هل أصبح دخول غزة برياً أمراً ممكناً؟
تبقى مفهومة حجج المعارضة لخطوة عسكرية واسعة النطاق في غزة، فجذور منظمة حماس مغروسة عميقاً بالسكان المحليين واحتمالات اقتلاعها أمر ضعيف. ومفهوم أيضاً الخوف من المصابين ومن دخول في خطوة قد تتعقد، وكذا أيضاً الأولوية الاستراتيجية للتحديات الكامنة في الساحة الشمالية.
لهذه الأسباب وغيرها تتصرف إسرائيل الآن بقوة محدودة وصبورة ضد حماس، حتى في ضوء أحداث التسلل الأخيرة. هذا التكتيك يستهدف التقليص قدر الإمكان لقدرتها على إلحاق الضرر. وبالتالي، فإن مفهوم استخدام القوة المفضل لدى الجيش الإسرائيلي في هذه اللحظة هو “استخبارات نارية”: قتال يشدد على نيل معلومات استخبارية دقيقة، وفي أعقابها استخدام نار دقيقة (في معظمها من الجو)، في ظل توقع بأن يؤدي هذا الخليط الناجح إلى تغيير في سلوك حماس. هذا النهج يوفر الخسائر أيضاً.
ولكن للأسف، فإن الهدوء على طول الحدود لم يتحقق، بل ثمة إطالة في مدة المواجهات العنيفة، وإطالة في أوضاع الطوارئ في الجبهة الداخلية، بكلفاتها الاقتصادية، وخلق إحساس للإنجاز في الطرف الآخر. فالعدو يتعلم الدروس أيضاً ويبذل جهوداً لمنع الاستخبارات الدقيقة عن الجيش الإسرائيلي وتقليص نجاعة النار الإسرائيلية بواسطة التحصن والتخفي واستخدام الدروع البشرية. تفهم حماس امتناع إسرائيل عن احتلال القطاع، وتشعر بأنه يمكنها مواصلة المواجهات مع إسرائيل دون أن تدفع ثمناً باهظاً.
ولكن يخيل أنه لا مفر من جباية ثمن باهظ أكثر من حماس، وبين الحين والآخر يخلق ردعاً طويلاً أكثر. يبدو أن معركة برية لفترة محدودة ستحقق نتيجة أفضل من النشاط حتى الآن. ينبغي المناورة في أرض العدو، والعثور عليه وإبادته، أو أسر رجاله (في ظل تحطيم أسطورة “المقاومة”). إن جهود “الاستخبارات النارية” مهمة، ولكن لا يمكنها أن تشكل أكثر من دعم للجهود الأساسية، ونقصد الجهود البرية.
على الجيش أن يكون جاهزاً لتنفيذ مناورة واسعة وسريعة. أولاً، ثمة أهمية لاحتلال أرض هي قاعدة انطلاق للمنظمات العسكرية؛ لسحب حرية العمل منها. وتقليص النار المتواصلة على مواطني إسرائيل لن يتحقق إلا من خلال قوات مناورة تسيطر على الأرض، وتصفي قوات العدو وتمنع إطلاق الصواريخ.
ثانياً، إن قدرة المناورة هي أداة مركزية لتحقيق الردع. فالعدو كفيل بأن يمتص ضرراً جسيماً من الجو، ولكن وجوده ككيان سلطوي لا يكون عرضة للخطر. وبالمقابل، فإن احتلال أرض واسعة يفرض تحدياً أكبر بكثير. وتمثيل قدرة المناورة والحسم ضروري لتعزيز الردع ولدحض التقدير بأن المجتمع الإسرائيلي ضعيف ويخاف من الإصابات. صحيح أن للاحتكاك العاليأاثماناً، ولكن مدة القتال القصيرة نسبياً كفيلة بأن تؤدي إلى عدد قليل من الإصابات في الجبهة الداخلية. وأخيراً، تعد المناورة أداة مركزية لحسم الجيش التقليدي، وهذا تهديد قد يتحقق في جبهات أخرى. أما تطوير قدرة مناورة برية للجيش فهو خطوة تحتاج إلى الوقت، وإهمالها رهان خطر.
باختيار المناورة البرية في غزة، ثمة اعتبار أخلاقي: وضع يصبح فيه المواطنون السور الواقي للجيش الإسرائيلي ليس وضعاً مقبولاً. إن الحملات الكبرى، التي تجرى بين حين وآخر، تحدث الردع المؤقت الذي يسمح بفترات هدوء طويلة ويمنح الهدوء لسكان غلاف غزة. الجمهور الإسرائيلي ملزم بأن يفهم بأنه لا توجد في غزة “ضربة واحدة وانتهينا”، بل صراع قوى متواصل ينتصر فيه المرء بالنقاط. والقدرة الإسرائيلية على إدارة حرب استنزاف في غزة والحفاظ على طيف واسع من إمكانيات العمل، يدل على القوة الإسرائيلية.