نيويورك تايمز: هل يريد جونسون أن يصبح “جرو ترامب” ليعطيه اتفاقية تجارة تخفف من آثار”بريكست” على بريطانيا؟
قال المعلق روجر كوهين بصحيفة “نيويورك تايمز” إن بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني الجديد يواجه آلهة انتقام دموية، مشيرا إلى أن جونسون هو باحث التاريخ القديم/ الكلاسيكي وهو يفهم والحالة “بعد الغطرسة والعدو فالآلهة تراقب ولحظة العقاب تحوم فوق رأسه، فالأعداء يأتون كما وصف هيمنغوي حالة الإفلاس: أولا ببطء ثم فجأة”.
وتساءل كوهين عن العقاب وسببه؟ ويجيب أن جونسون لعب ببلاده وتعامل معها على أنها واحدة من لعبه وبطريقة متهورة ولا مبالية وليس بعناية يمكن أن تعفيه من العقاب. فقد دعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي متبعا نزواته-متوقعا أن الشعب البريطاني سيرفض الخروج. ولكنه أصبح بعد ذلك بيدقا في يد المتشددين الداعين للبريكسيت، المجانين الذين تسكنهم فكرة واحدة وهي “بريطانيا الصغيرة” والذين أوصلوه الآن إلى 10 دوانينج ستريت. ويعلق كوهين أن وصول جونسون لرئاسة الوزراء هي لحظة رمزية تامة: رجل بدون إيمان راسخ لبلد لا يعرف مساره، رجل يحمل ميولا لتدمير الذات لبلد يعاني شللا في القرار “فالآلهة عندما تكون قاسية تضحك” على حال بريطانيا.
وفي عالم دونالد ترامب المغرور والجاهل بشكل كبير، فبوريس جونسون مغرور على قدر المساواة ولكنه ليس جاهلا بنفس المستوى. ولكننا نواجه خبل ترامب مع شذوذ جونسون. ويرى كوهين أن الأخير كذب ودفع ضاحكا طريقة إلى أعلى منصب البلد، مقلدا ومحاكيا المهرج الأحمق ومخلفا وراءه الضرر الكبير. ولكن جونسون ليس أحمقا فهم يعرف التداعيات التي تنتظره.
ولو استطاع جونسون الذي ألف مرة كتابا “عامل تشرتشل” انشغل برسوم القيادة فسيصبح أقصر رئيس وزراء بريطاني يقضي مدة في الحكم بتاريخ بريطانيا. والموضوع الرئيسي الذي ينتظره هو البريكسيت، وربما إيران. فالموعد الذي حدده وهو 31 أكتوبر لإكمال ترتيبات الخروج عليه الوفاء به خاصة أنه ربطه بوصول الإنسان على القمر.
وربما استطاع الرجل الذي يزعم أنه قادر على تحقيق الخروج التوصل لاتفاق خروج جديد أفضل من ذلك الذي قدمته رئيسة الوزراء السابقة ورفضه البرلمان ثلاث مرات أو تبني مقولة “أنا وبعد الطوفان” أي اللجوء إلى ترك أوروبا بدون اتفاق مما يعنيه من فوضى اقتصادية وإدارية، وهو مسار سيضر بالجنيه الإسترليني ويعطل خطوط الإمدادات الأساسية ويضع جونسون أمام معارضة برلمانية.
وحديث جونسون عن ثلاثة أشهر هي بالضرورة شهرين لأن أوروبا في شهر آب (أغسطس) تغيب في عطلة الصيف كما أن صبر الاتحاد الأوروبي من المهزلة البريطانية بدأ ينفذ ووصل حالة الإجهاد. لكن رئيس الوزراء القادم يعتقد أنه قادر على تحقيق اتفاق مع أوروبا والحصول على تغييرات أحسن من تلك التي حصلت عليها تيريزا ماي بما في ذلك قضية الحدود بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا التي أغضبت المتشددين الداعين للخروج والذين رأوا فيها حصان طروادة لبقاء بريطانيا ضمن النظام الجمركي الأوروبي.
فقضية الخروج من أوروبا هي قضية أيرلندا أيضا، فاتفاقية السلام التي وقعت عام 1998 أدت إلى حدود مفتوحة، وهي قضية المملكة المتحدة أيضا، وستطرح سؤالا على اسكتلندا التي دعمت البقاء في الاتحاد الأوروبي وإن كان عليها البقاء في المملكة المتحدة أم تبحث عن الاستقلال. وبريكسيت هي مسألة بوريس جونسون. فلم تستطع ماي القول إلا “بريكسيت يعني بريكسيت” فهل يستطيع تقديم رؤية عن سبب إيمانه بهذه الحماقة، أي الخروج؟
وتساءل كوهين إن كان جونسون يريد أن يصبح “جرو” ترامب يتسول له من أن يعطيه اتفاقية تجارة لكي يخفف من آثار الخروج على بريطانيا؟ وهل يريد فعلا أن يقيم علاقات دافئة مع رئيس أمريكي قال إنه يستطيع محو أفغانستان عن “وجه الأرض” وقتل 10 ملايين نسمة مقدما نفسه كذبا على أنه وسيط محتمل في النزع الهندي-الباكستاني حول كشمير، ولجأ إلى التصريحات العنصرية ضد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
وهل سيستمع جونسون أخيرا لصوت العقل، فقد ثبت أنه من الصعب التوصل إلى خطة بريكسيت لأنها مستحيلة. وكما قال رئيس الوزراء السابق جون ميجر فعلى جونسون الاختيار بين أن يكون متحدثا رسميا باسم فصيل الألتراس الداعي للخروج أو أن يكون خادما للأمة التي سيقودها لأنه لا يستطيع لعب الدورين”. وقال كوهين إن جونسون لديه الكثير من الأعداء، وغالبية هشة في البرلمان ومواعيد مقيدة، كما أن فرصه للحصول على صفقة جديدة بحلول 31 أكتوبر أو إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق ضئيلة إن لم تكن معدومة. فما هو الحل إذا؟ ربما دعا لانتخابات ولكن انتصارا للمحافظين يبدو بعيدا خاصة أن المقترعين منقسمين بين حزب بريكسيت الشوفيني بزعامة نايجل فاراج وحزب العمال الرهيب بزعامة جيرمي كوربن وحزب الليبراليين الديمقراطيين المؤيد للبقاء في أوروبا وحزب المحافظين.
وفي النهاية ستكون انتخابات حول البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي فلماذا لا يدعو لاستفتاء ثان؟ فبعد ثلاث سنوات من الفوضى الحصرية وكل أكاذيب جونسون عام 2016 تستحق بريطانيا القول إن كانت فعلا تريد الخروج من أوروبا. ولو بقي جونسون على ما هو فسيواجه انتقام أعدائه الحازم والدموي، وقد يختار طريقا يتذكره الناس به وهو أنه اتخذ قرار شجاعا كتب مرة كتابا عنه.