هل الحوار الوطني يحقق المصالحة بين المواطنين والسلطة الفرنسية؟
وسط احتجاجات “السترات الصفراء” انطلق في فرنسا، اليوم الثلاثاء، “الحوار الوطني الكبير” حول أهم قضايا االبلاد. لكن خبراء يشككون في أن يثمر الإجراء عن مصالحة بين السلطة والرعية.
في 13 يناير، حدد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في رسالته إلى المواطنين، أبرز الملفات المطروحة للنقاش الوطني، وهي سياسة الضرائب وآليات جهاز الدولة، وحماية البيئة، إضافة إلى موضوع الهوية الفرنسية والتمثيل في السلطة التشريعية.
ومن المسائل الـ35 التي اقترح ماكرون مناقشتها: حال نظام الضرائب وهيكل نفقات الدولة؛ توازن الصلاحيات بين الأقاليم والسلطة المركزية؛ الانتقال إلى مصادر طاقة جديدة ووسائل تحفيزه؛ قضايا تتعلق بالهجرة، بما في ذلك تغيير قواعد استقبال اللاجئين؛ إمكانية اللجوء بصورة أوسع إلى استفتاءات شعبية لمعالجة مشكلات كبرى.
وجاء قرار تنظيم المشاورات الكبرى بين السلطة والمواطنين وسط احتجاجات “السترات الصفراء” التي تهز البلاد منذ نوفمبر الماضي، والتي عبر فيه عشرات الآلاف من الفرنسيين عن غضبهم من سياسة السلطات في مجال الضرائب والأسعار وغيرها. وشارك في الجولة الأخيرة من مظاهرات “السترات الصفراء”، يوم 12 يناير، 84 ألف شخص، وألقت الشرطة القبض على 240 متظاهرا بتهمة خرقهم النظام العام.
“سنحول سخطكم إلى حل!”
وأعرب ماكرون، في رسالته، عن ثقته بأن يتيح “الحوار الوطني” فرصة للمواطنين للتعبير عما لا يناسبهم في أداء السلطات، على أن تتمكن الأخيرة من وضع خطة عمل لحل المشكلات المتراكمة. وأوضح رئيس الدولة: “في فرنسا، بل وفي أوروبا والعالم، ثمة أناس كثيرون يشعرون بالقلق والهم. يجب علينا أن نرد على ذلك بطرح أفكار واضحة”. وأضاف مخاطبا المحتجين: “في مقدورنا أن نحول السخط إلى حل”، مشترطا لإجراء المشاورات وقف أعمال العنف، بما في ذلك الاعتداءات على صحفيين ونواب البرلمان.
ورأى بول سميث، الباحث في قسم الدراسات الفرنسية بجامعة نوتنغهام في بريطانيا، أن ماكرون يحاول بهذا الإجراء فتح باب الحوار بين السلطات والجناح المعتدل من حركة “السترات الصفراء”، لكنه لن يستطيع، في أي حال من الأحوال، السيطرة على الجناح المتشدد منها المتمثل بتياراته المختلفة (الفوضويون، أقصى اليسار، أقصى اليمين).
تنفيس طنجرة الضغط
من جهته، اعتبر سيرغي فيودوروف، من معهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن ماكرون يحاول، من خلال لعبه على وتر بعض خواص الطبع القومي الفرنسي، كالإحساس بالعدالة والتطلع إلى المساواة، أن “يعيد تأهيل رئاسته” و”تنفيس الضغط في الطنجرة”، دون أن يلجأ إلى إجراءات قوية مثل حل مجلس الوزراء أو تنظيم انتخابات مبكرة للجمعية الوطنية.
وأشار فيودوروف إلى أن المشاورات التي اقترحها ماكرون لا سابقة لها في تاريخ البلاد منذ نشوء “الجمهورية الفرنسية الخامسة” في العام 1958، لكنها تشبه “دفاتر الشكاوى” من أواخر القرن الثامن عشر، التي دونتها مجالس البلديات المحلية، تلبية لطلب من الملك الفرنسي، للكشف عن المشكلات التي تهم المجتمع.
ووفقا لنظام “الحوار الوطني”، سيكون بإمكان كل مواطن أن يزور البلدية في مدينته ليقدم لها اقتراحاته حول تحسين أداء الحكومة، إضافة إلى إمكانية مشاركة 100 موفد من كل إقليم في مؤتمرات خاصة يزمع تنظيمها لمناقشة البنود المحورية من الأجندة السياسية.
ووفقا لنتائج استطلاع للرأي، أبدى 47% من المواطنين رغبتهم بالمشاركة في المشاورات، مقابل 57% قالوا إنهم سيتجاهلونها، فيما رأى 31% فقط أن الإجراء سيمكّن السلطات من تجاوز أزمة الاحتجاجات الراهنة.
هل سيكون الإجراء فعالا؟
لا شك أن مدى فعالية الإجراء المقترح يبقى لغزا كبيرا، علما أن ما يريده ماكرون هو معرفة الصفات التي يجب أن يتحلى بها المجتمع الفرنسي في المستقبل، وليس إلغاء القوانين التي تم تبنيها خلال فترته الرئاسية، وهذا ما أشار إليه بول سميث من جامعة نوتينغهام. أما معارضو ماكرون، وفي مقدمتهم زعيمة حزب “التجمع الوطني” (أقصى اليمين)، مارين لوبان، وزعيم حزب “فرنسا الأبية” (أقصى اليسار)، فسيواصلون انتقاداتهم له على ضعف فعالية برنامجه. واعتبر فيودوروف، من معهد أوروبا، أن المشاورات الوطنية، التي ستستغرق شهرين كاملين، لن تغير الوضع في البلاد بشكل جذري، مذكرا بأن ماكرون نفسه قال مرارا إنه لن يتراجع عن الإصلاحات التي أعلن عنها قبيل الانتخابات الرئاسية في العام 2017.