هآرتس: ما الذي تخفيه حكومة نتنياهو عن الإسرائيليين بشأن غزة؟
قدم عضو الكنيست افيجدور ليبرمان (إسرائيل بيتنا) خدمة عامة حقيقية في هذه المرة. النبأ الذي كانت مراسلة “واللاه”، تال شليف، على وشك نشره، أوقفت الرقابة العسكرية نشره لمدة أسبوعين تقريباً، وهو أن رئيس الموساد يوسي كوهين وقائد المنطقة الجنوبية هيرتسي هليفي زارا قطر سراً لإقناع رؤساء الإمارات بمواصلة تمويل عملية التسوية في غزة. وزير الدفاع السابق لا يقلق من صغائر مثل تحفظ الرقابة التي يمكن مناقشة هل يوجد لها أي مبرر. السبت الماضي، كشف ليبرمان السر في مقابلة مع “حداشوت 12”، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
هذا الكشف يضاف إلى ما نشر هنا في الأسبوع الماضي، التي يبدو أنه ما زال صحيحاً. فرغم إطلاق الصواريخ على بلدات غلاف غزة مساء الأحد، إلا أن الحكومة الإسرائيلية مستعدة لفعل الكثير من أجل ألا تشتعل جبهة القطاع قبل الحملة الانتخابية الثالثة للكنيست بعد ثمانية أيام. هذا موقف مشروع تماماً، إذا ما أخذنا في الحسبان البديل الذي يمكن أن يتطور إلى عملية عسكرية كثيرة الإصابات وذات احتمالات مشكوك في نجاحها.
والأقل فهماً هو الفجوة بين الخطاب العلني المتشدد الذي يتبعه رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع نفتالي بينيت تجاه حماس وبين أفعالهما الحقيقية. أرسل نتنياهو كوهين وهليفي إلى قطر بهدف ضمان تواصل تدفق الأموال من الخليج من أجل “تزييت” دواليب النظام في غزة، وتأجيل المواجهة العسكرية. وهذا بعيد جداً عن تبجح نتنياهو بمفاجأة تعدها إسرائيل لحماس، والتصريحات المتواترة لبينيت حول تغيير قواعد اللعب في القطاع.
تحفظ إسرائيل من تأمين المساعدات المالية لحماس يندمج مع خطوات أخرى تم اتخاذها، وعلى رأسها قرار السماح بدخول 2000 عامل من القطاع للعمل في إسرائيل، إضافة إلى الخمسة آلاف الذين حصلوا في السابق على تصاريح في السنة الماضية. وثمة فجوة واضحة أيضاً بين ما قيل للجمهور والواقع. بشكل رسمي، إسرائيل (أي جهاز الأمن، لأن المستوى السياسي يخشى من التطرق إلى هذا الأمر بشكل علني) تتحدث عن إعطاء التصاريح لرجال أعمال فقط.
هذا إغماض للعيون يعتمد على عرض عبثي يبين أن في غزة سوقاً اقتصادية مزدهرة، بل وثمة شك أن يكون في القطاع 7 آلاف رجل أعمال، معظمهم عمال، وعدد منهم جاءوا كما يبدو للعمل في مستوطنات النقب لأنهم يعودون إلى القطاع كل يوم. زيادة عدد التصاريح رافقتها معارضة مهنية من قبل الشاباك الذي يخشى من استغلال العمال لجمع المعلومات ومحاولات تنفيذ العمليات. خلافاً للوضع العادي، يبدو أن موقف الشاباك قد رفض، وهذا يبرهن على القدر الكبير الذي تستثمر فيه القيادة الإسرائيلية في التسوية.
الجيش الإسرائيلي يؤمن بالتسوية في غزة، ويدفع المستوى السياسي لتنفيذها، لا سيما منذ عملية “الحزام الأسود” في تشرين الثاني الماضي.
الجيش الإسرائيلي يؤمن بالتسوية في غزة، ويدفع المستوى السياسي لتنفيذها، لا سيما منذ عملية “الحزام الأسود” في تشرين الثاني الماضي، التي اغتالت فيها إسرائيل قائد الجهاد الإسلامي الكبير بهاء أبو العطا. تشابه المصالح بين المستويين السياسي والعسكري يقود إلى ليّ إبداعي للحقائق يستند إلى افتراض خاطئ، وكأن الجمهور في إسرائيل يخاف من رجال الأعمال الفلسطينيين أقل مما يخاف من العمال. هذا يرتبط بمدى المناورة الكبير الذي منحه الجيش لنفسه في تقاريره عن الإخفاقات الأخيرة، من الاستخدام الخاطئ للرقابة من أجل إخفاء قضية الطائرات التي غرقت في قاعدة حتسور (مدة ثلاثة أيام) وحتى طمس الفشل في إحصاء عدد المتجندين الأصوليين (تأخير لنصف سنة في الإبلاغ عنه، إلى حين نشره في “كان”).
الجهاد الإسلامي يستمر كعادته، وفي هذه الأثناء وفي الوقت الذي توسع فيه إسرائيل التسهيلات المقدمة لغزة، تستمر محاولات تنفيذ عمليات على حدود القطاع. الخميس، أبلغ الجيش الإسرائيلي عن إصابة خلية للقناصة من الجهاد الإسلامي أطلقت النار قرب الجدار. وصباح الأحد، تم تشخيص فلسطينيين، من الجهاد الإسلامي، عند اقترابهما من الجدار ومحاولة وضع عبوة ناسفة. أحد أعضاء الخلية قتل وأصيب صديقه. جرافة عسكرية دخلت إلى المنطقة الفلسطينية وأخلت الجثة ونقلتها إلى الطرف الإسرائيلي.
أفلام قصيرة عن الحادثة نشرت في القطاع أثارت عاصفة في الشبكات الاجتماعية وتهديدات بالانتقام من قبل التنظيمات الفلسطينية. الصور غير سهلة على المشاهدة، كفة الجرافة تدفع جثة القتيل في الوقت الذي يركض فيه الفلسطينيون وراءها ويحاولون تخليصها. هذا هو المعنى الفعلي لتصريحات إسرائيل حول تغيير السياسة وجمع جثث المخربين بهدف مراكمة مزيد من “الذخائر” للمساومة على جثث المفقودين الإسرائيليين لدى حماس. هنا تتضح مسألة أخرى: أما خشي الجنود الذين كانوا يقودون الجرافة من خطر مبالغ فيه مثل كمين لصواريخ مضادة للدبابات من أجل أخذ جثة؟ أليس واضحاً أي فائدة ستنتج عن الاحتفاظ بها، هذا إذا كانت هناك فائدة أصلاً؟
مساء أمس، أطلق الجهاد الإسلامي صلية تقدر بعشرين صاروخاً، تم اعتراض نصفها تقريباً بواسطة القبة الحديدية، ولم يبلغ عن أي إصابات نتيجة ذلك. وعلى كل الأحوال، من المتوقع أن ترد إسرائيل على ذلك. حتى إذا انتهت الجولة الحالية، ثمة أسئلة أكثر قسوة. لقد أحسن صياغتها رئيس الساحة الفلسطينية السابق في الاستخبارات العسكرية، العقيد احتياط ميخائيل ملشتاين. مقابل التسهيلات الإسرائيلية الكبيرة، تعهدت حماس بوقف إطلاق البالونات المتفجرة التي كانت أطلقتها في كانون الثاني. وفي المقابل، قال ملشتاين للصحيفة، حماس لا تفرض سلطتها على الفصائل الفلسطينية الأخرى، وعلى رأسها الجهاد، الذي يواصل نشاطاته كالمعتاد.
في الوقت الذي لا يصادق فيه قادة حماس في القطاع على وجود تسوية، فإن صالح العاروري، من قادة حماس في الخارج، يعلن عن نشاط عنيف في الضفة الغربية. والأكثر من ذلك: تستعد حماس للاحتفال بالذكرى السنوية للمظاهرات على الجدار، التي أوقفتها في نهاية السنة الماضية، بتجمع كبير في 30 آذار.
إن التوصل إلى وقف إطلاق نار طويل المدى في القطاع هو بالتأكيد هدف مرغوب فيه. خلافاً لعدد من الخطوات الأخرى لحكومة نتنياهو، اتخذت مخاطرة مبررة بهدف التوصل إلى البديل الأقل سوءاً من بين الخيارات المختلفة. ولكن القيادة في إسرائيل لا تبلغ الجمهور كل الحقيقة وتتجاهل علامات تحذير قد تدل على أن الأمر متعلق بارتجال قصير المدى نهايته الانهيار.