هآرتس: الفساد السياسييصفع وجه القضاء في إسرائيل بحجة إرادة الناخب
ليس كل ما يطرح في النقاش العام كحقيقة هو بالضرورة كذلك، فحسب أحد الادعاءات الذي حظي بصدى قوي بشكل خاص في وسائل الإعلام وفي قانون الأساس: الحكومة، وفي قانون الحكومة هناك إجابة صريحة وقاطعة لمسألة أهلية تشكيل الحكومة من قبل متهم بمخالفات جنائية. وإذا كان هذا الادعاء حقيقياً فإن المستشار القانوني للحكومة لم يكن بحاجة إلى عشرات الصفحات لمواجهة هذه المسألة، ولم يكن ليشير إلى الصعوبات الكبيرة رغم أن استنتاجه النهائي كان أنه لا يوجد مانع قانوني لذلك، ولا تستطيع المحكمة العليا أن ترفض الالتماسات من خلال تبني هذه الفرضية، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
في المقابل، يبدو أن المحكمة قد تجد صعوبة في الانتقال المباشر من مجال القرارات الإدارية، مثل القرارات بشأن درعي وبنحاسي (التي تم الحديث فيها عن صلاحية رئيس الحكومة في إقالة وزير حسب القانون)، إلى مجال القرارات السياسية للكنيست أو أعضاء الكنيست، مثل التوصية بمرشح لرئاسة الحكومة، وموافقته على قبول المنصب وإعطاء ثقة للحكومة. ستضطر المحكمة إلى فحص مدى درجة اختلاف هذا التمييز، حيث إن صلاحية رئيس الحكومة في إقالة وزراء تنغرس عميقاً في المجال السياسي. لذلك، رفضت المحكمة العليا التدخل في إقالة وزراء هدفها ضمان أغلبية لخطة الانفصال لشارون، وذلك قبل مصادقة الحكومة عليها. يصعب أن يكون هناك قرار سياسي أكثر من هذا.
على المحكمة أن تفحص إلى أي درجة يمكن أن يحصن تصنيف القرار السياسي من الانتقاد القضائي، حتى لو دار الحديث حول قضية تشمل أسئلة قيمية – معيارية من الدرجة الأولى، وتتعلق بطهارة المعايير والإخلاص للجمهور (مثل قضايا درعي وبنحاسي والآن قضية بنيامين نتنياهو). علينا أن نتساءل إذا ما كان هناك قطع حاد لا يخلق تشويشاً أخلاقياً شديداً، ويكون فيه ما هو مطلوب من وزير لا يكون مطلوباً من رئيس الحكومة لمكانته الرفيعة، في حين هناك اتهامات خطيرة ضده تمس بثقة الجمهور أضعاف المرات. تشويه كهذا سيقوض القانون الذي يمس الوزراء، حتى لو أوضحت المحكمة العكس، حيث إن ما يقف على شيء مائل ستكون نهايته السقوط. والنظام القضائي الذي لا يشخص سخافة تعترضه ويصر على عقله الفظ، سيفقد حيويته وقوة إقناعه في النهاية.
وثمة مسألة أخرى تتعلق بمجال التقدير المعطى لرئيس الدولة، فتباطؤ المستشار القانوني للحكومة وتأجيله للنهاية عن طريق المحكمة العليا قلص هذا المجال، ومن الواضح أنه كان أكبر في المراحل السابقة لاتخاذ التوصية من قبل معظم أعضاء الكنيست. ما الذي بقي من هذا التقدير بعد هذا التقليص؟
النقاش يثير مسألة إلى أي درجة تستطيع الشؤون القضائية ومسموح لها بالتغلغل تحت مسميات مثل إرادة الناخب كقيمة ديمقراطية عليا. في هذه الحالة، مورست على الناخب الإسرائيلي حملة كذب غير مسبوقة، وادُّعي فيها بأن سلطات إنفاذ القانون قامت بحياكة قضايا لرئيس الحكومة دون ذنب اقترفه من أجل إسقاطه، وأنه يحق له ادعاء البراءة حتى في المجال العام. كثيرون ضُللوا وخُدعوا. هذه الحملة نظمها شخص مشبوه ومتهم، وبفضل مكانته وأفعاله استطاع تحقيق سيطرة حقيقية على عدد من وسائل الإعلام وتأثير بارز على وسائل الإعلام الأخرى. في دولة سليمة كان يجب عليه الاستقالة في مرحلة أكبر بكثير، مثلما طلب هو نفسه من إيهود أولمرت، حينها لم يكن بوسعه أن يخدع جزءاً كبيراً من الجمهور. الخطأ الأول لاستمرار الولاية في هذه الظروف مكن من إعادة الانتخاب (بعد تبكير موعد الانتخابات بهدف استباق نشر لائحة الاتهام، عبثاً). لم يسبق لهذا أن حدث عندنا، ويبدو أنه أمر نادر في العالم. “إرادة الناخب” التي هي قاعدته، ما هو وزنها؟
هناك مسألة أخرى.. هل ستعتقد المحكمة العليا تتظاهر بأنها تعتقد أن مشكلة تضارب المصالح لدى رئيس الحكومة ستجد رداً حقيقياً في الاتفاق الذي وقع عليه؟ فبإزاء تأثير نتنياهو على مجمل الأجهزة وعلى مجمل التعيينات، الرسمية وغير الرسمية، المباشرة وغير المباشرة، سواء بنفسه أو من قبل آخرين (الذين يريدون أن يعجبوه) – تقتضي رفضه.
بصورة عامة أكثر، فإنه يتعين علينا أن نسأل إذا ما كانت صورة وضع معقد وصعب، والتي يشكل ملخصها خطراً واضحاً وفورياً للضرر الشديد بسلطة القانون وإعطاء روح داعمة للفساد الحكومي، تنجح في التغلغل والتسرب بكامل شدتها عبر التقسيمات والتصنيفات والأطر الرسمية التي تميز التفكير القانوني. مطلوب إذاً التمييز بين القانون والأخلاق. ولكن فصلاً خطياً قد يطمس ويخفي الصورة بكاملها. هذه المسألة تظهر حتى بصورة أشد قبل مناقشة الاتفاق الائتلافي اليوم. وقد علمنا “عمانوئيل كانت” بأن السياسة يجب أن تلائم نفسها مع القانون وليس العكس. الاتفاق الائتلافي بين الليكود و”أزرق أبيض” يعمل عكس ذلك تماماً، فهو يتطرق إلى المؤسسة التشريعية كمادة في أيدي المصنع، يمكنه أن يطيلها أو أن يقصر بدون ذرة من الاحترام للمؤسسة القائمة. هو يصنع بدلة على مقاس نتنياهو وبني غانتس. الأول يضمن له استمرار حكمه رغم أنه متهم، والثاني رئاسة الحكومة، كما يبدو. هذا مع توزيع الحقائب الوزارية الذي لم نشاهد مثله. احتفال وهمي في أوقات الشدة، ترافقه أحاديث فارغة عن المساهمة في تحمل العبء لصالح الشعب والدولة.
الترتيبات المختلفة التي تظهر في الاتفاق لا يُطرح أي تفسيرات موضوعية حولها، وليس هناك خلفها أي هدف جديد. في المقابل، يكتنفها غموض وترهل وخطر من الشلل، وتأتي إلى العالم في حالة الطوارئ كبديل عن الثقة غير الموجودة بين الطرفين. هل هذه هي مهمة الدستور؟ أبهذه السرعة ودون أي بحث مقارن وتدقيق في الأمور من جميع الجوانب، يغيرون نظامنا الدستوري من الأساس؟ المحكمة العليا سبق وقررت في الماضي (في قضية جرجفسكي) بأنه وضمن اتفاق سياسي بين القوائم لا يمكن إلغاء قانون إحداهما مدانة به للأخرى، فالحديث يدور عن شراء سلطة بالمال.
هل هو أمر أقل خطورة ذلك الاتفاق الائتلافي الذي جاء ليسحق تحصين بنية النظام؟ كيف سيظهر درس في المدنيات عن قوانين الأساس إذا تمت المصادقة على هذا الاتفاق؟ وإذا كان من يصفون أنفسهم حراساً على الديمقراطية بهذه الشاكلة.. فكيف سيبدو أعداؤها؟