نيويورك تايمز: شبكة من الموالين لترامب تشن حروب تشويه ضد مئات من الإعلاميين المعارضين له
كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” عن وجود شبكة من حلفاء الرئيس دونالد ترامب مهمتها استهداف الصحافيين الذين تتسم تغطياتهم الصحافية بالعدوانية تجاه البيت الأبيض.
وقال كينث بي فوغل وجيرمي دبليو بيترز إن الشبكة قامت بتجميع ملفات تحتوي على منشورات محرجة وبيانات أخرى لاستهداف مئات الصحافيين الذين عبر البيت الأبيض عن عدم رضى منهم. ووصفت الصحيفة الشبكة بأنها مجموعة غير متناسقة من حلفاء ترامب المحافظين الذين أخذوا على عاتقهم مراقبة التغطيات الصحافية لإدارة ترامب، ومحاولة تشويه سمعة من يرون أنهم معادون للإدارة من خلال نشر معلومات تؤثر على سمعة الصحافيين.
ووصف أربعة أشخاص على اطلاع بالعملية -التي تعد آخر خطة في محاولات إدارة ترامب وحلفائها تقويض عمل الصحافة الشرعية وطريقة تناولها للأخبار- طبيعة عمل الشبكة بأنها طالت شخصيات صحافية تعمل في مؤسسات إعلامية أمريكية مهمة. ونشرت المجموعة معلومات محرجة عن صحافيين عاملين في شبكة أنباء “سي أن أن” و”نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست”، وهي المؤسسات الإعلامية التي قامت بتحقيقات عن ترامب.
قال العارفون بطبيعة عمل الشبكة إن العاملين فيها قاموا بفحص منشورات وبيانات عامة للصحافيين تعود لأكثر من عقد. ولم يتم نشر إلا جزء بسيط من المنشورات التي كشف عنها، وتم تأجيل المهم إلى عام 2020 لخدمة حملة إعادة انتخاب ترامب
ويقال إن عملية البحث عن معلومات محرجة قد تتوسع لتشمل الصحافيين الناشطين في السياسة، بالإضافة إلى الناشطين وغيرهم من المعارضين السياسيين للرئيس. وتقول الصحيفة إنه من الصعب التأكد من نوعية وقيمة المعلومات التي جمعتها الشبكة، خصوصا أن بعض المنخرطين فيها يعرف عنهم المبالغة والتبجح.
كما أن من عبروا عن استعداد لوصف العملية ربما كانوا يحاولون استفزاز الصحافيين ومن يعملون لهم. إلا أن ما نشر من المعلومات التي تم نزع بعضها عن سياقه أو نشر بطريقة مضللة كانت صحيحة وضارة للصحافيين المستهدفين. وبدا واضحا أن الشخصية المحورية في هذه العملية هو آرثر شوارتز، المستشار المحافظ وصديق ومستشار غير رسمي لدونالد ترامب جونيور، أكبر أولاد الرئيس.
وعمل شوارتز مع شخصيات محافظة متطرفة بمن فيها مستشار ترامب السابق، ستيفن بانون. وفي تغريدة له يوم الخميس، قال شوارتز: “لو اعتقدت نيويورك تايمز أنها ستحل المسألة فإننا نستطيع فضح عدد من صحافييها المتعصبين”. وهدد شوارتز بنشر المزيد. وتم التعليق على بعض المعلومات التي كشف عنها من قبل المسؤولين داخل إدارة ترامب وحملة إعادة انتخابه وكذا المعلقين المحافظين والمؤسسات الإعلامية المتطرفة مثل بريتبارت نيوز.
ونشرت هذه معلومات عن محرر في “نيويورك تايمز” وأخذها منها ترامب وبالغ في الحديث عنها، وكذا مستشارة ترامب كاترينا بيرسون، وأجرت بريتبارت نيوز مقابلة عنها مع ستيفان غريشام، المتحدث الإعلامي للبيت الأبيض. ونفى المكتب الإعلامي في البيت الأبيض أي علم بالعملية، ولا علاقة له والحزب الجمهوري بتمويلها.
وقالت حملة ترامب الانتخابية إنها لا تعرف أيضا عن العملية وليست مشاركة فيها. وقال مدير الاتصالات في حملة ترامب تيم ميرتو: “لا نعرف عنها أي شيء، ومن الواضح أن الإعلام أمامه عمل كبير لتنظيف ساحته”. وترى الصحيفة أن الحملة تتناسق مع حملة ترامب الطويلة لنزع الشرعية عن الصحافة النقدية وتصوير رموزها “بأعداء الشعب”، وعمل ترامب بدأب على نزع المصداقية عن المنظمات الإعلامية وتصوير تقاريرها بأنها ذات دوافع سياسية. ففي تغريدة نشرها الأسبوع الماضي، قال إن الصحافة “ليست إلا دعاية شريرة للحزب الجمهوري”.
وقامت العملية بجمع منشورات عن الصحافيين من تويتر وفيسبوك وإنستغرام، وخزنت صورا من التي حذفها الشخص. وقال أحد المطلعين إن العملية جمعت معلومات “يمكن إطلاقها” على “مئات” من الأشخاص. وقال سام نانبرغ، المساعد السابق لترامب، صديق شوارتز: “ستكون هناك رؤوس أخرى”. وتقول الصحيفة إن هناك فرقا بين محاولة الشبكة استخدام الأسلوب الصحافي لفضح الصحافيين والانتقام منهم أو تحذيرهم وبين ما تقوم به الصحافة من نقد موضوعي لمن هم في السلطة.
وقال ليونارد داوني جونيور، الذي عمل محررا لواشنطن بوست ما بين 1991- 2008: “من الواضح أنها عملية انتقامية وهي هجوم وليست صحافة”. وأضاف داوني أن التوتر بين الرئيس والصحافة التي تغطي نشاطاته ليس جديدا، ولكن محاولة استهداف الصحافيين وإهانتهم هي الأمر الجديد.
وتقول الصحيفة إن العملية تستهدف وسائل الإعلام من خلال استخدام وسيلة من وسائل الهجوم السياسي، وهو البحث الجاد والمعمق في السجلات العامة للمعارضين والبحث عن تناقضات وآراء متناقضة أو انتماءات مثيرة للجدل. وكانت المنظمة الليبرالية “ميديا ماترز فور أمريكا” قد أسهمت في التدقيق بالبيانات العامة للشخصيات الإعلامية المحافظة. وقالت إن العامل المحافظ جيمس أوكيف قام بلي المفاهيم بطريقة غير متناسقة مع التقاليد الإعلامية، مستخدما هويات مستعارة وقصصا حبكها بطريقة مدروسة وأشرطة فيديو التقطت سرا لتصيد الصحافيين ونشر معلومات محرجة لهم وبطريقة مضللة كوسيلة لتقويض مصداقية من يرى أن لديهم تحيزات لليبراليين.
وفي حالة الشبكة التي يديرها المتعاونون مع ترامب وحلفاؤه، فقد تم البحث في تواريخ الصحافيين ومنشوراتهم من أجل المنفعة السياسية للبيت الأبيض. ولا تستهدف الشبكة الصحافيين المعروفين، ولكن أي شخص يعمل في مؤسسة ينظر إليها على أنها معادية للإدارة. وتم تحذير بعض الصحافيين من أنهم والمنظمات الإخبارية قد يصبحون هدفا لخلق انطباع أن الحملة تهدف في جزء منها لردعهم عن القيام بتغطيات صحافية قاسية.
وتقول الصحيفة إن شوارتز تدرب كمحام، إلا أنه اقترب من الرئيس وعائلته عبر الدفاع عنهم. وهاجم جمهوريين اعتقد أنهم غير موالين مثل رينس بريبوس، مدير طاقم البيت الأبيض السابق. واعترف شوارتز أنه نشر شائعات عنه. وأطلق برمجة خبيثة على تويتر لجمع معلومات مدمرة عن عدد من الصحافيين العاملين في “سي أن أن” و”نيويورك تايمز” يمكن نشرها إذا تصرفت المؤسستان بطريقة سيئة مع ترامب ومسؤولي إدارته. وكانت العملية ضد نيويورك تايمز واضحة الأسبوع الماضي بعد نشرها افتتاحية اتهمت فيها الرئيس بإثارة معاداة السامية، وتقرير عن تاريخ المتحدثة الإعلامية الجديدة للبيت الأبيض، ستيفاني غريشام، الوظيفي.
قال ناشر صحيفة “نيويورك تايمز” إي جي سالزبيرغ في بيان صحافي إن الأساليب هذه تنقل حملة الرئيس ضد الصحافة الحرة إلى مستوى جديد، وإن “الهدف من هذه الحملة واضح بأنه لاستفزاز الصحافيين ومنعهم من ممارسة عملهم. وتشتمل الحملة على عملها كرقيب على السلطة وكشف الأخطاء حالة وقوعها”
وكان الرد جاهزا؛ إذ نشرت بريتبارت نيوز تقريرا عن ماضي محرر في القسم السياسي للصحيفة، هو توم رايت – بيرستاني، الذي فصل بسبب تصريحات معادية للسامية له عندما كان طالبا في الجامعة. واستخدم ترامب المقال وروجه لأتباعه على تويتر وكذا ابنه. واعتذر رايت- بيرستاني، وقال إن ما نشر هو عبارة عن تعليقات اعتقد أنها مرحة ولم يكن يقصد ما يقول.
وبعد أسبوع من الهجوم على صحافي “نيويورك تايمز”، نشر شوارتز تغريدة حاول فيها فضح مراسل لسي أن أن اشتبك مع ترامب في مؤتمر صحافي، وكشف في التغريدة عن هجمات الصحافي ضد المثليين. وشملت هجمات شوارتز مراسلا في واشنطن بوست وبزنس إنسايدر. وفي تموز/يوليو، عندما نشرت سي أن أن تقريرا حاولت فيه كشف تاريخ الشخصيات التي عينها ترامب، بما في ذلك اتهامات بأن باراك أوباما كان مسلما في السر، ظهر شوارتز من جديد، حيث كتب تغريدة قال فيها موجها كلامه إليها: “سي أن أن المتخصصة في الكشف عن تصريحات إشكالية للرئيس عليك أن تنظري لنشاطات منابر التواصل الاجتماعي لموظفيك”.
وأصبحت التغريدة أساسا لعدد من المقالات في الصحافة المحافظة ومئات من التغريدات من المحافظين الذين هاجموا المحرر محمد الشامي، والتي لم تتوقف حتى بعد استقالته تحت الضغط واعتذاره. وقال الشامي: “شعرت أنه هجوم منسق” و”كان هجوما غامرا”. وقال الشامي، 25 عاما، إنه وضع التغريدة عندما كان في سن 15 أو 16 في مصر، ولم تكن لغته الإنكليزية جيدة أو يعرف معنى ما كتب: “كنت أردد شعارات سمعتها في الشارع في لحظة عاطفية من تاريخ أية أمة”، و”أعتقد أن عملي اللاحق وآرائي في السنوات اللاحقة صححت ما ارتكبته من خطأ كولد”.
وفي الوقت الذي يتفهم فيه خطورة تعليقاته إلا أنه تساءل عن داوفع الهجوم الذي كلفه عمله، “وهي أساليب قذرة يستخدمونها للإضرار بأي شخص يعمل في هذه المؤسسات”. وأضاف: “هي في الحقيقة مثل المنافسة وكل شيطنة أو عزل عبارة عن نقاط يسجلونها”. وعندما كان بانون محررا لبريتبارت أشرف على جهود الهجوم في عام 2015 على ميغين كيلي، التي كانت تعمل في فوكس نيوز.
وفي مقابلة، قال إن الجهود التي يقوم بها شوارتز هي إشارة على أن مؤيدي ترامب لديهم التزام بتنفيذ هجوم إعلامي على وسائل الإعلام التي يرونها معادية. وقال: “الحرب الثقافية هي حرب” و”هناك ضحايا في الحرب وهو ما تراه”.