هل العبادي في طريقه للرحيل بعد المظاهرات وتهميش إيران له؟
كان رئيس الوزراء العراقي الودود، حيدر العبادي، يبدو منذ شهورٍ قليلة كأنَّه لا يخطئ أبداً، ونُسِب إليه الفضل في هزيمة تنظيم داعش ضمن إنجازاتٍ أخرى، وكان يُتوقع استمراره فترة ثانية بالحكم خلال الانتخابات البرلمانية في مايو 2018؛ إذ كان يحظى بدعم الولايات المتحدة ودولٍ أخرى في الغرب، وبدا كأنَّه أول زعيم عراقي حقيقي في مرحلة ما بعد الطائفية بالبلاد.
وبحسب صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأمريكية، يقف اليوم وحيداً إلى حدٍ كبير؛ إذ تفكك حزبه، وتراجعت شعبيته، وتخلى عنه شركاؤه السياسيون من أجل التحالف مع مجموعاتٍ موالية لإيران. ويعد بقاؤه في منصبه حتى الآن مقياساً على مدى فشل منافسيه في الاتفاق على ائتلافٍ حاكم.
وخلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي الخميس 13 سبتمبر 2018، اعترف العبادي تقريباً بأنَّ أيامه في منصب رئيس الوزراء أصبحت معدودةً؛ إذ قال إنَّه «لن يتشبث بالسُلطة».
يُلمح سقوط العبادي الوشيك إلى غضب قوةٍ متنامية في الساحة السياسية العراقية: وهي قاعدة الناخبين التي تهتم بأداء قادتها أكثر من انتماءاتهم الطائفية والعرقية.
فطوال أسابيع، عصفت بالعراق مظاهراتٌ في مدينة البصرة الواقعة جنوب البلاد، والتي تزودها بغالبية النفط، لكنَّ سكانها ليس لديهم كهرباء أو مياه نظيفة لمواجهة حرارة الصيف التي تصل إلى 120 درجة فهرنهايت (48 درجة مئوية).
اندلعت المظاهرات بعد إيداع آلاف الأشخاص في المستشفيات بسبب تلوث المياه، وتحولت إلى أحداث عنف.
وقتلت قوات الأمن ما لا يقل عن 12 شخصاً، في حين أحرق المتظاهرون كل مبنى حكومي وحزبي وتابع للميليشيات أمكنهم العثور عليه. ولاقت القنصلية الإيرانية المصير نفسه. (وتجمع المتظاهرون حول القنصلية الأميركية أيضاً قبل أن تحاصرها قوات الأمن لإبعاد المتظاهرين).
صفعة مميتة لمحاولة العبادي الاستمرار
وجَّهت التظاهرات ما اعتقد كثيرون أنَّها صفعة مميتة لمحاولة العبادي الاستمرار في منصب رئيس الوزراء. لكنَّ مشكلاته بدأت في وقتٍ مبكر عن هذا.
لم يكن يُتوقع الكثير من العبادي، المهندس الذي كان يعيش ببريطانيا قبل عودته إلى العراق بعد الغزو الأميركي للبلاد في 2003، عندما اختير من بين الصفوف الخلفية لحزب الدعوة الحاكم؛ لإزاحة رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، عن الحكم في 2014.
ويجادل البعض بأنَّ أكبر ميزة للعبادي هي أنَّه لم يكن المالكي، الشيعي المتعصب لطائفته الذي أحبط كثيرين لدرجة دفعت آية الله العظمى علي السيستاني، وهو رجل دين شيعي ويعد أكبر سلطة دينية بالعراق، إلى خرق حظر تدخله في الشؤون السياسية ومطالبة المالكي بالتنحي.
لكنَّ العبادي، وهو شيعيٌ أيضاً، قد أبلى بلاءً حسناً؛ إذ أشرف على إعادة هيكلة قوات الجيش العراقي المتداعية، وحافظ على ترابط التحالف المضاد لتنظيم داعش والمكون من منافسين دوليين وإقليميين ومحليين وقتاً كافياً حتى استطاع دحر وطرد الجهاديين، الذين غزوا في ذروة قوتهم أجزاء كبرى من البلاد وكانوا على مسافةٍ قصيرة من بغداد. ولاحقاً، قمع العبادي محاولةً للاستقلال أقدم عليها أكراد العراق.
وعندما دنت الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار 2018، تجاوز العبادي الانقسامات الطائفية وتواصل مع أطراف مختلفة لتكوين تحالف النصر، المكون من نخبة جميع الفرق السياسية بالبلاد.
لكنَّ الشعور بالرضا عنه قد تلاشى. كان العبادي يكره العمل بالسياسة، وادعى رفضه استخدام أساليب الدعاية السياسية لحشد الناخبين في اتجاه معين، والذي يعد أسلوباً أساسياً في حكم العراق.
وفشلت محاولاته المتكررة لمحاربة الفساد ودفع اقتصاد البلاد صوب التعافي وتقليص حجم القطاع العام.
ورغم توقع كثيرين فوزه في انتخابات مايو 2018، جاء العبادي في المرتبة الثالثة بعد تحالف يقوده رجل الدين الشيعي والزعيم الشعبوي مقتدى الصدر وقائمة الفتح، وهي تحالف سياسي يتكون من قادة فرق القوات شبه العسكرية المؤيدة لإيران.
اللامبالاة هي ما أسقطته
56 % ممن لهم حق التصويت، الذين سئموا من مستويات الفساد المثيرة للسخرية في الحكومات المتعاقبة والذين لا تُحركهم الولاءات الطائفية، لم يكُلفوا أنفسهم عناء الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
وكثير من هؤلاء الذين اهتموا بالذهاب إلى صناديق الاقتراع حشدهم الصدر وهادي العامري، رجل الميليشيا المُعادي للولايات المتحدة، والذي أصبح سياسياً ويقود حالياً تحالف الفتح.
حاول العبادي التعافي من هزيمته؛ إذ انخرط في النقاشات المعتادة التي تلي الانتخابات البرلمانية وتشهد انشقاق أحزاب مختلفة وتكوين تحالفات لتحقيق أغلبية في البرلمان الذي يضم 329 عضواً.
وعبر التحالف مع الصدر، يمكن أن يقتنص العبادي ولايةً ثانية.
لكن في أعقاب تظاهرات البصرة، طالب أعضاء البرلمان المنتمون إلى الصدر باستقالة العبادي. ومثلما تدخل في 2014، أصدر السيستاني بياناً في الأسبوع الماضي، يقول فيه إنَّه لن يدعم رئيس الوزراء المقبل إذا اختير «من السياسيين الذين كانوا في السُلّطة خلال السنوات السابقة».
ويرى مراقبون أنَّ إيران تقف وراء تهميش العبادي؛ لأنَّها تعتبره شخصاً داعماً للولايات المتحدة، خاصةً بعد أن وافق على الالتزام بالعقوبات التي فرضتها واشنطن على إيران الشهر الماضي (أغسطس 2018).
ويقول ريناد منصور، الخبير في الشأن العراقي لدى مركز أبحاث Chatham House الموجود بلندن، إنَّ إيران لم تفز أيضاً في هذه الانتخابات.
وتابع: «خيار الولايات المتحدة الأول كان العبادي، لكنَّ هذا لم يفلح. وخيار إيران الأول كان تحالفاً يشمل المالكي وهادي العامري، ولم يفلح هذا أيضاً».
وأضاف منصور أنَّ الانتخابات الحالية لم تقم على أساس سياسات الهوية الطائفية، وهو ما يعد تغييراً عما مضى.
وفقاً لتركيبة السلطة حسب طوائف العراق، يجب أن يكون الرئيس كردياً ورئيس البرلمان سُنّياً ورئيس الوزراء شيعياً.
وقال منصور: «يعزز نظام الحكم هذه الهويات، لكنَّ الناس بدأت تقول منذ فترة إنَّ هذه التقسيمات غير مهمة. هم يقولون امنحونا مياهاً نظيفة وكهرباء ووظائف».
وبالنسبة لأحمد بشير، الصحافي العراقي ومقدم البرنامج الساخر «بشير شو»، فإنَّ تظاهرات البصرة كانت رفضاً كلياً لما وصفه بـ»المصفوفة السياسية» في العراق.
وأضاف: «كانت التظاهرات رافضة لكل السياسيين. لم يشكل كونهم سُنَّةً أو شيعة أو أكراداً أي فارق، أو إذا كانوا محميِّين بسبب دينهم أو عقيدتهم».
وأشار بشير إلى وجود مظاهرات في العراق كل صيف، لكنَّه اعتبر تظاهرات البصرة «فرصةً أخيرة» كي يُحسن السياسيون أداءهم.
وتابع: «لن يرحم الناس السياسيين بعد الآن»، مضيفاً أنَّ تظاهرات العام الحالي (2018) ستكون آخر تظاهرة تنتهي دون سفك الدماء على ناطقٍ واسع. وقال: «إذا لم يتحسن أداء السياسيين بحلول العام المقبل (2019) ويخدمون الناس فعلاً، فسيكون الوضع كارثياً».