نيويورك تايمز: على ترامب أن يشجب نفسه قبل شجب منظمة الصحة العالمية
قال المعلق نيكولاس كريستوف، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كان سينقذ حياة الأمريكيين لو استمع لنصائح منظمة الصحة العالمية، ولكنه بدلا من ذلك يبحث عن “كبش فداء” يعلق عليه فشله.
وفي مقاله بصحيفة “نيويورك تايمز”، قال كريستوف، إن ترامب كان سينقذ حياة الآلاف لو أنفق وقته للاستماع لما قدمته منظمة الصحة العالمية من نصائح بدلا من محاولة تدميرها.
ويرى الكاتب أن قرار ترامب وقف التمويل عن المنظمة وسط أزمة عالمية نابعة من فيروس كورونا، هي محاولة خطيرة للبحث عن كبش فداء لتغطية فشله، وهي مثل “وقف سيارات الإطفاء وسط النيران”.
وأضاف أن الكثير من الأمريكيين لا يعرفون كثيرا عن منظمة الصحة العالمية، مع أن ميزانيتها التي تعتبر الولايات المتحدة من أكبر المساهمين فيها، أقل من ميزانية مركز أو مستشفى أمريكي.
ومع ذلك فهي مسؤولة عن مقاومة أمراض إيبولا وشلل الأطفال وإنقاذ حياة الأطفال والحفاظ على العالم نظيفا من الأوبئة مثل الوباء الحالي.
ويقول ترامب إنه قرر قطع التمويل الأمريكي في الوقت الذي تراجع فيه إدارته طريقة تعامل المنظمة مع فيروس كورونا. مع أن خطة إدارته لمواجهة الوباء تدعو إلى بناء دعم لمنظمة الصحة العالمية لأنها لاعب مهم في حماية أرواح الأمريكيين.
ويقول الكاتب إن بعض النقد الموجه للمنظمة مشروع، مؤكدا أن قربها الشديد من الصين هو واحد من تلك الانتقادات، كما أنها أصدرت بيانات غير صحيحة في البداية، مثل الشك في إمكانية انتقال الفيروس من شخص لآخر، وكان عليها التوقف عن منع مشاركة تايوان في المنظمة.
ولكن أداء المنظمة مع كل هذا النقد كان أفضل مما فعلته إدارة ترامب في الأزمة. ونشرت منظمة الصحة أول تغريداتها المحذرة من الفيروس في 4 كانون الثاني/ يناير، ودقت أجراس الخطر في نهاية ذلك الشهر عندما أعلنت حالة الطوارئ الدولية. كما قامت بتطوير فحص للأعراض استخدم في عدد من الدول، في وقت لم تكن فيه الولايات المتحدة قادرة على تطوير فحص مناسب.
وفي نهاية يناير وبداية فبراير أصدرت المنظمة عددا من التحذيرات حول فيروس كورونا ولكن ترامب تجاهلها، وأكد بدلا من ذلك على أن إدارته “تسيطر بشكل كامل” وتوقع انخفاض عدد المصابين، قائلا إن الفيروس “سيختفي بشكل تام”، وظل يقلل من شأن الفيروس متحدثا بشكل كامل عن الأسواق المالية.
وكانت سلبية ترامب حتى بعد تحذير المنظمة الدولية من الوباء وكذا المستشارين الطبيين سببا في تضييع الفرصة للحصول على أجهزة الحماية الشخصية للأطباء والممرضين. وكان وصفه للمرض بأنه مجرد “إنفلونزا عادية” سببا في التجمعات كمهرجانات المثليين وعطلة الربيع في فلوريدا.
ولهذا السبب بلغت نسبة الوفيات 80 شخصا لكل مليون أمريكي، مقارنة مع أربعة مقابل مليون في كوريا الجنوبية، وعدد أقل في تايوان.
ويضيف كريستوف أنه يعرف مدير المنظمة تيدروس أدانوم غيبريسيوس منذ 20 عاما أو يزيد، واختلف معه في عدد من القضايا خاصة تعامله مع الديكتاتوريين، ولكنه معجب بحماسه وعاطفته الكبيرة لمحاربة الملاريا وفقر التغذية والوفيات بين الأطفال المولودين حديثا و”شاهدت كيف أنقذ عمله حياة الناس”.
ولد غيبريسيوس في إثيوبيا، وفقد شقيقه يامين بعد إصابته بالجدري، وهو ما ترك أثرا عميقا عليه، وقاده للعمل على تحسين الخدمات الصحية.
وتظل منظمة الصحة العالمية بيروقراطية ومحبطة ولا يستغنى عنها. ولا توجد منظمة دولية قادرة على أخذ مكانها لمحاربة الأمراض. وقادت القتال ضد إيبولا وعودته في الكونغو العام الماضي، ولهذا السبب لم تشهد الولايات المتحدة حالات إيبولا.
وفي كل يوم تنقذ منظمة الصحة حياة كثير من الناس، وحاولت نشر الوعي من أجل ولادة آمنة، وقلصت عدد النساء اللاتي يمتن أثناء الولادة لأدنى مستوياته منذ 25 عاما. وحاربت ختان البنات وساعدت النساء اللاتي يعانين من ناسور المهبل، وتكافح من أجل مكافحة سرطان الرحم، وهي جزء من الحملة ضد شلل الأطفال.
وفي الظروف العادية، يكون رئيس الولايات المتحدة هو القائد للصحة العالمية. وفي العادة ما تعاون الرؤساء الجمهوريون والديمقراطيون في الأجندات الإنسانية. وبدأ الرئيس جورج دبليو بوش برنامج ضد “إتش أي في/ إيد” أطلق عليه “بيبفار” وأنقذ حياة 17 مليون شخص.
وساعد الرئيس باراك أوباما في مكافحة فيروس إيبولا في شرق أفريقيا ما بين 2014- 2016. وبالمقارنة لم يقدم ترامب أي قيادة صحية في العالم، ويحاول اليوم سحق المنظمة الدولية الوحيدة التي تقدم قيادة عالمية.
ويشتكي ترامب أن المنظمة قريبة من الصين، وهناك جزء من الحقيقة في هذا، ولكن ترامب تودد لبكين ومدح ردها على الوباء: “تعمل الصين بجهد كبير لاحتواء فيروس كورونا” و”أريد أن أشكر الرئيس شي”.
ويقول الكاتب: “لو بدا من كلامي الغضب، فلأنني شاهدت الكثير من النساء يمتن أثناء الولادة في الدول الفقيرة، وهناك الكثير من الأطفال يموتون بسبب الإسهال والجذام. وقطع الدعم عن منظمة الصحة العالمية يعني فقر تغذية بين الأطفال ونساء يمتن بسبب سرطان الرحم وفيروس كورونا الذي يصيب أعدادا كبيرة في الدول ويؤثر على جهود مكافحته وقد يؤدي لموت أمريكيين، وكل هذا لأن الرئيس الأمريكي يبحث عن كبش فداء لتغطية عجزه”.
ومات الكثير من الأمريكيين بدون ضرورة بسبب كوفيد-19. ولو أراد ترامب تحميل محاسبة الناس، فهو ليس بحاجة لشجب منظمة الصحة العالمية، بل عليه النظر في المرآة.