هآرتس: حماس تفقد سيطرتها على المظاهرات في غزة
العمليتان الانتحاريتان اللتان وقعتا في قطاع غزة نهاية شهر آب، واللتان قتل فيهما ثلاثة من رجال الأمن الفلسطينيين، جعلتا حماس تدرك بأنها فقدت سيطرتها على “مسيرات العودة”، والأكثر دقة، على النشطاء الرئيسيين في الاحتجاج الذي بدأ في مارس 2018، هذا ما تقدره شخصيات رفيعة في جهاز الأمن. في المقابل، مصادر في القطاع تحدثت مع الصحيفة تعتقد أن “إخفاقات معينة في الفترة الأخيرة لا تدل بالضرورة على فقدان سيطرة حماس”. يتوقع أن تنشر حماس في الأسبوع المقبل تحقيقاً عن ليلة العمليات في 27 أغسطس.
عدد بارز من الأحداث الأخيرة في غزة، وأيضاً عمليات في عمق القطاع نفذه، الشهر الماضي، شباب كانوا من قادة المظاهرات قرب الجدار الأمني. إزاء الإحباط الذي شعروا به من إحباط حماس مقابل الإنجازات التي سجلتها بعد مئات القتلى وآلاف المصابين في جولات التصعيد مع إسرائيل، قرر هؤلاء الشباب المحسوبين على منتدى الشباب الثوريين في غزة، ترك المنظمة والانتقال للعمل كعصابات صغيرة برعاية الجهاد الإسلامي الفلسطيني وتنظيمات مارقة أخرى في القطاع. في جهاز الأمن يعتقدون أيضاً أن هؤلاء الشباب شعروا بالإحباط من الطريقة التي تتعامل فيها حماس تجاه إسرائيل وتنازلها عن المواجهة -التي حسب رأيهم- لا تفيد وضع سكان غزة الاقتصادي. وتوصلوا إلى استنتاج بأن حماس لم تعد قادرة على تمثيلهم، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
في يوم العمليات، وبعد دقائق معدودة من سماع صوت الانفجارات في مدينة غزة، ترك رجال جهاز الأمن الفلسطيني مواقعهم على طول الحدود كعمل روتيني قبيل رد محتمل من الطرف الإسرائيلي. وسرعان ما عاد رجال جهاز الأمن إلى مواقعهم بدون خوف. ولاحظت إسرائيل حماس لم تفرض حصاراً على قطاع الشاطئ أو المعابر الحدودية مثلما فعلت في السابق بعد تصفيات أو عمليات للجيش في القطاع جرى كشفها، مثل عملية خانيونس في تشرين الثاني، من أجل العثور على المنفذين أو مساعدين محتملين لهم. التقدير هو أن قرار حماس الغريب تم من خلال إدراك واضح بأن العمليات الانتحارية في غزة خططت “من داخل البيت”. وبعد العمليات قررت حماس القيام بعمليات فحص داخلية من أجل فهم الوضع الجديد الذي تواجهه وكيفية التعامل معه.
تدرك حماس، منذ زمن، الغليان المتزايد في أوساط الشباب الذين كانوا جزءاً أساسياً في مسيرات العودة والأحداث العنيفة التي رافقتها في السنة والنصف الأخيرة. وتحاول حماس السيطرة على المظاهرات على طول الجدار أمام محاولات أعضاء منتدى الشباب الثوري لفرض سياسة متشددة إزاء إسرائيل. أعضاء هذه المجموعة كانوا من المبادرين إلى المظاهرات ضد إسرائيل حتى قبل أن ترعاها حماس.
الشباب المارقون في القطاع جاؤوا من صفوف المنتدى ومن أوساط الوحدة الليلية لحماس، “الضباب”، التي يستغل أعضاؤها الظروف المناخية والظلام من أجل استفزاز قوات الجيش الإسرائيلي على الحدود؛ وكذا نشطاء من وحدات الطائرات الورقية والبالونات الحارقة.
من أجل تقليص الأضرار مع هؤلاء النشطاء المارقين شرعت حماس بفحص أمني لمن يأتون يتظاهرون قرب الحدود. رجال حماس صادروا عبوات وقنابل ووسائل قتالية أخرى من نشطاء أساسيين من أجل إحباط محاولاتهم لتنفيذ عمليات كبيرة على الجدار الأمني، التي استهدفت جر إسرائيل للرد، كوسيلة ضغط على حماس.
الدم الفلسطيني رخيص
في 26 تموز الماضي قتل محمد عبد الله القرع في إحدى مظاهرات الجدار. لاحظ جهاز الأمن أن حماس وللمرة الأولى لم تبلغ عن موت القرع في الوقت الحقيقي، إنما بعد يوم. في منتدى الشباب الثوريين لم يرق لهم القرار، وفي الشبكات الاجتماعية سجل في اليوم نفسه احتجاج وغليان ضد حماس. في فيلم قصير لجنازة القرع الذي نشره نشطاء تركوا حماس، سمعوا وهم يهتفون بغضب لمن هدد بالرد إذا كان هناك قتلى، “هذا هو الوقت للرد على موت الشهيد” كانتقاد لقرار حماس ضبط النفس. في منشورات أخرى، كتبت دعوات مثل “أين وعد الدم مقابل الدم” و”الدم الفلسطيني أصبح رخيصاً”. ورأت حماس في اليوم نفسه علامة فارقة مهمة بسبب الدعوة المكشوفة ضد حماس من داخلها، واتهموا السلطة الفلسطينية بتأجيج الاحتجاج في القطاع. وفي اليوم نفسه، تقرر حماس كبح انتشار الاحتجاج. رجال جهاز الأمن في حماس سيطروا على مستشفى الشفاء الذي اعتبروه بؤرة نشاط للشباب في الشبكات الاجتماعية، وصادروا هواتف محمولة وحواسيب في محاولة للعثور على من يقف من وراء الاحتجاج.
في بيان لمدير المستشفى، جاء في حينه أن “وسائل الحماية في المنشأة الطبية ستوفر بيئة عمل آمنة للطواقم الطبية من أجل تمكينهم القيام بمهماتهم بصورة مرضية للمواطنين. الأجهزة الأمنية والدفاع لوزارة الداخلية تسلمت هذا الصباح تأمين المستشفى بدل الشرطة”.
حماس متفاجئة
تعتقد أوساط أمنية إسرائيلية أن شخصيات كبيرة في حماس فوجئت من العمليات الانتحارية في شهر آب. ووقعت حماس في إحراج لأن جزءاً من هؤلاء كانوا في السابق محسوبين على حماس، وتلقوا مساعدة من الجهاد الإسلامي في عملية ضمت انتحاريين فلسطينيين. حسب هذه المصادر، وضعت العملية قادة حماس في اختبار القيادة الأكبر منذ أن سيطرت حماس على القطاع في 2007. اعتقد جهاز الأمن في حماس بعد العملية أن توجه انضمام الشباب لتنظيمات مارقة في القطاع من أجل تصليب المنظمة أمام إسرائيل، هو تهديد جدي لاستمرار سيطرتها. أي هو تهديد من داخل البيت. ولكن خلافاً للسابق، لم تقوم حماس باعتقالات واسعة لقيادات الجهاد الإسلامي، وركزت على نشطاء صغار في المنظمة. كثير من المعتقلين هم نشطاء كانوا يأتون للمواجهات على الحدود مع الجيش.
تقدير جهاز الأمن هو أن الجهاد الإسلامي وفر لهؤلاء الشباب الذين تركوا حماس الوسائل المطلوبة لتنفيذ هدفهم، وهو الضغط على حماس التي تحكم في القطاع من أجل إظهار خط متشدد أكثر ضد إسرائيل. ولكن الجهاد الإسلامي أيضاً، لا سيما قيادته، لم يدرك أن نية هؤلاء الذين انسحبوا من حماس كانت تنفيذ عمليات انتحارية ضد رجال حماس. لو أن رؤساء الجهاد يعرفون ذلك لمنعوا العملية. تعرف حماس هذا ادعاء الجهاد، ورغم التوتر بين المنظمتين يفضل الطرفان قبوله.
يتوقع أن تنشر حماس في الأسبوع القادم تحقيقاً عن العمليات الانتحارية. تقدير إسرائيل هو أن قادة حماس رغم أنه من الواضح لهم أن الجهاد كان متورطاً في العمليات، فإنهم سيختارون توجيه إصبع الاتهام إلى تنظيمات مارقة شغلتها السلطة الفلسطينية، أو إلى إسرائيل. ولم يخرجوا بتصريح معاد للجهاد من أجل إحداث تهدئة بين الطرفين وإحباط الاحتجاج الداخلي الذي لم يهدأ بعد ويهدد حماس.
تم التعبير عن هذه الأمور أيضاً في رد حماس على العمليات. المتحدث بلسان حماس، فوزي برهوم، قال في حينه بأن “ما حدث لا يخدم أي أحد سوى الاحتلال. استهدفت التفجيرات المس باستقرار الوضع في القطاع وبأمن السكان وقاعدة الدعم للمقاومة الفلسطينية. وزارة الدفاع في غزة لن تسمح لأي أحد بالمس بأمن المواطنين الفلسطينيين”.
مجرد عملية تجميل
نشطاء مدنيون وأوساط في حماس قالوا للصحيفة بأن حماس وعدت بإجراء تغيير شامل في الوضع الإنساني وتخفيف الحصار، لكن كل ما أنجز حتى الآن هو نوع من “عملية تجميلية وعلاج تهدئة لمرض مزمن”. نشيط في المستوى السياسي في حماس اعترف بأن الانتقاد ازداد في الأشهر الأخيرة، وأنه هناك من يتجرأون على توجيه الانتقاد بشكل علني.
وأضاف هذا الشخص بأن الأمر لا يقتضي إجراء تغيير في استراتيجية حماس في الفترة القريبة المقبلة. وحسب أقواله، ستواصل حماس “مسيرات العودة” رغم الانتقاد، لأنها الطريقة الوحيدة في هذه الأثناء لإبقاء غزة على جدول الأعمال والسيطرة على اللهب بدون فقدان السيطرة ومنع التدهور نحو مواجهة مع إسرائيل مثلما حدث في عملية “الجرف الصامد”.
ومثلما جاء في “هآرتس” الشهر الماضي، على خلفية محاولات اقتحام أراضي إسرائيل من قبل نشطاء، فإن المستوى السياسي في حماس والجهاد يدعون بأن شباباً في الذراع العسكري لحماس لم يعد راضياً عن الوضع في القطاع، وعن التهدئة الواهنة التي تحاول التنظيمات منذ أشهر تثبيتها مقابل وعود بتخفيف الحصار، التي لا تساهم فعلياً في تغيير الوضع.
جهات في حماس أضافت بأن معظم الشباب الذين يتجندون للذراع العسكري “يرضعون” أيديولوجيا المنظمة التي تتحدث عن عدم الاعتراف بالعدو (إسرائيل) والنضال حتى تحرير كل أرض فلسطين. وفي المقابل، تحاول حماس التوصل إلى تهدئة مع “العدو”. في الوضع الحالي، ستكون حماس ملزمة بإعطاء تفسيرات لأعضائها وللجمهور الفلسطيني، لا سيما الجيل الشاب في القطاع، حول توجهاتها المستقبلية.
من يعارضون حماس في القطاع، الذين يرتبطون بـ “فتح” أو السلطة الفلسطينية، والذين يرتبطون بالمجموعات المحسوبة على التيار السلفي، لا يسارعون إلى رثاء حماس كسيدة والحديث عن فقدان السيطرة. مصدر كبير سابق في أجهزة أمن السلطة في غزة شرح في محادثة مع الصحيفة بأن أحد لا يشكك في سيطرة حماس على القطاع. وحسب قوله، لحماس أجهزة أمن قوية وقوة شرطية وحكومة لا يستطيع أحد من الفصائل تحديها، بما في ذلك الجهاد. وكل هؤلاء الذين يتحدثون عن فقدان السيطرة أو حكم واهن، ربما يأملون وضعاً كهذا أكثر مما يستندون إلى وقائع. “صحيح أن ثمة أحداث تدل على عيوب أو عدم سيطرة”، استدرك، “لكن هذه تبقى مشاكل محددة لا تدل بعد على توجه يمكن أن يهدد سيطرة حماس على الأقل في المستقبل القريب”.
بين المطرقة والسندان
في الأسابيع الأخيرة، بدأت في غزة حملة في الشبكات الاجتماعية تقلق حماس أكثر من رد إسرائيل على اختراق الطائرات المسيرة المتفجرة. مما نشر في الشبكات الاجتماعية يظهر أن لدى الشباب في غزة نية بأن يبدأوا في 13 سبتمبر، يوم التوقيع على اتفاق أوسلو، احتجاجاً ضد حماس مطالبين بتشديد النغمة ضد إسرائيل. حسب ادعاء مصدر أمني تطرق للموضوع مؤخراً، فإن الشباب في غزة هم في وضع اقتصادي صعب، والتقدير هو أن هؤلاء النشطاء المحبطين يعتقدون أنه، وبعد تصعيد جدي مع إسرائيل، يمكن التوصل إلى تفاهمات تؤدي إلى تغيير كبير لمواطني غزة.
الاحتجاج المخطط له دفع رؤساء حماس إلى إعطاء أوامر بشأن سلسلة خطوات أدت إلى توتر شديد بين حماس والجمهور الذي يخدمها بالخاص في المواجهات مع الجيش الإسرائيلي في الـ 18 شهراً الماضية. من هذه الخطوات اتخذ قرار إصدار أوامر لإبعاد عدد من النشطاء البارزين الذين كانوا معروفين لجهاز الأمن في إسرائيل كمحرضين والذين يشاركون في مظاهرات الجدار. وأبعد هؤلاء لشهر عن منطقة الجدار، وحظر عليهم القدوم إلى المظاهرات أو أي نشاطات مرتبطة بها.
“أبو جمال” هو أحد النشطاء الذين أبعدوا، وكان معروفاً جيداً لكل المشاركين في المظاهرات، تحديداً في جنوب القطاع ووسطه. منتدى الشباب الثوريين انتقد بشدة أوامر الإبعاد بذريعة أن حماس اختارت إبعاد كثير من نشطاء “مسيرات العودة” الذين تعرضوا للإصابة وفقدان أصدقائهم. ونشر المنتدى صور “أبو جمال” وهو يحمل سكيناً كبيرة قرب الجدار في إحدى المظاهرات في محاولة لعرض حماس ناكرةً للجميل.
في عيد الأضحى الماضي، منتصف آب، لاحظ جهاز الأمن أن رؤساء حماس التقوا ممثلين للجمهور في القطاع من أجل محاورة تهدف إلى التوصل إلى تهدئة في الشوارع. كبار شخصيات حماس وصلوا في العيد إلى رؤساء عائلات قوية في القطاع من أجل إظهار سيطرتهم، ونقل رسالة واضحة تقول بأنه يجدر بكل الأطراف الحفاظ على الهدوء والامتناع عن القيام بارتباطات ذات إشكالية.
حماس الآن بين المطرقة والسندان، سواء من ناحية العلاقات الداخلية أو العلاقات الخارجية، ويمارس عليها ضغوط في كل منهما. ويقدر جهاز الأمن بأن حماس غير معنية بالتصعيد. واستناداً إلى ذلك، كان التقدير في الجمعة الماضية أن المظاهرات الأسبوعية ستكون هادئة بصورة نسبية، ولكن الصراع بين حماس والمتظاهرين والمنظمات المارقة أدى إلى أن يقوم المعنيون بتصعيد العنف على الجدار من أجل تحدي حماس وإسرائيل اللتين وجدتا نفسيهما الآن في مشكلة مشتركة.
ثمة شك بأن يتضعضع حكم حماس، في حين أن إسرائيل تخاف من وضع الصوملة (نسبة إلى الصومال) الذي فيه يبدأ كل تنظيم بالقيام بما يراه مناسباً ويهاجم إسرائيل.
هذا من أجل معاقبة حماس والتسبب بتصعيد، الذي حسب رأيهم، سيفيد الجمهور في غزة على المدى البعيد حتى لو أصبح الوضع صعباً. تدرك حماس أن حوار الشبكات الاجتماعية يتميز بخيبة أمل من الإنجازات القليلة للمظاهرات، وبانتقادات متزايدة ضد حماس، ودعوات لتغيير كبير في وضع سكان غزة الاقتصادي والإنساني. في منشور احتجاجي نشر مؤخراً كتب فيه “لم يبق في غزة شاب ذو شارب”، في إشارة إلى أن الشباب اضطروا إلى إرسال بناتهم أو نسائهم لتقديم خدمات جنسية مقابل المال والغذاء. هذه الظاهرة تتزايد وتتسارع مؤخراً في غزة.بقلم: ينيف كوفوفيتش