هل بدأ تصدُّع التحالف الإيراني الروسي في سوريا؟.. عليك إذن أن تفتش عن “إعادة الإعمار وإسرائيل”
أصبح جلياً للعيان اليوم ازدياد التوتر بين التحالف الإيراني الروسي في سوريا، من خلال رد طهران عقب نداء القيادة الروسية بضرورة سحب جميع الوحدات الأجنبية من الأراضي السورية، حيث أشارت إلى أن وجودها في سوريا كان استجابة لدعوة رسمية من النظام السوري. ويعتقد الخبراء أن تبادل هذا النوع من التصريحات دليل على إمكانية عقد صفقة بين موسكو وواشنطن، أساسها الضغط على إيران.
واعتُبرت الدعوة التي أطلقتها روسيا مؤخراً بضرورة خروج القوات الأجنبية من سوريا بمثابة منعطف محتمل في تحالفها مع إيران رغم أن المحللين يقولون إن الشراكة بين البلدين لا يزال أمامها طريق طويل.
جدلية انسحاب إيران من سوريا
الجمعة 18 مايو/أيار 2018، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقب اجتماع مع نظيره السوري بشار الأسد، في سوتشي، بأنه “مع بداية المرحلة الأكثر نشاطاً من العملية السياسية، ستنسحب القوات الأجنبية المسلحة من الأراضي السورية”.
ولاحقاً، أكد مبعوث بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، أن هذا الانسحاب يشمل إيران.
وحتى الآن، نسَّق البلدان أنشطتهما في سوريا؛ حيث وفرت روسيا القوة الجوية، بينما أوكلت إلى القوات الإيرانية المهمة الصعبة على الأرض.
وقال هنري روم، الباحث في الشؤون الإيرانية بمجموعة يوراسيا في واشنطن، إن تصريحات بوتين “لا تعني أن التحالف بين روسيا وإيران في سوريا قد انتهى، ولكنها -لا شك- عائق خطير في طريق التحالف”.
وجاء رد المسؤولين الإيرانيين قوياً، حيث صرح المتحدث باسم الخارجية، بهرام قاسمي، للصحفيين: “لا أحد يمكنه أن يجبر إيران على فعل شيء ضد إرادتها”.
وحاول نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، نزع فتيل التوتر الأربعاء 16 مايو/أيار 2018، وقال إن انسحاب أو بقاء القوات الموجودة على الأراضي السورية بدعوة من الحكومة، وبينها إيران وحزب الله اللبناني، شأن يخص دمشق و”غير مطروح للنقاش”.
إلا أن بوتين عادةً ما يختار كلماته بعناية، ويقول المحللون إنه يبعث برسالة بأن النزاع السوري يجب ألا يتحول الى حرب أكثر دموية بين إيران وإسرائيل.
وشنت إسرائيل، التي أقلقها وجود عدد كبير من القوات الإيرانية في سوريا، سلسلة من الغارات الجوية على مواقع إيرانية لدى جارتها في الأسابيع الأخيرة.
هذا النوع من التصريحات يعكس حالة من التوتر
وبحسب صحيفة Nizavismaya الروسية، يعتقد الخبراء أن تبادل هذا النوع من التصريحات يعكس وجود توتر بين الأطراف الضامنة للهدنة السورية (تركيا- إيران- روسيا) المتفق عليها في كازاخستان.
ومن جهته، يقول الخبير بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، أنطون مارداسوف: “ظهرت في وقت سابقٍ مثل هذه التجاذبات، وعلى وجه الخصوص في مسار عملية أستانا، ومع ذلك تم تجاوز هذه الاختلافات؛ نظراً إلى وجود أهداف مشتركة. أما في الوقت الراهن، وبعد سيطرة دمشق على كامل الأراضي التي لا تشملها مناطق وقف التصعيد، فإن المسألة العالقة باتت مرتبطة أساساً بإدارة هذه الأقاليم بعد الصراع، والتوصل إلى حل توفيقي مع الأطراف الخارجية المسيطرة على المناطق المتبقية”.
كما أفاد مارداسوف بأن قضية الوجود الإيراني ظهرت خلال المحادثات الجارية مع الغرب؛ إذ لا تغيب إمكانية إجراء مفاوضات بين الممثلين الروس والأميركيين، والتي تهدف إلى الحد من الوجود الإيراني في سوريا، وإيجاد حل لمشاكل الجيوب الكردية. وأوضح المصدر ذاته أن الولايات المتحدة الأميركية يمكن أن تشارك أيضاً دول الخليج العربي في المفاوضات الهادفة إلى تقليص الوجود الإيراني داخل سوريا.
كيف ستحاول روسيا التأثير على إيران؟
وفي سياق متصل، بيَّن الخبير الروسي أن هناك اتفاقية معينة بين روسيا والولايات المتحدة أُبرمت في وقت سابق في الأردن، بشأن وجود التشكيلات الإيرانية في جنوبي سوريا، وبموجبها ستحاول روسيا التأثير على إيران، إلا أن ذلك لم يحدث. إلى جانب ذلك، ذكر مارداسوف أنه يمكن أن تحقق تصريحات القادة الروس أهدافاً سياسية عقب إجراء محادثات مع بعض الأطراف الخارجية، التي قد تقدم بعض التنازلات إذا ما تم التوصل إلى حل سياسي.
ومن جهتها، يمكن أن تقوم روسيا بالضغط على إيران وإدراج المعارضة السورية ضمن المحادثات. ومع ذلك، يرى مارداسوف أنه من غير المنطقي مطالبة إيران بسحب كامل قواتها من الأراضي السورية، إذ ستظل موجودة عبر العديد من المجموعات المحلية الموالية لها. في هذا الصدد، أورد الخبير أنه “قد يتم تقليص الوجود الإيراني، لكن قوات طهران لن تغادر سوريا”. ووفقاً للمحلل، تعد إسرائيل وسيلة تضغط بها روسيا على إيران، ولعل ذلك ما يجعل هجمات إسرائيل على الأراضي السورية تخدم مصالح روسيا.
وبحسب الصحيفة الروسية تدعو القيادة الأميركية وبشكل منتظم جميع الأطراف المتدخلة في الحرب السورية للضغط على إيران، بما في ذلك روسيا. وفي الكلمة التي ألقاها في مؤسسة “هيريتيج”، قال وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو، إن “حزب الله يستخدم قواته البرية لشنّ حملات عسكرية في سوريا، بفضل المساعدة التي يتلقاها من إيران، بينما تواصل قوات الحرس الثوري ضخ الآلاف من الجنود إلى داخل سوريا، من أجل دعم النظام الدموي وتحويل سوريا إلى ساحة للقتال”.
وأضاف الدبلوماسي الأميركي بأنه بدلاً من مساعدة مواطنيه، يستمر النظام السوري في إنشاء ممر يمتد من حدود إيران إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، لا سيما أن طهران ترغب في نشر طائرات مقاتلة وأنظمة أسلحة متطورة بالقرب من إسرائيل على طول هذا الممر. ومن جهتها، وصفت الخارجية الإيرانية تصريحات بومبيو بأنها بمثابة تدخل في الشؤون الداخلية، متوعدة بتحميل الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية أي هجوم يستهدف إيران.
لعبة الروس في سوريا!
وروسيا هي القوة الوحيدة التي ترتبط بعلاقات مع البلدين، وتعتبر لاعباً رئيسياً في منع تفجر الوضع.
يقول جولين بارنز-ديسي، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، إن “الروس يلعبون لعبة توازن دقيقة بين مختلف الفرقاء الإقليميين”.
وقال إن تصريحات روسيا عن انسحاب القوات الأجنبية من سوريا هي رسالة إلى إيران، بأن هناك حدوداً لنفوذها في سوريا.
وأضاف “ولكنهم سيواجهون صعوبة كبيرة في تطبيق ذلك”.
وتابع “لقد شهدنا سلسلة كاملة من التصريحات من روسيا خلال العامين الماضيين، حول انسحاب وشيك للقوات، ولم يحدث ذلك”.
والوجود الإيراني مترسخ في سوريا. وتخشى طهران من أن تحاول روسيا إخراجها، وجني جل ثمار إعادة إعمار البلد الذي دمرته الحرب.
وقال إن إيران قلقة من فوز الشركات الروسية والتركية بعقود كبيرة في سوريا، بدلاً من الشركات الإيرانية، كما أنها قلقة بسبب ما يبدو أنه سماح من روسيا لإسرائيل بشنِّ غاراتها الجوية الأخيرة على المواقع الإيرانية.
مصلحة متبادلة
ولكن ورغم ذلك فإن روسيا وإيران تواصلان العمل معاً، فإيران تعتمد على الدعم الجوي الروسي ومعدات التصدي للطائرات، بينما تعتبر القوات الإيرانية وتلك الحليفة لها مهمة في الحرب الميدانية التي لم تنته بعد.
يقول روم “سيستغلّ كل طرف الآخر بأكبر قدر ممكن ولأطول فترة ممكنة”.
أما المحللون في إيران فيرون أن المزاعم بوجود انقسامات مبالغ فيها، ويؤكدون أن إيران ليست مهتمة بوجود طويل الأمد في سوريا.
وقال محمد مراندي، المحلل السياسي في جامعة طهران “الإيرانيون ليست لديهم مشكلة في مغادرة سوريا… فهم لم يكونوا هناك في البداية، ولو لم يخلق الأميركيون وحلفاؤهم هذه الفوضى في سوريا، لما كانوا ليوجدوا هناك الآن”.
أما المحلل الروسي فلاديمير سوتنيكوف، فقال إن بوتين لا يريد الإضرار بـ”الشراكة الاستراتيجية” مع إيران.
وصرح لوكالة الصحافة الفرنسية أنه “رغم أن إيران ليست شريكاً سهلاً لروسيا، فإن البلدين لن يكسرا الروابط بينهما”.
وأضاف أن تصريحات بوتين حول القوات الأجنبية تشير إلى الدول التي ليس لديها إذن واضح من الأسد، بينما إيران حاصلة على هذا الإذن.
غير أن جميع المحللين يوافقون على أن الأطراف الكبيرة تناور من أجل الحصول على حصة في مرحلة ما بعد الحرب.
وقال بارنز-ديسي “أشعر أن الأسد لا يريد نظاماً عسكرياً فرعياً شبه مستقل، يأتمر بأوامر إيران من داخل بلاده”.
وأضاف “والخلاصة هي أن الإيرانيين موجودون في سوريا، وسيبقون فيها، وسيكون لهم نوع من أنواع الوجود العسكري”.