هل أراد ترامب ضرب كوريا الشمالية بـ80 قنبلة نووية؟ نعم، حتى قبل أن يصبح رئيساً
الخطط العسكرية التقليدية للجيوش هي من أهم أسرار أي دولة، والأمر يزداد سرية بالطبع في حالة الخطط الخاصة باستخدام الأسلحة النووية، لكن إحدى تلك الخطط والتي تشمل إسقاط 80 قنبلة نووية على كوريا الشمالية من جانب الجيش الأمريكي تم تسريبها مؤخراً، في إطار موسم كشف أسرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فما قصة تلك الخطة الجهنمية؟
كيف كشف ترامب نفسه السر الخطير؟
لم يكن كتاب مستشار الأمن القومي السابق لترامب جون بولتون، الذي حاول الرئيس جاهداً منع نشره لكنه فشل، سوى قمة جبل الجليد على ما يبدو، حيث توالت الكتب التي تكشف الجوانب المظلمة من حياة الرئيس، لكن ربما يكون كتاب الصحفي الأمريكي المخضرم بوب وودوورد “الغضب“ قد كشف عن سر عسكري خطير بالصدفة أظهر جانباً مرعباً في شخصية الرئيس المثير للجدل.
“نعم، وضعت الولايات المتحدة خطة لإسقاط 80 رأساً نووية على كوريا الشمالية”، هذا الاعتراف الخطير جاء على لسان ترامب نفسه، بحسب الكتاب، وكان ذلك عام 2017 – أي نفس العام الذي تولى فيه الرئيس منصبه رسمياً – حيث اقتربت الولايات المتحدة وكوريا الشمالية من الدخول في الحرب “بصورة أقرب مما تصور أي شخص”، بنص كلمات ترامب.
والشيء اللافت هنا هو أن خطط الحرب النووية الحالية تعتبر من الأسرار الخطيرة التي تحرسها الجيوش ذات القدرات النووية وتكون متاحة في أضيق نطاق ممكن، فأن يتم الحديث بهذه الشكل العابر عن واحدة من تلك الخطط وعلى لسان الرئيس نفسه يجعل من الأمر سابقة بلا شك لم تحدث من قبل، بحسب المراقبين.
ما تفاصيل الضربة النووية؟
موقع The National Interest الأمريكي تناول قصة الضربة النووية الجهنمية في تقرير بعنوان: “هل كان ترامب راغباً بالفعل في ضرب كوريا الشمالية بـ80 قنبلة نووية؟”، خاض في تفاصيل الخطة من الناحية العسكرية كأهداف ومبررات، كما تناول الجانب الأخلاقي والإنساني أيضاً.
المبرر الذي ساقه ترامب لتنفيذ تلك الضربة الساحقة هو الرد على تهديد من جانب كوريا الشمالية للولايات المتحدة أو أحد حلفائها، والسيناريو الآخر هو توجيه ضربة استباقية تقضي على أي قدرات كورية للرد من خلال استهداف مواقع الأسلحة الكورية وجميع القيادات العسكرية في البلاد القادرة على إصدار قرار توجيه ضربة انتقامية.
وبحسب سيناريوهات الخطة، يقوم الجيش الأمريكي بإسقاط 80 قنبلة نووية في توقيت متزامن على كوريا الشمالية كرد على هجوم تبدأه كوريا الشمالية، بينما جاء سيناريو آخر في صورة توجيه ضربة استباقية تهدف لللقضاء على سلسلة القيادة في كوريا الشمالية بصورة كاملة، وقال وزير الدفاع الأمريكي السابق جيم ماتيس إن “تلك الخطط كانت موجودة بالفعل عام 2017” عندما كان ترامب يوجه الإهانات للرئيس الكوري الشمالي كيم يونغ-أون ويهدد كوريا الشمالية “بالغضب والنار”.
الجدل الذي أثاره هذا الكشف الخطير تخطى حدود الولايات المتحدة وكوريا الشمالية ووصل إلى كوريا الجنوبية وباقي حلفاء أمريكا في المنطقة، حيث عبر كثير من المحللين العسكريين في سيول عن استغرابهم الشديد من تفكير ترامب في الخيار النووي في الوقت الذي تتمتع فيه القوات الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية بتفوق كاسح من ناحية التسليح التقليدي، وهذه النقطة بالتحديد – التفوق الأمريكي الكاسح في السلاح التقليدي – هي الدافع الوحيد وراء سعي بيونغ يانغ للحصول أسلحة نووية كي تصبح بمثابة الرادع في مواجهة عدوها الأمريكي.
ماذا عن الكارثة الإنسانية؟
من المؤكد أن ما ذكره وودوورد في كتابه قد أثار جدلاً كبيراً وسبب إرباكاً في المشهد، ففي كوريا الشمالية تلقفت وسائل إعلام النظام القصة من جانب أهمية مواصلة البلاد وزعيمها كيم يونغ-أون إنتاج الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية لأن الولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بها، وهذا أمر متوقع بالطبع.
لكن في كوريا الجنوبية لم يكن الغضب تجاه الحليفة أمريكا أقل من نظيره في الشمال، فضربة نووية بذلك الحجم أو حتى بقنبلة واحدة من المؤكد أنها ستؤدي إلى فقدان الملايين أرواحهم وستجعل أغلب كوريا الشمالية غير صالح للعيش لعقود طويلة من الزمان، كما أن الإشعاع النووي سيصل ليس فقط إلى كوريا الجنوبية ولكنه أيضاً سيترك أثره على اليابان وتايوان والصين وباقي البلدان المجاورة.
ترامب أراد ضرب كوريا الشمالية قبل 20 عاماً
من الطبيعي طرح هذا السؤال في سياق الكشف عن وجود خطة لضربة نووية بهذا الحجم؛ والسبب الوحيد للعداء بين البلدين هو رغبة واشنطن في القضاء على برامج الأسلحة النووية الكوري الشمالي، لكن من المهم هنا ذكر أن بيونغ يانغ لا تسعى لإشعال حرب مع الولايات المتحدة، وبالعودة لأصل القصة نجد أن سبب العداء هو التدخل الأمريكي في الحرب الكورية التي لولاها لما كان هناك عداء من الأساس.
وفي هذا السياق أصبح كثير من المحللين الأمريكيين يرون أن سياسة واشنطن هي المتسببة في هذا العداء، وبالتالي فإن مبرر توجيه ضربة نووية استباقية لا يوجد منطق له من الأساس، حيث لا يوجد تهديد مباشر من كوريا الشمالية للولايات المتحدة، وبالتالي فإن توجيه تلك الضربة يخرج واشنطن من خانة المدافع عن حليف (كوريا الجنوبية) إلى خانة المعتدي على دولة أخرى، حتى وإن كانت دولة مثيرة للاضطرابات في منطقتها.
لكن بغض النظر عن تلك النقطة، يظل إسقاط عشرات الرؤوس النووية على كوريا الشمالية جريمة قتل جماعي بدم بارد، بحسب محللين، وقد اعترف وزير الدفاع السابق ماتيس بأن الضربة النووية التي كشفها ترامب سوف تؤدي إلى “إحراق مليونين” من سكان كوريا الشمالية، وبالنسبة للباقين على قيد الحياة ستصبح الأرض غير صالحة للعيش، وسيصل تأثير الغبار النووي إلى روسيا والصين كذلك.
من الواضح أن ترامب لم يفكر في تداعيات الضربة النووية بأي صورة من الصور، لكن بالعودة إلى عام 1999 نجد أن توجيه ضربة نووية أمريكية لكوريا الشمالية كانت إحدى الأمور التي يفكر فيها دونالد ترامب، رغم أنه وقتها لم يكن أحد يتصور أنه سيصبح الرئيس الأمريكي رقم 45 بالفعل.
ففي مقابلة لترامب مع شبكة CNN في ضيافة مقدم البرامج الشهير وولف بليتزر، قال ترامب أنه يشعر بالقلق من تطوير كوريا الشمالية برنامجها النووي وأنه على الولايات المتحدة ألا تستبعد أي خيار في التعامل مع بيونغ يانغ بما فيه توجيه ضربة عسكرية لها.