هل تتورط أستراليا في انتهاك القانون الدولي؟
كشف مايكل بيزولو المدير العام لوزارة الداخلية في أستراليا عن أنَّ اللاجئون المرضى في جزيرتي مانوس وناورو سيُرسلون إلى جزيرة الكريسماس وليس البر الأسترالي الرئيسي، بموجب قوانين جديدة متعلقة بالإجلاء الطبي.
وقالت صحيفة “الجارديان” البريطانية، إن حكومة ناورو أقرَّت كذلك قوانين تحظر التحويلات الطبية القائمة على تقييمات الرعاية الصحية التي تجرى عن بُعد، مما يهدد بخرق النظام واحتمالية انتهاك القانون الدولي، وفقاً لما ذكره بعض المحامين الحقوقيين.
«وحشيةٌ مُطلقة، ونبذٌ لإرادة البرلمان»
وقال بيزولو في جلسة استجوابٍ عُقدت في مجلس الشيوخ الأسترالي، إنَّ «سياسة الحكومة»، بموجب التشريع الذي صدر مؤخراً، اللاجئون المرضى وطالبي اللجوء الذين يحتاجون إلى نقلٍ طبي ممنوعون من التنقل إلى البر الأسترالي الرئيسي مباشرةً، بل سيُنقلون أولاً إلى جزيرة الكريسماس.
وأضاف بيزولو رداً على أسئلة طرحها السناتور نيك ماكيم المنتمي إلى حزب الخُضر الأسترالي: «من الواضح بالطبع أنَّ العلاج إذا كان متوفراً في البر الرئيسي فقط، سيُنقَل المرضى إلى هناك».
وقال ماكيم إنَّ هذا الإعلان «الشائن» أثار العديد من الأسئلة، ويُمثِّل «نبذاً واضحاً لنية البرلمان الواضحة التي تهدف إلى حصول الناس على علاجٍ طبي أفضل، وهو أمر غير متوفر في جزيرة الكريسماس».
وكتب ماكيم في تغريدةٍ عبر حسابه على تويتر: «الحكومة تعتزم إرسال اللاجئين وطالبي اللجوء المرضى إلى جزيرة الكريسماس. هذه وحشيةٌ مُطلقة، ونبذٌ لإرادة البرلمان».
The government plans to send sick refugees and people seeking asylum to Christmas Island. This is utter bastardry and a denial of the Parliament’s intentions. pic.twitter.com/oFgfQvWpRQ
بينما ذكر زعيم المعارضة بيل شورتن إنَّه ليس لديه مشكلة في إرسال الأشخاص إلى جزيرة الكريسماس أولاً. وقال: «إذا تلقى المرضى العلاج الطبي في جزيرة الكريسماس وأصبحوا بخير، فلا مشكلة».
جديرٌ بالذكر أنَّ هناك صراعاً محتدماً يدور بين الحزبين الرئيسيين في أستراليا حول مشروع قانون الإجلاء الطبي.
وبموجب القانون الجديد الذي لم يحصل بعد على الموافقة الملكية، فإنَّ الأشخاص الموجودين في جزيرة مانوس أو ناورو الذين أُرسلوا إلى هناك بموجب نظام إرسال اللاجئين إلى جزر مجاورة الذي تنتهجه أستراليا ويحتاجون إلى عناية طبية في أستراليا، يُمكن نقلهم إلى أستراليا بناء على توصيةٍ من طبيبين عاملين في إحدى الجزيرتين أو أستراليا نفسها.
والجزيرة «الطبية» ليس لها إمكانيات كافية لاستقبال اللاجئون المرضى
وفي السابق، كان الناس ينتظرون حوالي خمس سنوات دون نقلهم، على الرغم من توصيات الأطباء المتعاقدين مع الحكومة الأسترالية.
وبموجب القوانين الجديدة، فإذا أراد الوزير رفض النقل لأسباب طبية، يجب تقييم التوصية من جانب لجنةٍ مستقلة في غضون 72 ساعة، بينما ما زال بإمكانه رفض النقل لأسباب أمنية.
واستجابةً لتمرير مشروع القانون، أعلن رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون على الفور إعادة فتح مركز احتجاز جزيرة الكريسماس «للتعامل مع الحالات المحتمل وصولها ونقلها».
جديرٌ بالذكر أنَّ هناك 431 شخصاً في جزيرة ناورو، و584 رجلاً في جزيرة مانوس.
ومن جانبه، ذكر المجلس المحلي في جزيرة الكريسماس إنَّ الجزيرة ليس لديها مرافق طبية كافية.
إذ قال ديفيد برايس المدير التنفيذي للمجلس في تصريحٍ لهيئة الإذاعة الأسترالية ABC: «بعض هؤلاء الناس لديه مشكلات عقلية خطرة تحتاج إلى متخصصين للتعامل معها. ليس لدينا متخصصون هنا لفعل ذلك».
وأضاف: «لا نملك القدرة على التعامل مع الأشخاص الذين يأتون إلى هنا لأسبابٍ طبية، سواءٌ أكانت جسدية أم عقلية».
ما جعل البعض يهدد بسحب الثقة من الحكومة
وقالت كيرين فيلبس، النائبة البرلمانية المستقلة عن مدينة وينتورث التي كانت من أشد مؤيدي مشروع القانون، إنَّ ادِّعاء بيزولو يُعد «تخريباً لنموذج الديمقراطية التمثيلية لدينا بأكمله».
وأضافت: «حدَّد البرلمان بوضوح عبر إجراءاته السليمة أن الأشخاص الذين يعانون أمراضاً شديدة جداً لدرجة استحالة علاجها في مراكز الاحتجاز بالجزر المجاورة يجب أن يأتوا إلى أستراليا، وليس جزيرة الكريسماس، لتلقِّي العلاج المتخصص».
بينما اتَّهم آدم باندت النائب البرلماني عن حزب الخُضر الحكومة بـ»تحدي إرادة البرلمان تحدياً مباشراً» وتهديد الديمقراطية. وأضاف: «سأدعم مقترحاً بسحب الثقة. سأصوِّت له في أي وقتٍ من الأسبوع الجاري. يجب التخلُّص من هذه الغوغاء في أسرع وقتٍ ممكن».
هل تتورط أستراليا في انتهاك القانون الدولي؟
وعلى صعيدٍ آخر، تواجه إجراءات الإجلاء الطبي عقبةً أخرى في جزيرة ناورو، حيث أقرَّت الحكومة قوانين تحظر التحويلات الطبية الخارجية القائمة على إحالاتٍ طبية تجري عن بُعد.
وبموجب اللوائح الجديدة، يجب أن تصدر جميع إحالات التحويل عن طريق مستشفى ناورو. ثم تُقيَّم الإحالة عن طريق لجنة مراجعة طبية مثيرة للجدل خارج الجزيرة، ويوقِّعها الوزير.
لكنَّ هذا القانون الجديد قد يؤدي على الأرجح إلى تورُّط ناورو وأستراليا في انتهاك القانون الدولي الذي يمنع التعذيب ويضمن الحق في الرعاية الطبية، حسبما ذكر جورج نيوهاوس، المحامي الرئيسي في مشروع العدالة الوطنية.
وقال نيوهاوس: «نتطلع الآن إلى تقديم شكاوى إلى الأمم المتحدة للتحقيق في هذه الانتهاكات».
وأضاف: «هناك أيضاً قوانين دولية تمنع التمييز على أساس العرق ونوع الجنس وحالة الإعاقة. وأستراليا وناورو قد يخرقان هذه القوانين بمنع ناورو اللاجئون المرضى من الحصول على العلاج الطبي».
وقال موريسون لمحطة 3AW الإذاعية اليوم إنَّ الحكومة الأسترالية ستقيم قوانين ناورو الجديدة؛ لأنَّ كيفية تطبيقها غير واضحة، لكنَّه أضاف قائلاً: «هذا بلدهم».
وذكر شورتن أنَّه ينبغي احترام ناورو بصفتها حكومة ذات سيادة إذا أقرَّت قوانين تراها ضرورية. وقال: «القضية هنا هي المعاملة الآمنة للأشخاص في إطار حدودٍ قوية»، مضيفاً أنه لم ير قانون ناورو.
جديرٌ بالذكر أنَّ مسؤولي جزيرة ناورو اتُّهموا سابقاً بمنع نقل اللاجئين المرضى لتلقي العلاج، حتى بموجب أمرٍ من المحكمة الفيدرالية الأسترالية.
بينما لجأت منظمة أطباء بلا حدود للرعاية «عن بعد»
ولا تؤثر هذه الخطوة في نظام الإجلاء الطبي الأسترالي فحسب، بل تؤثر كذلك في على خدمة الرعاية الصحية عن بُعد لفائدة اللاجئون المرضى التي أطلقتها منظمة أطباء بلا حدود.
إذ كانت منظمة أطباء بلا حدود تُقدِّم الرعاية الصحية العقلية في الجزيرة لطالبي اللجوء واللاجئين وأبناء الجزيرة منذ حوالي عام حين طردتها حكومة ناورو فجأة، متهمةً إيَّاها بالتآمر مع ناشطين ضد الحكومة.
وقالت المنظمة إنها كانت تعالج معدلاتٍ مرتفعة للغاية من أمراض عقلية شديدة بين جميع المرضى، وكانت تخشى على صحتهم العقلية بعد طردها من الجزيرة.
لذا أطلقت في وقتٍ سابق من الشهر الجاري خدمة الرعاية الصحية عن بُعد حتى تتمكن من مواصلة علاج مرضاها في الجزيرة. وعلمت النسخة الأسترالية من صحيفة”الجارديان” البريطانية أنَّ حكومة ناورو عرفت بشأن إطلاق هذه الخدمة، لكنَّها لم تُبد أي تعليق أو ردٍّ عليها.
وقالت كريستين روفنر الطبيبة المتخصصة في علم النفس السريري ومديرة أنشطة الصحة العقلية في منظمة أطباء بلا حدود: «خدمة الرعاية الصحية عن بُعد هي الخيار الوحيد المتبقي أمام منظمة أطباء بلا حدود لمواصلة العمل على التزامنا الطبي والأخلاقي بعلاج المرضى السابقين».
وصحيحٌ أنَّ القانون الجديد لا يحظر تلك الخدمة، لكنَّه يمنع موظفي المنظمة من إحالة اللاجئون المرضى إلى لجنة المراجعة لإجراء عملية نقل دولية ما لم يرسلوا المريض عبر مستشفى ناورو.