا يشمل الولايات المتحدة وإسرائيل فيما إذا كانت التقارير التي تتحدث عن نشاط قواتها الجوية صحيحة، وأيضاً القوات التركية. هذا حكم ممتع. هل يقصد جيفري أن على إسرائيل التوقف عن الهجمات الجوية في سوريا (هذا إذا كانت هناك هجمات طبعاً)، رغم أنها تستهدف الدفاع عن أمنها وأمن جارات سوريا وتساعد في إخراج القوات الإيرانية من سوريا؟ الجواب سلبي، حيث إن إسرائيل -حسب ما ترى الولايات المتحدة- تحولت إلى القوة التنفيذية لسياسة الولايات المتحدة في سوريا.
لا حاجة إلى البحث عن منطق أو ثبات في سياسة الولايات المتحدة في سوريا (أو في الشرق الأوسط بشكل عام). على سبيل المثال، قرار دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا في تشرين الأول 2019 تحول إلى ذكرى باهتة. وإن غياب سياسة أمريكية راسخة أعطى روسيا المفتاح الذهبي للدخول إلى سوريا حتى في عهد باراك أوباما. ولكن في عهد ترامب حظيت روسيا باعتراف كامل بحقها في البقاء في سوريا وإدارة جيشها والخطوات السياسية التي يمكن أن تؤدي إلى حل سياسي.
في مقابلة معه، شرح جيفري بأن التوق إلى إخراج جميع القوات الأجنبية “لا يشمل روسيا؛ لأن القوات الروسية كانت موجودة في سوريا حتى قبل بداية الحرب”. أي أنه يكفي أن تمكث قوة أجنبية فترة كافية من الزمن في دولة أخرى من أجل إعطاء شرعية أمريكية لوجودها، دون صلة مع حجم القوات وطبيعة نشاطاتها.
أقيمت القاعدة البحرية الروسية في طرطوس حقيقة في السبعينيات، لكنها تحولت من قاعدة تموين وصيانة للسفن الروسية إلى قاعدة عسكرية كبيرة، معقل بحري مهم في البحر المتوسط. إن قاعدة سلاح الجو الروسية في حميميم أقيمت في العام 2015 وحظيت بمكانية قاعدة دائمة في العام 2017. وقاعدة تي 4 وقاعدة شيراك تخدم سلاح الجو الروسي، والقوات البرية الروسية تعمل إلى جانب القوات التركية على طول الحدود في شمال سوريا، والشرطة العسكرية الروسية تنتشر في محافظات كثيرة في سوريا. وفي الأسبوع الماضي تم الإبلاغ عن اقتراب خطير بين القوات الأمريكية والقوات الروسية.
حسب الولايات المتحدة، هذا ليس ذريعة للمطالبة بخروج القوات الروسية. يبدو أن واشنطن تعترف أيضاً بمحدودية قوتها السياسية، وهذه المحدودية خلقتها هي نفسها عندما قررت أن سوريا ليست ساحة مواجهة مناسبة باستثناء محاربة داعش. وبالنسبة لإسرائيل، السياسة الأمريكية تعطيها حرية عمل، ولها أيضاً شرعية روسية للعمل كما تشاء، طالما أنها لا تمس بنظام الأسد وتركز على الأهداف الإيرانية.
اعتراف الولايات المتحدة بشرعية الوجود الروسي في سوريا يمنحها الشرعية للتمركز حتى في ساحات جديدة مثل ليبيا. فهي تعمل هناك إلى جانب القائد الانفصالي خليفة حفتر. والولايات المتحدة تعلن في الواقع أنها تسعى إلى أن تؤسس في ليبيا دولة موحدة تحت نظام حكم واحد متفق عليه (يدير ليبيا الآن حكومتان وبرلمانان)، لكنها ستضطر هنا أيضاً إلى الموافقة على الوقائع المنتهية التي تحددها روسيا مع مصر والإمارات وفرنسا، التي تؤيد حفتر ضد التحالف التركي – القطري، الذي يساعد الحكومة المعترف بها، عسكرياً وسياسياً. ستجد واشنطن صعوبة في المطالبة بانسحاب القوات الأجنبية من ليبيا بعد أن خلقت سابقة في سوريا.
كما يبدو، إن الاعتراف بالواقع الجديد الذي يبنى في الشرق الأوسط، في وقت يتضاءل فيه دور الولايات المتحدة، هو مقاربة واقعية تناسب استراتيجية الانفصال الأمريكية عن المنطقة. ولكن هذا الأمر منسوب بصورة مضللة لسياسة منظمة تم وضعها بصورة حكيمة وموضوعية. عملياً، هذا خيار لا مناص منه، جرت الولايات المتحدة نفسها إليه حتى قبل ترامب، وهي تنجر خلفه بتسارع آخذ في التزايد تحت إدارة ترامب.