هكذا يعاني “حزب الله” من حرائق ثلاثة أشد من انفجار بيروت
اهتزت بيروت أمس كما لم تهتز يوماً قط. ووجد مراسلون مجربون رفعوا تقاريرهم من منطقة المصيبة في ميناء بيروت، صعوبة في إيجاد كلمات تصف شدة الانفجار المدوي الذي هز المدينة كلها، وألسنة النار الضخمة التي صدرت عن عنبر 12 وسحب الدخان السوداء والبيضاء التي غطت المنطقة بأسرها، وعلى رأس ذلك جثث القتلى والجرحى الذين تناثروا في الموقع. قال أحدهم: “أتحدث إليكم من منطقة منكوبة”، وفقا لصحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية.
قال آخر: “هيروشيما في بيروت”. مرت ساعات على الانفجار الهائل، وللدقة انفجارين، واحد صغير وآخر أكبر بكثير، وكانت محافل الأمن اللبنانية تجد صعوبة في تحديد مصدره. تحدثت إحدى الروايات عن تماس كهربائي أشعل مخزناً ضخماً من المفرقعات ومنه انتشرت النار بسرعة إلى مخزونات مجاورة ضمت مواد مشتعلة. وتحدثت رواية أخرى عن مخزن لمواد متفجرة وربما صواريخ لحزب الله أخفيت في الميناء. بخلاف حالات أخرى في الماضي، لم يسارع حزب الله في بثه إلى توجيه إصبع اتهام نحو إسرائيل. لم يلمح بتخريب مقصود ولم يهدد “بمحاسبة المسؤولين” عما حصل في ميناء بيروت. وحتى لو قال أحد ما بأنها مخازن سلاح وذخيرة تعود للتنظيم، مع أن الأمر غير مؤكد، فليست هناك ساعة أسوأ أمام حزب الله ليعترف بهذا.
من أعمال مخبئه بالضاحية في جنوب بيروت، على مسافة غير بعيدة عن الميناء المحترق، يصاب نصر الله الآن بقلق إلى ما فوق الرأس محاولاً إطفاء ثلاثة حرائق أخرى على الأقل، يعد مسؤولاً عنها، ولا تقل احتمالاتها التدميرية عما حصل في الميناء.
أحد الحرائق هو الأزمة المالية في لبنان، على خلفية ضائقة اقتصادية غير مسبوقة جعلت دولة الأرز دولة مفلسة على شفا الانهيار التام، مع معدلات بطالة ضخمة، ونقص في المواد الغذائية والوقود، ومظاهرات يومية. كثيرون في لبنان يتهمون حزب الله، الشريك في الحكومة، بالمسؤولية عن الوضع.
الحريق الثاني يرتبط بانفجار أصغير بكثير، ولكنه فتاك أكثر بأضعاف، فقبل 15 سنة اغتيل رئيس وزراء لبنان، رفيق الحريري، بأمر من سوريا وبتنفيذ مباشر من حزب الله. وتخلص نصر الله منذئذ من معظم المشاركين في التصفية، ولكن الأدلة المدينة لم تختف، وتوشك المحكمة الدولية على نشر استنتاجاتها اليوم بعد تسويف طويل. بالنسبة لتنظيم نصر الله، الذي أعلنته دول عديدة تنظيماً إرهابياً، لن تكون إدانة المحكمة الدولية في لاهاي له ضربة خفيفة أخرى في الجناح.
أما الحريق الثالث، الذي يهدد لبنان الآن، فيرتبط بالمعادلة التي خلقها نصر الله، وتلزمه بالرد على كل ضربة من إسرائيل لناشط من حزب الله، حتى لو كانت عملية خارج نطاق لبنان. ليس هذا هو مكان البحث إذا ما تصرفت إسرائيل على نحو صحيح ولم توضح منذ البداية بأنها ترفض مثل هذه المعادلة، ولا سيما إذا دار الحديث عن الساحة السورية. ولكن نصر الله يرى حشود القوات على الحدود من الجانب الإسرائيلي ويدرك بأنه إذا ما ارتكب خطأ فقد يشعل الرد الإسرائيلي حريقاً ضخماً آخر في لبنان، لا يمكن لأحد في هذه الدولة البائسة أن يطفئه، والكل هناك سيتهمونه.