هاني القط: «رايات الموتى» تناقش كيفية وصول العقل الشرقي للقتل باسم الدين
في عمله الروائي الثاني “رايات الموتى” يقدم الروائي “هاني القط” نفسه بطرح أكثر تأثيرا في عالم الرواية الذي أصبح المتصدر للمشهد الإبداعي العربي والعالمي، وذلك عبر حبكة روائية درامية يتناول فيها قضية التطرف ولكن من بعد مختلف عن أي تناول قد يقابلك.
يحلق مع عمله بين عالمين قمة في التضاد.. “الغرب” على اتساع رؤاه وغناه الفكري والمعنوي، عبر “ويليام سميث” ذلك الشاعر البريطاني الذي تأتي به الصدفة إلى القاهرة وهو كغيره من الشعراء لازال يبحث عن قصيدته الخالدة التي لم يكتبها بعد وتملأ شغفه، والشرق بأزمات العالم الثالث المختلفة، الممثلة في كثير من شخوص روايته خاصة “سعيد” الذي تبدأ حكايته منذ تم ضبطه متلبسا بالتحرش في أتوبيس نقل عام في القاهرة، وتنتهي بقتله ويليام في حادث الأقصر الشهير نهاية تسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى عدد كبير من السياح، الذين استهدفتهم الجماعة الاسلامية آنذاك.
وبالرغم من أن أبطال روايته مهزومين كل في سياقه، لكن في تفاصيل العمل، والتي يراعي الكاتب أدق لمحة فيها ستكشف عما يمكن أن تؤدي به هذه الهزيمة لأبطالها.
في هذه السطور يتحدث «هاني القط» عن روايته التي جاءت متناوله تحليقاته الجديدة فيها وخاصة أنه يقدم سردا بلغة شعرية مشوقة ربما تجاوزت عمله الروائي الأول “سيرة الزوال”، الحاصل على جائزة الشارقة في الرواية…
البداية جاءت حول ما أدى به إلى هذا العمل وخاصة أنه يعود لحادث بعينه، ليؤكد على أنه قصد من عمله هذا في الأساس العلاقة بين العقليتين المتباعدتين بين عالمين رغم التجاور إلا أنهم يفصلهما كثير من الفواصل والعوائق.
ويتحدث القط بأنه في عمله يقدم حالة من المقارنة بين الشرق والغرب، وبين طبيعة العقل الغربي والشرقي، وفي النهاية يخوض في حالة بحث عن أسباب التطرف ومآلاته”.
ويكمل:” كان همي في العمل الوصول إلى إجانة سؤال واحد وهو : كيف يصل العقل الشرقي بضغوط اجتماعية ونفسية واقتصادية لأن يقتل باسم الدين؟ وكيف للعقل الغربي أن يتعامل مع هذا الأمر”.
ويرى بأن الغرب كان المساهم الأول في إذكاء فكرة التطرف، فهم قرأوا التراث واستفادوا منه لتحقيق مكاسبهم الخاصة متسائلا: “من صاحب فكرة الحرب المقدسة على الاتحاد السوفيتي في أفغانسان على سبيل المثال.. ومن المستفيد منها ؟”.
ويعود ليقدم الإجابة بنفسه:” هي صنيعة مخابرات غربية بلا نقاش.. فكيف توصل الغرب لاستعمال أناس في حرب تخصه للانتصار على خصم بدعوى الدين وهو ما جرى في الحرب على الاتحاد السوفيتي، واستغلال البعد الديني لدى المسلمين ليجري الترويج لها كونها محاربة للكفر، لتخرج الولايات المتحدة البعيدة شكليا عنها منتصرة على خصمها الآوحد والأهم آنذاك”.
وفيما إذا كانت هي نفسها الآلية التي تستخدم عبر تنظيم داعش الارهابي يقول:” رغم أنه حتى الآن لم يخرج من وثائق تتحدث عن امتداد هذا التنظيم، لكن أعتقد أنه يسير في نفس السياق أيضا، وأنا في الحقيقة أرى أن الوقت الذي تجري فيه أحداث الرواية يتماس في جوانب كثيرة من حاضرنا، وأتذكر أنه بعد حادث الأقصر الذي قتل فيه عدد ضخم من السائحين، طرحت بقوة فكرة المراجعات، ومعها مسألة فرض عصى الأمن في مواجهة مثل هذه الحوادث وهذه الجماعات المتطرفة، وأعتقد أننا الآن في نفس المأزق ولدينا نفس الحاجة، فهل لا بد من مراجعات أم لا؟”
وفي الرواية يتطرق القط إلى الجماعة الاسلامية ورموزها العائدين من أفغانستان، خاصة الشيخ “أبو مصعب” العائد خلسة من هناك عبر السودان، والذي سيكون سببا في تحول “سعيد” من متحرش يغط في الفقر والعوز والجهل إلى ذلك المجرم – الذي يفتح النار على أبرياء جاءوا إلى مصر مسلوبين بسحر آثارها وتاريخ أجداد هذا الشعب العظماء الذين بنوا حضارة يعجب لها العالم حتى الآن – وكل ما في مخيلته أنه سينال شهادة وهمية ينعم بعدها في نعيم أبدي لن تصدفه عينه على هذه الأرض.
وعن حادث الأقصر وسياقه في العمل يتحدث القط قائلا :” قصة الحادث نفسه غامض وملتبس إلى حد كبير، وأنا لم أرد أن أخوض كثيرا في هذا الالتباس مع أنه كان من الممكن أن يحقق لي شهرة ضخمة جدا.. وكانت هناك أمور كثيرة من الممكن اللعب على وترها، فمثلا كاتب كبير قال في برنامج بأن “حسين سالم” هو من يقف وراء الحادث، لكني أخذت المقولة مأخذ الجد وبحثت، فوجدت أنها أبعد من هذا كل البعد، وقيل أيضا أنه الموساد الاسرائيلي، وقيل إن من قاموا بالعملية لم يُخَتَّنوا، وأن أي عربي لابد له من هذه الفطرة، و أن ملابسهم بماركات عالمية، وحتى قيل أن الستة الذين قاموا بالعملية كانوا من الجامعة وأن الأمن استدرجهم وقتلهم، وغيرخا من المقولات المخالفة للرواية الرسمية التي أعلنت عنها أجهزة الأمن”.
الحقيقة أني كان من الممكن استخدام المخيلة والعمل على أي مما قيل، لكن وبالرغم من أن حادث الأقصر ليس هو الأساس في العمل إلا أني ظللت أبحث طويلا وقضيت وقت طويل ساعيا لتوثيق الحكاية الرسمية التي قالت بأن الجناة الستة هربوا إلى كهف، وأن أجهزة الأمن اشتبكت معهم وتم تصفيتهم، أو تأكيد أي من الحكايات الكثيرة المتواترة، وعدت كثيرا لأرشيف الصحف، وغير ذلك لكن كان هناك أمر غريب، فعلى سبيل المثال: خلال بحثي في الارشيف وجدت أن كل الأيام التالية للحادث، بأن الصفحات التي تناولته في الأهرام كانت منزوعة”.
ويكمل حكايته بما يشير إلى أن القدر قد يتدخل لصالح الحكاية فيحكي:” ظللت في بحثي إلى أن تعرفت على أحد أفراد الجماعة الاسلامية وذلك بصدفة جاءت في وقتها، وعلى مقهى في مدينة “قويسنا” حكى صديق شاعر بأنه يعرف أحد هؤلاء، وعرفني عليه، وكان أول سؤال لي وأنا ألقي عليه السلام: حادث الأقصر من عملكم أم لا”.
ويستطرد :”أجابني وقتها، نعم، وليس هذا فحسب لكن قال لي أنا كنت في الزنزانة التي كان يتم فيها التحضير للعملية، وبدأ يسرد له العملية التي جاءت في سياق يشبه السياق الرسمي فاطمأن قلبي وبدأت.. لكني في النهاية لا أكتب الحادث”.
ويضيف :” حادث الاقصر ما هو إلا اتكاءه لأرى من يقتل باسم الله بغية دخول الجنة، وطمعا في الحور العين، وكيف يصل إلى هذه الحالة من انعدام الانسانية كيف يتحضر ليكون على هذه الحالة”.
يؤكد هاني القط في حديثه أنه اختار طريقا رسمه فيه كثير من الانسانية والبحث عن حالة الخلاف بين هاتين الحضارتين، وأنه كان يمكن أن يقتنص كروائي المقولة الأكثر صخبا والتي قد تضعه في قائمة – البيست سلر- وفي دائرة الضوء، كما يقوم البعض بالخوض في المقدس حتى يصادر العمل وينالون شهره وهمية، أو غير ذلك لكنه سعى لكتابة الحقيقة بالرغم من أنه لا يسجل للحادث في الأساس.
ويقول القط بأن عمله استغرق منه ثلاث سنوات ليرى النور، رافضا أن يتم التعامل معها من أي جانب على أنها توثق الحادث أو الفترة، قائلا:” هي ليست تاريحية، وأنا لا اعترف بالتاريخ الموثق في رواية، فلا يمكن معرفة التاريخ- أي تاريخ- عن طريق الرواية، ولهذا الأمر طرق أخرى”.
ويعود للتأكيد على أنه لم يقصد حادث الاقصر بذاته، وأنه كان من الممكن ان يكون حادثا آخر، وأن كل أراده أن يبحث كيف يصل الانسان إلى الايمان بفكرة القتل؟
وردا على نفس السؤال يقول:” يمكن القول وببساطة هو مولود ونشأ بان هناك كانت مدينة فاضلة، وبشر لم يخطئوا، وأنه يمكن محاولة إرجاع هذا الزمن.. فيقوم بذلك، بغية ارجاع المدينة الفاضلة… لكن الحقيقة أنه لم تكن هناك مدينة فاضلة، ولم يكن هناك بشر لم يخطئوا.. كانت هناك صرعات سياسية كبرى والتاريخ الاسلامي مليء بهذه الصراعات”.
ويضيف:” كيف يصل الانسان للقتل باسم الدين؟.. هي مجموعة عوامل تشتبك كلها وتؤدي بالانسان لأن يكون سعيد جدا وهو يذهب ليقتل، أو ليفجر نفسه، فهو ذاهب للسعادة، إلى الحياة الحقيقية بعد أن أضنته هذه الحياة التي لم يعد يريدها على الاطلاق. أضف لذلك عوامل اقتصادية واجتماعية، وحتى عوامل قهر سياسي، ودائما دائما ما تجد شخص يخدع أو جماعة تخدع، من أول (حسن البنا) حينما كان يخدع مريديه حتى الآن، فكيف تنشيء فرد يؤمن بك إيمان مطلق، وأنه يجاهد في سبيل فكرة هي الحقيقة المطلقة، في حين أنه ليس هناك حقيقة مطلقة فعلا”.
وبحالة الرواية التي يمكن القول بأنها من أهم الأعمال التي صدرت مؤخرا تأتي تعريج على الكاتب، وبداياته، فيشير إلى أن والده كان أول من ساهم في بناء مداركه المعرفية ودعمه للاستمرار في الكتابه حتى أنه ساعده في نشر أول عمل له، وكان قصيدة عامية في أول مراحل الدارسة الجامعية، ونشرها بمجلة تصدرها جامعة المنوفية، حيث كان والده مدير عام النشاط الثقافي بالجامعة.
وبالرغم من أن بداياته كانت شعرية، إلا أنه يقول:” كنت أشعر أن هناك شيء آخر ولم أكن لأدري وقتها كيف أوجهه إلى أن بدأت في السرد وصدرت لي أول مجموعة قصصية فيها كل أخطاء البداية، فيها فوران التمرد في كل شيء، ولكنها جاءت مبكرا جدا وأنا في مرحلة الدراسة الجامعية”.
وبالرغم من أن لـ”هاني القط” ثلاث مجموعات قصصية، وروايتين إلا أنه يقول أنا روائي ولست قاصا، بالرغم من كتابتي للقصة، وحتى أدب الأطفال، وعلى هذا أعرف نفسي روائيا رغم أن منجزي في الرواية عملين وأعمل حاليا على الثالث.
ويرى القط أن الواقع الإبداعي الراهن أصبح في غاية القسوة، والإهانة للكاتب والمبدع، وذلك عبر حالة دور النشر القائمة والتي لا ينشر عبرها الكاتب إلا بعد أن يدفع أموالا لنشر عمله، بدلا من العكس، لافتا إلى أن السواد الأعظم في مصر أصبح يتخذ هذا المنحى، إلا أنه من جانبه يرفض هذا الأمر، فإما أن يتعاقد ويحصل على نتاج جهده وتعبه في العمل، أو أولى أن يتوقف عن الكتابة لأنه يرى بأن الحالة بهذا الشكل تكون فيها شكل من أشكال الرخص لا يقبله، وهو ما يسير عليه في اعماله، التي اما نشرت بعد نيلها جوائز أو روايته الأخيرة التي تعاقد عليها مع دار نشر إماراتية.