هل أصبحت إيران تحتل العراق ولبنان بشكل سافر؟
في اليوم التالي لاندلاع المظاهرات في العراق، طار اللواء قاسم السليماني قائد فيلق القدس الإيراني إلى العاصمة بغداد في ساعة متأخرة من مساء ذلك اليوم مستقلاً مروحية للمنطقة الخضراء شديدة التحصين، حيث فاجأ مجموعة من كبار ضباط الأمن بتَرَؤُّسه اجتماعاً نيابةً عن رئيس الوزراء العراقي، كان هذا أبرز واقعة تكشف دور إيران في قمع المظاهرات في العراق ولبنان.
وعكست زيارة السليماني قائد فيلق القدس الإيراني رفيع المستوى، والعقل المدبر لجهاز إيران الأمني الإقليمي، قلق طهران إزاء هذه المظاهرات التي اجتاحت العاصمة العراقية والمدن ذات الغالبية الشيعية، وطالب فيها المتظاهرون بوقف تدخل إيران في الشأن العراقي، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
دور إيران في قمع المظاهرات في العراق ولبنان قد يؤشر لموجة جديدة من العنف
وتؤجج الشكاوى من الأوضاع الداخلية الاحتجاجات في لبنان والعراق والمُوجَّهة بالأساس ضد النخب السياسية، لكنها تشكل أيضاً تحدياً لإيران، التي تدعم بغداد وبيروت دعماً وثيقاً، وكذلك جماعات مسلحة قوية في البلدين.
ونتيجة شن حملة قمع عنيفة في العراق، واستهداف أنصار حزب الله معسكر المعارضة الأساسي في بيروت، هناك مخاوف من صدور ردود فعل عنيفة من إيران وحلفائها ضد الاحتجاجات.
ووفقاً لمسؤولين عراقيين بارزين، على دراية بوقائع الاجتماع، كشفا عن تفاصيل الاجتماع السري بشرط عدم الكشف عن هويتهما، قال السليماني للمسؤولين العراقيين: «نحن نعرف في إيران كيف نتعامل مع الاحتجاجات. فقد حدث نفس الشيء وسيطرنا على الوضع».
غير أن هذا لم يردع المتظاهرين
غير أنه مع مرور ما يقرب من شهر الآن على هذا الاجتماع، استؤنفت الاحتجاجات في العراق، ولا تزال المظاهرات مستمرة في لبنان، وكلتاهما موجهة ضد الحكومة والفصائل الموالية لطهران.
وتهدد الحركتان النفوذ الإيراني في المنطقة في الوقت الذي تعاني فيه بالفعل تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الأمريكية التعجيزية.
وفي اليوم التالي لزيارة السليماني، ازدادت حدة عنف الاشتباكات بين المحتجين والشرطة في العراق؛ إذ تجاوز عدد القتلى 100 شخص نتيجة استهداف قناصة مجهولي الهوية المتظاهرين برصاصات في الرأس والصدر. وفي غضون أقل من أسبوع، قُتِل نحو 150 متظاهراً.
شكوك بأن مقاتلين إيرانيين شاركوا في التصدي للمظاهرات
وخلال الاحتجاجات التي تجدَّدت هذا الأسبوع، وقف رجال ملثمون يرتدون ملابس مدنية سوداء أمام الجنود العراقيين، يتصدون للمتظاهرين ويطلقون الغاز المسيل للدموع. وقال أهالي إنَّهم لا يعرفون من هم، بينما توقع البعض أنهم إيرانيون.
وفي هذا السياق، علَّق محلل الشؤون الأمنية العراقي هشام الهاشمي: «تخشى إيران هذه المظاهرات لأنها حققت أعلى مكاسب في الحكومة والبرلمان من خلال أحزاب مقربة منها (منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003). ولأنها لا ترغب في خسارة هذه المكاسب؛ تسعى للعمل من خلال أحزابها لاحتواء الاحتجاجات بوسيلة تحمل بصمة إيرانية واضحة».
إلا أنَّ هذه المساعي باءت بالفشل
إذ تجددت الاحتجاجات في العراق، يوم الجمعة 25 أكتوبر، عقب توقفها لفترة وجيزة، مع احتشاد المحتجين في ميدان التحرير ببغداد والاشتباك مع قوات الأمن في أثناء محاولتهم اختراق الحواجز على جسر يصل إلى المنطقة الخضراء، حيث يقع مقر الحكومة والعديد من السفارات الأجنبية.
وفي جنوب العراق، هاجم المتظاهرون مكاتب الأحزاب السياسية والميليشيات المدعومة من الحكومة والمتحالفة مع إيران، وأضرموا فيها النيران.
وفي بلد هو ثاني أكبر منتج للنفط ضمن أعضاء منظمة أوبك (منظمة الدول المصدرة للنفط)، يشتكي السكان الفقراء من أنَّ الميليشيات الشيعية القوية الموالية لإيران أسست إمبراطوريات اقتصادية تمكنت من السيطرة على مشاريع إعادة الإعمار الحكومية واستخدامها ستاراً لتنفيذ أنشطة تجارية غير مشروعة.
من جانبه، قال علي العراقي، متظاهر من مدينة الناصرية جنوبي العراق، يبلغ من العمر 35 عاماً: «جميع الأحزاب والفصائل فاسدة، وهذا له علاقة بإيران؛ لأنها تستخدم هذه الأحزاب والفصائل لتصدير نظام حكمها الديني إلى العراق».
يشار إلى أنَّ الناصرية من المدن التي شهدت اشتباكات عنيفة جداً بين المتظاهرين وقوات الأمن.
وأضاف: «الناس يعارضون هذا؛ لذا تراهم ينتفضون ضد إيران».
وفي ليل الثلاثاء، 29 أكتوبر، فتح رجال ملثمون، بدا أنهم مرتبطون بقوات الأمن العراقية، النيران على المتظاهرين في كربلاء -المدينة المقدسة عند الشيعة.
وأسفر ذلك عن مقتل ما لا يقل عن 18 محتجاً، إضافة إلى إصابة المئات في أحداث دامية ربما تمثل نقطة تحول مشؤومة في المظاهرات. وفي بغداد، أحرق المحتجون العلم الإيراني. وقبل ذلك بأيام، تجمع المحتجون خارج القنصلية الإيرانية في مدينة كربلاء، وهتفوا: «إيران.. اخرجي!»
أساليب حلفاء إيران الفاشلة يعرض نفوذها للخطر
أما في لبنان، فخرج مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع يطالبون باستقالة حكومة تهيمن عليها الفصائل الموالية لإيران. ومثلما يحدث في العراق، تركز الاحتجاجات على الشكاوى من الأوضاع الداخلية.
وقال أيهم كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في «مجموعة أوراسيا»: «الاحتجاجات في كل من العراق ولبنان تتعلق بالأساس بالسياسات الداخلية والطبقة السياسية الفاسدة التي فشلت في أداء وظيفتها».
وأضاف كامل أنَّ الاحتجاجات «تعكس فشل نموذج الوكلاء الذي كانت إيران لتستطيع من خلاله توسيع نفوذها، لولا فشل حلفائها في إدارة الحكم بكفاءة».
والمتظاهرون يهاجمون حزب الله ونصرالله يتهمهم بأنهم مأجورون
ونادراً ما تطرق المتظاهرون اللبنانيون في دعواتهم لإيران وحليفتها الرئيسية داخل البلاد، مليشيا حزب الله، لكنهم صبوا الجزء الأكبر من غضبهم على الرئيس اللبناني العماد ميشال عون وصهره وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، اللذين ينتميان إلى حزب مسيحي متحالف (التيار الوطني الحر) مع حزب الله تحالفاً وثيقاً.
ويعني الهتاف «كِلُّن يعني كِلُّن»، الذي انتشر بين المحتجين، أنَّ أياً من فصائل لبنان، بما في ذلك حزب الله وحلفاؤه، ليس بمعزل عن الانتقاد.
وخلال الأسبوع الماضي، اندلعت اشتباكات بالأيدي في مظاهرة رئيسية عندما هتف المتظاهرون ضد زعيم حزب الله حسن نصرالله، الذي أعلن في نفس الوقت تقريباً أنه يسحب أنصاره من الاحتجاجات. وقال نصرالله إنَّ قوى أجنبية مجهولة الهوية تستغل الاحتجاجات لتقويض جماعته، محذراً من أنَّ مثل هذه الأعمال قد تُقحِم البلد في حربٍ أهلية.
وأول أمس الثلاثاء، 29 أكتوبر، أغار أنصار حزب الله على المعسكر الرئيسي للاحتجاجات في وسط العاصمة بيروت. وبعدها بوقت قصير، أعلن رئيس وزراء لبنان سعد الحريري استقالته، وهو زعيم مدعوم من الغرب شارك على مضض مع الفصائل الموالية لإيران في حكومة وحدة وطنية.
وعاد المتظاهرون إلى الميدان مع غروب شمس ذلك اليوم؛ ليحتفلوا بأول انتصار لهم منذ بدء المظاهرات في 17 أكتوبر.
يُذكَّر أنَّ حزب الله هي أقوى جماعة مسلحة في لبنان، وهي الوحيدة التي رفضت تسليم أسلحتها عقب الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. وتبرر احتفاظها بترسانة أسلحة بالقول إنها ضرورية للدفاع عن الدولة من إسرائيل التي احتلت جنوب لبنان من 1982 إلى 2000.
وأرسل حزب الله آلاف المقاتلين إلى سوريا المجاورة للمساعدة في قمع الانتفاضة ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وهو حليف آخر مهم لإيران.
وحاربت كذلك الميليشيات العراقية القوية المدعومة من إيران، التي شُكِّلت في الأساس لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، إلى جانب قوات الأسد. إضافة إلى ذلك، شنت طهران حملة قمعية عنيفة ضد الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، المعروفة باسم الحركة الخضراء، التي اندلعت في الداخل الإيراني بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها عام 2009.
ولكن ماذا قالت إيران عن الاحتجاجات في العراق ولبنان؟
والتزمت إيران الصمت بشأن الاحتجاجات في البلدين حتى أمس الأربعاء، 30 أكتوبر، عندما اتهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، حسبما ذكر موقعه على الإنترنت، الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين بإثارة الاضطرابات في العراق ولبنان.
ونقل الموقع عن خامنئي قوله، خلال كلمة في أكاديمية الدفاع الجوي الإيرانية، إنَّ أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية «تثير الفوضى» في المنطقة. وحث العراق ولبنان على منح الأولوية للأمن القومي واحترام القانون، وقال في الوقت نفسه إنَّ مطالب المحتجين «مشروعة».
وكان عباس موسوي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، قد أعرب في وقت سابق عن «أسف طهران الشديد» لمقتل عشرات المحتجين في العراق.
وقال: «نحن واثقون من أنَّ حكومة العراق وشعبه وشيوخه يمكنهم التغلب على هذه المشكلات».