هل الفرصة سانحة لـ”تسوية بعيدة المدى” بين إسرائيل حماس؟
لقد بينت تصفية أبو العطا، قبل كل شيء آخر، بأن يد إسرائيل طويلة وتنال كل من يخطط للإرهاب ضدها، في ظل إظهار القدرات الاستخبارية – العملياتية المميزة لأذرع الأمن.
إن المبرر الذي عرضته إسرائيل للإحباط المركز في هذا الوقت بالذات، هو أن أبو العطا كان في ذروة التخطيط لعمليات نوعية ضد إسرائيل، وعمل على نحو فاعل لإحباط التسوية بين حماس وإسرائيل. يخيل أن إسرائيل، التي تمتلئ بهجة في الآونة الأخيرة من نجاحاتها في المعركة التي بين الحروب في الساحات المختلفة، لا تتوقف لتفحص الآثار الاستراتيجية لأفعالها. الحديث في حالة تصفية أبو العطا لا يدور عن أكثر من خطوة تكتيكية – محلية، وبالتأكيد ليس تغييراً جوهرياً في الوضع الأساس في غزة.
إن تواصل المنظمات في القطاع تشكيل تهديد عسكري على إسرائيل يمكنها أن تنفذه في كل وقت، سيخدم مصالحها. وإن استمرار الوضع القائم وتعاظم قوة منظمات الإرهاب سيستوجب في نهاية الأمر معركة عسكرية واسعة ونشطة لنزع القدرات العسكرية لدى حماس وباقي المنظمات العاقة، ولكن في نهايتها لن توجد بديلاً عن حكم حماس في القطاع، وستجد إسرائيل صعوبة في تصميم واقع من الاستقرار والهدوء الأمني على مدى الزمن.
لقد حققت إسرائيل هدفها في الإحباط المركز في بداية المعركة، وعملت لاحقاً على إنهائها السريع قبل أن تقع إصابات ذات مغزى في الجبهة الداخلية. واختيار التركيز على الجهاد الإسلامي الفلسطيني، وليس على حماس كعنوان سلطوي مسؤول، هو مثابة تغيير في السياسة حتى الآن، وعملياً يحرر حماس من المسؤولية عن منع أعمال الإرهاب من القطاع. واستغلت حماس الفرصة لتقف جانباً، بينما تعمل إسرائيل ظاهراً في خدمتها: أضعفت الجهاد الإسلامي، وإلى جانب ذلك عادت وأكدت بأنه إذا ما كانت حماس مشاركة في المواجهة، فإن الأضرار ستكون أشد بكثير، وهكذا منحتها مجال مناورة واضحاً.
يكشف سلوك إسرائيل وحماس المصالح المتطابقة بينهما، ليس فقط في إضعاف الجهاد الإسلامي، بل أيضاً في تهيئة الظروف لتسوية تهدئة أمنية بعيدة المدى مقابل تسهيلات واضحة في الإغلاق على القطاع. في المستىوى الفوري، فإن للطرفين مصلحة في الإنهاء السريع للجولة، من أجل الامتناع عن تورطات تلزم حماس بالانضمام إلى المعركة.
فهم “الجهاد” بأنه بقي وحده في المعركة، وكلما استمرت تبرز عزلته، فيتلقى مزيداً من الضربات. ولهذا ينشغل الجهاد بإعداد “ألبوم نصر” عبر التباهي بحجم ومدى الرشقات، وبقدرته على تعطيل نصف إسرائيل. ومع ذلك، حتى لو انتهت الجولة الآن، فإن الجيش الإسرائيلي والجبهة الداخلية ملزمان بالإبقاء على حالة التأهب والجاهزية العالية في حالة مبادرة الجهاد لهجمة صواريخ وحوامات على نحو مفاجئ.
في نظرة إلى الأمام، محظور علينا أن نشيح بنظرنا عن العناصر العميقة في ما يجري. فالجمهور الغزي يائس من الأزمة المتواصلة في ظل غياب أفق ومستقبل. وهو لم يؤيد خطوات “المقاومة” للجهاد الإسلامي، مثلما لم يؤيد جلوس حماس على الجدار. في غزة أيضاً، مثلما في إسرائيل، يعاني الأطفال من كوابيس في الليل بسبب الانفجارات، والناس ينشغلون في شؤون البقاء على الحياة. في ختام الجولة، حين يأتي هذا الختام، فهو الوقت لاستنفاد الفرص لتحقيق تفاهمات مع حماس، التي تركز اليوم بقدر أكبر على التسوية مع إسرائيل وإجراء انتخابات في السلطة الفلسطينية بل والمصالحة معها، مما تركز على مواجهة عسكرية مع إسرائيل.
وللوصول إلى تسوية تكون فيها إسرائيل غير مطالبة بخطوة عسكرية واسعة النطاق لإنزال حماس على ركبتيها في معظم المسائل، باستثناء مسألة إعادة جثماني جنديينا والمواطنين، لن نصل إلى شروط أفضل للتسوية من تلك التي توافق عليها حماس اليوم. وبالتالي، لدى إسرائيل فرصة لترجمة النجاح العملياتي إلى واقع استراتيجي أفضل وأكثر استقراراً.