هآرتس: كيف بدد جانتس في أقواله ضد الفلسطينيين أحلام اليسار بوقف الضم؟
لن يوقف جانتس خطة الضم في الضفة الغربية. إذا كان هناك لأحد ما في اليسار وهم كهذا، فقد تبدد أمس بعد اللقاء الذي جرى بين رئيس الحكومة البديل ووزير الدفاع وبين المراسلين العسكريين، فغانتس لا ينوي الاستلقاء على الجدار ليوقف بجسده رئيس الحكومة نتنياهو. بل العكس.. ظهر غانتس أمس كمن يسير مع نتنياهو، بل ويبحث عن مبررات لسياسته، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
في الجولات الانتخابية الثلاث للكنيست التي انتهت جميعها دون حسم، اتبع جانتس خطاً صقورياً نسبياً في المسألة الفلسطينية. كان هناك من نسبوا ذلك في حينه إلى محاولة غمز مصوتي اليمين بهدف تحويل كمية كافية من المقاعد من الليكود إلى “أزرق أبيض”. ولكن الحديث كما يبدو يدور عن شيء أكثر عمقاً؛ فقد أظهر غانتس أمس تأييده الكامل لخطة ترامب، ورمى مقولة غير ملزمة بشأن حلم الدولتين، واتهم الفلسطينيين بمحاولة جر إسرائيل إلى التمركز معهم في أحلامهم العميقة. وثمة شك بأن يطرح نتنياهو مفهوماً كهذا من شفتيه. فرئيس الحكومة غارق أكثر في سباته.
قبل أسبوع من موعد الهدف الذي تم تحديده في الاتفاق الائتلافي للبدء في نقاشات حول الضم، لا يزال رئيس الحكومة البديل أمام جهل تام بخرائط الضم، وضباط الجيش الكبار أيضاً لم يشاهدوا بعد أي خارطة ملزمة. وحتى نتنياهو لم يجر مشاورات شاملة مع المستويات المهنية في جهاز الأمن. أما تلك التحفظات وذلك القلق الذي يساور معظم كبار قادة أذرع الأمن من تصعيد عنيف في الضفة، ومواجهة مع حماس في قطاع غزة (رئيس الأركان تحدث أمس عن إمكانية تطور قتال هناك)، وشرخ مع الأردن وتدهور العلاقات مع دول الخليج.. فكل ذلك لم يُبحث بالتفصيل داخل الحكومة أو الكابنت.
في “أخبار 12” تحدثوا أمس عن خلافات شديدة بين نتنياهو وغانتس حول مسألة الضم، ولكن نغمة غانتس وأقواله تنعش افتراضاً يقول بأنه لن تحدث معركة حياة أو موت، فغانتس يعرف أن القرار النهائي ليس في يده، بل في يد نتنياهو، والنتيجة ستتحدد في نهاية المطاف وفقاً للتفاهمات بين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبالذات مع صهره جاريد كوشنر، الأكثر معرفة منه في ما هو موجود على الأجندة. وكما يبدو، هو أكثر إصغاء لما يحدث هنا. السؤال هو إذا ما كان كوشنر سيختار رسم خط أحمر (مثلاً المطالبة بالاكتفاء بضم رمزي في “معاليه أدوميم”)، أم أنه سيصمم على بلورة التفاهمات بالمشاركة مع الليكود و”أزرق أبيض” مثلما طالب الأمريكيون من البداية؟
ورغم جهود رجال جانتس لتحديد صورته ومكانته العامة كرئيس حكومة بديل، يعادل نتنياهو، فإن البديل نفسه لا يبث بأنه يؤمن بذلك. الامتحان ليس في حجم قافلة الحماية التي يمليها الشاباك، بل بعلاقة القوى بينه وبين نتنياهو. وهنا يبدو أن غانتس يواصل التصرف وكأنه ما زال رئيس أركان خاضع لرئيس الحكومة، ويجد صعوبة في التحرر من ذلك.
بمفاهيم حسابية، هذه ببساطة ليست قوى. نتنياهو يتعامل مع “أزرق أبيض” مثل قط يتسلى بفريسته، وما زال متردداً بينه وبين نفسه متى سينهي التنكيل بها. غانتس من ناحيته يتفاخر بكل فرصة بمبادرته إلى إقامة كابنت المصالحة، الذي يريد عقده مع رئيس الحزب (ساكن المقر) الذي قاد ضده ثلاث حملات من التشهير غير المسبوق بمفاهيم إسرائيلية.
الآلة الأكثر فعالية التي تعمل من أجل نتنياهو عبر الشبكات الاجتماعية بواسطة مراسلين ومبعوثين في جمع معلومات قابلة للاستخدام وحساسة في اليوم الموعود، ستدخل مرة أخرى إلى العمل في الوقت الذي يرونه مناسباً. وفي هذه المعركة يبدو أن غانتس يفقد الأمل. وبات ضعيفاً جداً احتمال جلوسه في مكتب رئيس الحكومة الحقيقية في تشرين الثاني 2021.
تراكم الغضب
في الوقت الذي جلس فيه جانتس مع المراسلين في مقر وزارة الدفاع بتل أبيب، عقدت لجنة المالية للكنيست لمناقشة تسهيلات الضرائب الاستثنائية التي يريدها نتنياهو وعائلته لأنفسهم. رئيس الائتلاف وعضو الكنيست ميكي زوهر (الليكود)، أعلن بأن رئيس الحكومة غير ملزم بالبحث عن كيفية إنهاء الشهر. أعضاء الكنيست من “أزرق أبيض” أُعطوا توجيهات للغياب عن التصويت. وأعضاء الكنيست من الليكود جاءوا للدفاع عن الفقير المسحوق من قيسارية.
في جلسة كابنت كورونا أول أمس، التي نوقشت فيها خطوات لمواجهة تفشي الفيروس، اتخذ قرار بشأن زيادة تطبيق التعليمات على المواطنين. فقد رفعت غرامة عدم ارتداء الكمامات إلى 500 شيكل. يبدو أننا حصلنا على ثمن رخيص. فقد اقترح أحد الوزراء زيادة الغرامة إلى 2000 شيكل. ومثل النقاش في اللجنة المالية، لقد جسد هذا الاقتراح الفجوة بين الجمهور الذي يختنق تحت قلق كسب الرزق الذي خلقته أزمة كورونا وبين منتخبيه.
معظم مواطنين إسرائيل لا يشغلون أنفسهم بمسألة الضم التي تبدو حتى الآن خطوة نظرية، وأهميتها الفعلية غير واضحة. والشرخ الذي يبثه نتنياهو وجانتس والأعضاء الكبار في حزبيهما عن الناخبين، هو أمر مختلف تماماً ويعرفه الجميع. هنا يتراكم الغضب والإحباط بشكل مستمر، وسينفجران في نهاية المطاف في وجه الحكومة كلما تقاطعت الأزمة الاقتصادية والصحية مع أزمة أمنية.