نيويورك تايمز: عنصرية تثير الجدل لاستخدام الوجه الأسود في المشاهد الهزلية بالعالم العربي
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريراً لمراسلها ديكلان وولش، تطرق فيه للنقد المتزايد من استخدام النمطيات المنتشرة في مجال الترفيه العربي القائمة على السخرية من أصحاب البشرة السوداء في محاولة لاستجرار ضحكات رخيصة من المشاهدين.
وأشار الكاتب في تقريره إلى ما ورد في عرض كوميدي ليبي، كان يقوم على عربة أطفال حيث يغلق باب المصعد عليها فاصلا الأم، الممثلة التي دهنت وجهها بالأسود عن العربة. وتظهر كاميرا خفية وجود ركاب في المصعد عاديين. وتصرخ الأمم برعب قائلة “خذوا بالكم من أولادي” وعندما يفتح باب المصعد ويدفع الركاب العربة يقفز منها قردان.
ويعلق الكاتب أن الوجوه السوداء طالما كانت صورة عن الترفيه تعود في جذورها إلى أمريكا في القرن التاسع عشر، ولكنها في العالم العربي لا تزال حية حيث تستخدم الوجوه السوداء لإضحاك المشاهدين. وتعد الممارسة مؤذية جدا . وفي أيطاليا أجبرت شركة الطيران اليتاليا على سحب إعلان في تموز/يوليو لأن ممثلا بوجه أسود ظهر فيه ليؤدي دور الرئيس السابق باراك أوباما.
وفي العالم العربي الذي تنتشر فيه العنصرية، من النادر مناقشة الموضوع إلا أنه بات محلا للنقاش والنقد على وسائل التواصل الإجتماعي، أدى أحيانا إلى اعتذار.
ولكن الممارسة لا تزال قائمة وحاضرة في البرامج التلفزيونية. وكان مشهد القرود الذي ظهر في قناة تلفازية ليبية خاصة، مثال فاضح، إلا ان الكوميديا في كل من الكويت ومصر أظهرت وجوها سوداء وكذا فيديو لمغن لبناني معروف. بالاضافة الى عدد من المسلسلات في شهر رمضان وهو الموسم الأعلى الذي تبث فيه المسلسلات والبرامج ويقبل الناس على مشاهدتها بعد الإفطار. ويرى الفنانون الذين يقومون بهذه الممارسات بأنها غير مضرة.
وتقول الممثلة المصرية شيماء سيف التي وضعت وجها أسود ببرنامج عرضته قناة “أم بي سي” “هي كوميديا لا غير”، ولكن الدولة المستهدفة في هذا هي السودان، الذي كان حتى وقت قريب أكبر دولة في إفريقيا وغالبية سكانه من المتحدثين باللغة العربية، واستخدامه كموضوع كوميدي فيه الكثير من الضيم. وقالت الكاتبة السودانية سارة الحسن المقيمة في الولايات المتحدة إن استخدام الوجوه السوداء في الكوميديا “تثير الإشمئزاز ومضرة” وهي “ليست عن لون البشرة ولكن عن النمطيات”. وأشارت لمجموعة منها في الكوميديا العربية وهي أن “الأشخاص السود كسالى ولا يتحدثون العربية جيدا، وفي حالة كونهم سودانيين فلديهم لهجة مثيرة للسخرية”.
ويقول وولش إن الكثير من مستخدمي منابر التواصل الإجتماعي وبعد سنوات من تجاهل الموضوع باتوا يصبون جام غضبهم على المسلسلات الدرامية ويطالبون بالتغيير. ففي ليبيا دعا نادر الغادي، في تغريدة إلى معاقبة المسؤولين عن المشهد الهزلي لعربة الأطفال والقرود. وفي مقابلة قال الناشط إن المشهد يعكس التحيزات من حوالي 600.000 مهاجر أفريقي يعيشون في ظروف قاسية.
وشعر بالراحة من قيام الكثير من الليبيين بمشاركة تغريدته حيث عبروا عن معارضتهم لما بث وهي “خطوة أولى جيدة”. ولم ترد قناة الأحرار التي بثت المشهد على أسئلة الصحيفة. ولكن في حالات أخرى لم يكن للغضب العام أثرا، ففي المشهد الذي ظهرت فيه ممثلة تحمل سيف لعبت فيه دور امرأة سودانية مملة تسب وتشرب وتتحدث لغة غير مفهومة في الحافلة. وفي لقطة أخرى تقوم بإعطاء ابنها الصغير قنينة ليتبول بها، كما حاولت ان تجبر مسافرا على أخذ قنينة من الفودكا الروسية، وهذا أمر محرم في المجتمع الإسلامي المحافظ.
وبعد أن احتج السودانيون وملأوا صفحتها بالتعليقات الناقدة ظهرت على شبكة “أم بي سي” لتوضيح الموقف، وبدلا من الإعتذار زادت من سخريتها “لا تغضبوا، لم يكن هناك قصد”. ومهما كانت النية وراء هذه السكتشات الساخرة فإنها تزيد من درجة التسامح مع العنصرية التي تتخذ عدة أشكال في العالم العربي.
ولم يتم إلغاء العبودية في عدد من دول الخليج إلا عام 1970. ولا تزال كلمة “عبد وعبيد” تستخدم لوصف الناس من أصحاب البشرة الداكنة.
ويقول عبدالله الحسن (24 عاما) الذي يدرس الأفلام أن ما يبث على الشاشة يترجم على تصرفات الناس في الشوارع. وقام بتجميع عدد من الامثلة عن العنصرية في البرامج التلفازية والسينمائية المصرية خلال العقود الماضية، وقال “أحيانا يناديني الناس بأسماء يعتقدون أنها مضحكة”، وقال الحسن الذي نشأ في السعودية ومصر “يعتقدون أن الأمر عادي لأنهم شاهدوا قفشات على التلفزيون”.
كما هو الحال في الولايات المتحدة فالوجه الأسود في العالم العربي متجذر في تاريخ الإضطهاد، فعلى مدى قرون قام تجار الرقيق العرب بنقل الأفارقة في القوارب إلى دول الخليج. ويواجه خدم المنازل اليوم انتهاكات وتحرشات واسعة في المنطقة. ويقول الباحث المستقل في مجال حقوق الإنسان نيكولاس ماكيهان “تستمر النمطيات العرقية بما فيها فكرة الممارسات الثقافية الغريبة للسود التي تدفعهم للسرقة”، و “هو ما قد يقود إلى انتهاكات مرعبة بما في ذلك الضرب الجسدي”.
وفي حالة نادرة قامت محكمة في بلجيكا بمحاكمة 8 أميرات من الإمارات العربية المتحدة في عام 2017 بتهم الاتجار بالبشر وسوء المعاملة للعاملات المنزليات.
كما ان العنصرية مستشرية في دول العالم العربي، ونادرا ما يتم معاقبة من يطلقونها. ففي لبنان يتم منع العاملات المنزليات الاثيوبيات من دخول نواد اجتماعية أو الشواطئ. وأثارت مغنية البوب اللبنانية ميريام فارس ردة فعل سلبية عندما نشرت فيديو موضوعه الرئيسي غابة حيث دهنت جسدها بالأسود.
وتظل العنصرية موضوعا حتى في الدول التي تعتبر هدفا للعنصرية، كما في السودان الذي عانى فيه السكان من أصحاب البشرة الداكنة في دارفور من اضطهاد تاريخي مارسته عليهم القبائل الأقوى منهم. ولا تقتصر العنصرية على الشرق الاوسط بل في أستراليا التي شهدت حادثا عام 2016 تم فيه دهن الأستراليون وجوههم بالأسود تحية للرياضيين والنجوم السود مثل كانيه ويست وسيرينا ويليامز.
وبعد عام قامت شركة واتسون في ماليزيا بسحب إعلان يظهر رجلا خائفا من إمرأة بوجه أسود، وفي آذار/مارس هوجمت ممثلة مكسيكية لارتدائها قناع بني يسخر من أول ممثلة محلية يالتيزا أباريكيو.
ومن النادر ما يعتذر البعض للهجمات العنصرية مع أن قانونا في مصر يجرم التعليقات العنصرية في البرامج الإعلامية، لكن القانون لم يؤد بعد إلى محاكمة تؤدي لإسكات السخرية العنصرية. كما أن المصريين من أصحاب البشرة الداكنة غير ممثلين بشكل حقيقي في الثقافة الشعبية المصرية. ويقول محمد عزمي، مؤسس المرصد المصري للتخلص من العنصرية “من النادر أن يكون هناك ممثل شعبي أسود” و “السينما المصرية هي سينما الرجل الأبيض”. ولكن الكثيرين على مواقع التواصل الإجتماعي بدأوا بالتساؤل عن السخرية العنصرية من السود. وبعد المشهد الساخر في التلفزيون الكويتي اعتذر الممثل على انستغرام. وقال حسن البلام إنه لن يؤد أدوارا كهذه “وأطلب المغفرة من الجميع”.