نيويورك تايمز: وثائق تاريخية تكشف أسباب هزيمة كارتر بسبب محاولات مصرف أمريكي إنقاذ شاه إيران
كشفت وثائق أمريكية أن قرار إدارة جيمي كارتر السماح لشاه إيران وأفراد من حاشيته الدخول لأمريكا بعد الثورة الإسلامية عام 1979 كان السبب الرئيسي وراء احتجاز الرهائن الأمريكيين والذي كان السبب بنهاية حكم كارتر حيث لم يعاد انتخابه مرة ثانية.
وفي التقرير الذي أعده ديفيد كيرباتريك قال فيه إنه مع وصول طائرة غالف ستريم إلى مطار فورت لوندريل فلوريدا وكان على متنها شاه إيران ومن رافقه من حاشيته كان بانتظاره شخص واحد وهو مدير من بنك تشيس منهاتن الذي قام بالضغط على البيت الأبيض وقام بترتيب التأشيرات لمحمد رضا بهلوي الذي أطاحت به ثورة شعبية في إيران. وقام بترتيب طائرة غالف ستريم لنقله. وقال جوزيف ريد، رئيس طاقم مدير البنك ديفيد روكفلر في احتفال بالبنك عقد اليوم التالي “وصل النسر”.
وبعد أقل من أسبوعين وفي 4 تشرين الثاني 1979 قامت مجموعة من الطلبة الثوريين بالسيطرة على السفارة الأمريكية بطهران واحتجاز 50 أمريكيا انتقاما لوصول الشاه إلى أمريكا وبقوا في الحجز مدة 444 يوما. وكان الشاه قد فر من إيران في شباط (فبراير) 1979 بعدما احتشدت كل القوى في إيران ضد حكمه الذي مضى عليه 38 وحكم فيه البلاد بالحديد والنار. وحاول الشاه طلب اللجوء إلى أمريكا لكن جيمي كارتر الذي خاف على المصالح الأمريكية في ذلك البلد وحماية للسفارة الأمريكية رفض، وكان يأمل بأن بعقد علاقات مع الحكومة الإيرانية الجديدة.
وتكشف الأوراق السرية من مكتب روكفلر وبتفاصيل حية كيف قام بنك تيشس منهاتن ومديره الذي له صلات قوية بالعمل من خلف الأضواء لإقناع إدارة كارتر السماح للشاه الذي كان من أهم عملاء البنك الدخول إلى أمريكا. وبالنسبة لكارتر وأمريكا والشرق الأوسط فقد كان قرارا مثيرا للجدل ومدعاة على المواجهة. وساعدت أزمة الرهائن آية الله الخميني على توطيد دعائم حكمه ووصول رونالد ريغان الجمهوري إلى الحكم. ورغم شكوى كارتر من الضغوط التي كان يتعرض لها إلا أن حجمها لم يكشف عنه من قبل. وأطلق فريق روكفلر على عملية جلب الشاه “عملية النسر” وهو شعار الشاه.
واستطاع روكفلر تحشيد شبكة من المؤثرين داخل الإدارة والمسؤولين السابقين لدعم عمليته. وشملت هنري كيسنجر، وزير الخارجية السابق ومدير المجلس الاستشاري لبنك تشيس جون جي ماكلوي والمفوض السابق لألمانيا المحتلة فيما بعد الحرب العالمية الثانية ومستشار لـ 8 رؤوسا أمريكيين والعميل السابق لـ”سي آي إيه” أركيبالد بي روزوفلت جي أر وعميل الـ “سي آي إيه” السابق كيرمت روزفلت جي أر الذي نظم انقلاب عام 1953 ضد محمد مصدق بالإضافة لمدير سابق لـ “سي آي إيه” وسفير أمريكي سابق في طهران.
وكان تشارلس فرانسيس الذي عمل في الشؤون العامة بالبنك هو من أثار انتباه الصحيفة للوثائق والذي وصف العملية بالسهلة جدا والتي لم ينتبه إليها أحد. وتم التبرع بالسجلات المتعلقة بالعملية لجامعة بيل حيث اشترط صاحبها ريد الذي مات عام 2016 ألا تفتح إلا بعد وفاة روكفلر الذي مات عن عمر 101 عاما في 2017. وتحتوي على معلومات محرجة له وكذا قادة آخرين.
وعلى خلاف انتقاد الصقور من أن كارتر كان قلقا على حقوق الإنسان ولم يفعل اللازم لدعم الشاه، تكشف السجلات أن مبعوثه الخاص لإيران حث جنرالات الشاه على استخدام القوة المطلقة لقمع الثورة ونصحهم باستخدام القوة العسكرية.
ولم يرد متحدث باسم كارتر للتعليق كما أن المتحدث باسمه في وقت الأزمة لم يكن متوفرا للتعليق. وبعد عملية الرهائن حاولت إدارة كارتر إنقاذهم في 24 نيسان (إبريل) 1980 تحولت لكارثة حيث تحطمت المروحية التي كانت تحمل الجنود الثمانية وقتلتهم في الصحراء. وكانت أزمة الرهائن مسؤولة عن نهاية رئاسة كارتر الثانية وتعاون روكفلر وجماعته الجمهورية مع حملة ريغان وحاولوا إحباط “مفاجأة أكتوبر” من إطلاق الرهائن قبل الانتخابات.
وقام فريق روكفلر بنشر الشائعات وجمع المعلومات حول عملية دفع أموال مقابل إطلاق الرهائن. وهي عملية بروباغندا قالت إدارة كارتر إنها عرقلت المفاوضات لتحرير الرهائن.
وكتب ريد في رسالة لعائلته “لقد قمت بما وسعي” لمنع “مفاجأة أكتوبر” وتمت تسمية ريد لاحقا سفيرا للمغرب. ثم قام روكفلر فيما بعد بالضغط على الإدارة المقبلة والتأكد من أن سياساتها تجاه إيران تحمي مصالح بنكه المالية. وتكشف السجلات عن أمل لروكفلر إعادة شكل من الحكم المماثل للحكومة التي أطيح بها في إيران.
وفي بداية الثورة نصح كيسنجر روكفلر بنتيجة محتملة وهي “ثورة بونابرتية مضادة تقوم بحشد العناصر الموالية للغرب داخل الجيش أو ما تبقى منه”. واعترف كيسنجر بأن هذا الحكم عكس رأيه في حكمه وانه “كان رأيا وليس سياسة”. ولكن روكفلر ظل يؤمن بنوع من إنقاذ حكم الشاه حتى بعد رحيله. ودعا شخصيا ريجان في عام 1980 بأن يساعد على ثورة مضادة والتوقف عن مفاوضات مقايضة والقيام بعمل عسكري لو يتم الإفراج عن الرهائن واقترح احتلال ثلاث جزر إماراتية تحتلها إيران. وقال روكفلر “النتيجة المحتملة للوضع هو استبدال الحكومة الإسلامية الشيعية المتطرفة إما عبر عمل عسكري أو بعمل يجمع ما بين العسكري والتعاون مع القادة المدنيين الديمقراطيين”. وكان روكفلر يعرف الكثيرين في البيت الأبيض وكارتر نفسه ويعرف الشاه منذ عام 1962 وقابله في نيويورك وطهران وسانت مورتيز وسويسرا.
ومع زيادة مال الخزينة الإيرانية بسبب النفط عقد بنكه اتفاقا مع المصرف المركزي الإيراني وحصل على مال كبير مقابل نصح الشركة الوطنية للنفط. وبحلول عام 1979 قدم البنك 1.7 مليار دولار كقروض في مشاريع عامة وكان يحتفظ بـ 500 مليون دولار من الأرصدة الإيرانية. واكد روكفلر أن اهتمامه بالشاه هو عن “مصداقية أمريكا وموقعها” و “التخلي عن صديق بحاجة للمساعدة” كما كتب في مذكراته. وقال إن حديثه مع كارتر عن الشاه كان قصيرا ودافع عنه مرة واحدة في عام 1979 “لم أفعل أكثر من التأثير على تفكير الإدارة في السر والعلن”.
ولكن الأوراق تظهر أنه فعل أكثر من هذا حيث تلقى تقاريرا وحاول الحديث مع كيسنجر وماكلوي وريد. وفي حفلة غداء بنادي نيكربوكر بنيويورك قال مبعوث كارتر الخاص لإيران الجنرال روبرت إي هويسر أنه حث قادة الجيش الإيراني على قتل المتظاهرين حالة الضرورة للحفاظ على الشاه في السلطة. وقال “لو فشل إطلاق النار فوق الرؤوس تحولوا إلى الصدور” ويقول إنه حصل على معارضة ونظرات ضيق من الجيش لكن الجنرال الأكبر كان “جبانا”. وكان لروكفلر مبعوثه الخاص لمساعدة الشاه وهو روبرت أف أرماو، وهو مستشار في العلاقات العامة، جمهوري. وأصبح من أهم مستشاري الشاه. وقال أرماو “كان الجميع يأملون بتكرار 1953”. وعندما واجه الشاه وضعا لا يؤمل به اختارت الخارجية الأمريكية روكفلر للمساعدة على نقله إلى أمريكا. وفي الوقت الذي تنقل فيه الشاه بين مصر والمغرب قام المتظاهرون الإيرانيون بالسيطرة على السفارة الأمريكية لوقت قصير. وحذر الدبلوماسيون من هجوم جديد وهو ما دعا الشاه لتغيير موقفه. ورفض روكفلر نقل الأخبار السيئة للشاه، وخاف من تأثير هذا على أرصدة البنك والزبون الذي لا يقدر بثمن. وقال “المخاطر كبيرة لـ”سي أم بي” ووضعه في إيران” في إشارة لتشيس مانهاتن بانك. وحاول البحث عن مكان بديل في البهاماس والمكسيك مركزا على جهوده لإقناع إدارة كارتر السماح للشاه بدخول أمريكا.
وبدفعة استمرت ثلاث أيام من نيسان (إبريل) اتصل كيسنجنر بمستشار الأمن القومي زبينغو بريجنسكي وأتبعها بمكالمة مع كارتر. واتهم كيسنجر الإدارة بترك حليف أمريكي يدور في العالم بحثا عن ملجأ. وكتب ماكلوي رسالة إلى البيت الأبيض حث فيها الإدارة الأمريكية التفكير بعواقب التخلي عن حليف مهم على الحلفاء الآخرين بالمنطقة. وأرسل ريد طبيبه الخاص إلى كورنيفاكا بالمكسيك لفحص الشاه الذي كان يعاني من سرطان الكبد. وقام ريد بوضع الطبيب مع وزارة الخارجية وقالوا إن الشاه على حافة الموت وهو بحاجة لعلاج متقدم في أمريكا. وبهذه النتيجة بدأ فريق روكفلر التحضير لرحلة الشاه إلى فورت لودرديل. وبعد وصوله شعر الشاه أنه أصبح في أيد أمينة. لكن أزمة الرهائن وضعت ضغوطا على الإدارة مما دعاها طلب مغادرة الشاه سريعا. وبعد أسبوع حث روكفلر كارتر في مكالمة تلفونية إرسال وزير الخارجية لمقابلة الشاه والحديث عن وضع بلاده، لكنه لم يفعل وغادر الشاه سريعا إلى بنما ومنها إلى مصر. وبعد وفاة الشاه في تموز (يوليو) 1980 بعد 9 أشهر من وصوله إلى أمريكا ومغادرته لها تحول هدف عملية النسر إلى منع تحميل روكفلر المسؤولية عن أزمة الرهائن. وأقنع كيسنجر الكونغرس عدم فتح تحقيق أثناء الحملة الانتخابية وأخبر روكفلر “لم يعد لدينا مشكلة ديفيد”. وأفرج عن الرهائن في 20 كانون الثاني (يناير) 1981 يوم حفل تنصيب الرئيس. وبعد أيام اتصل مستشار الأبيض في إدارة كارتر الراحلة مع روكفلر وسأله عن أزمة الرهائن وإن أثرت على عمليات بنكه في إيران وكان الجواب “لقد كانت جيدة .. أكثر مما توقعنا”.