نيويورك تايمز: سنوات من الحروب لم تنتج ديمقراطية مثل تونس.. فهل حان الوقت للقوة الناعمة؟
تنفق الولايات المتحدة على حربها في أفغانستان 45 مليار دولار ولم تساعد تونس منذ ثورتها عام 2011 إلا بمليار دولار. فكيف فشلت واشنطن في تحقيق الديمقراطية هناك ونجحت تونس.
يتساءل الكاتب توماس فريدمان “هل فشلت القوة الغاشمة في تحقيق أهدافها وحان الوقت لاستخدام القوة الناعمة؟ وهل يجب أن تركز أمريكا على الجامعات والبرامج التعليمية أكثر من السلاح؟”. ويضيف “وربما استطاعت بهذه الطريقة حل النزاع السني- الشيعي والتنافس السعودي- الإيراني.
ففي مقال تحت عنوان “مدارس أكثر ودبابات أقل للشرق الأوسط” كتب فريدمان مقالا في صحيفة “نيويورك تايمز” علق فيه على قرار الرئيس دونالد ترامب سحب القوات الامريكية من سوريا وتخفيفها في أفغانستان، وما أحدثه القرار من نقاش حول دور القوات البرية الأمريكية في الشرق الأوسط وفيما إن كان بقاؤها أو سحبها حيويا أم لا. ويطرح فريدمان نفس السؤال ولكنه يقترح للإجابة عليه طرح سؤال آخر وهو “لماذا استطاعت دولة واحدة ووحيدة من دول الربيع العربي إنجاز التحول السلمي من الديكتاتورية إلى الديمقراطية الدستورية وبتعزيز كامل لدور المرأة، وهي الدولة التي لا علاقة لنا بها ولم نضطر لإرسال جنود إليها للقتال والموت، اسمها تونس”.
ويعلق أن تونس كانت البلد الشرق الأوسطي الوحيد الذي حقق النتائج التي رغب الأمريكيون بتحقيقها في العراق وسوريا وليبيا واليمن وأفغانستان. وفعلت هذا بعدما استقبلت عمال سلام أمريكيين خلال نصف قرن أكثر من مستشارين عسكريين ولم تحصل إلا على مليار دولار من المساعدة الامريكيين وثلاثة قروض مضمونة منذ ثورتها التي اندلعت ما بين 2010 – 2011.
وبالمقارنة يقول فريدمان إن الولايات المتحدة تنفق 45 مليار دولار في السنة بأفغانستان وبعد 17 عاما من محاولة تحويل البلد إلى ديمقراطية تشاركية. ويعلق “هذه مقارنة جنونية” خاصة إن نظرت أن تونس التي دفعت باتجاه الديمقراطية وتحولت لنموذج في المنطقة ولكنها تعاني وبشكل متزايد من وضع هش.
ويشير الكاتب للتهديدات التي تعاني منها الديمقراطية التونسية مثل الإضرابات وآثار الحرب الأهلية في ليبيا والاقتصاد البطيء الغير قادر على توفير فرص عمل أو مداخيل للشباب المتعلم وقرض من صندوق النقد الدولي عام 2016 يشترط على الحكومة عدم تعيين موظفين جددا. وكل هذا يضع ضغوطا على المشاركين الرئيسيين في لعبة التشارك السياسي من نقابات عمالية وإسلاميين ورجال يعودون للنظام السابق وديمقراطيين جددا. ويضيف أن تونس متماسكة ولكنها قد تحتاج لأموال يوم واحد تنفقها الولايات المتحدة في أفغانستان. ويتساءل الكاتب عن السبب الذي استطاعت فيه تونس إنجاز التحول الديمقراطي فيما فشلت الدول الأخرى بالمنطقة. ويرى أن الجواب مرتبط بمؤسس تونس الحديثة بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1956، الحبيب بورقيبة. فهو وإن لم يختلف عن بقية الحكام العرب المستبدين الذين حكموا مدى الحياة ولكنه تميز عنهم بطرق أخرى. فهو لم يخصص نفقات واسعة للجيش الذي ظل صغيرا ولم يُضيع أربعة عقود من حكمه وهو يحاول تدمير إسرائيل، بل كان صوتا منفردا يدعو للتعايش معها. وعلم وعزز دور المرأة وسمح لمنظمات العمل المدني للظهور، مثل اتحادات العمال ونقابات المحامين وجمعيات المرأة التي كانت قادرة على الإطاحة بخليفته الديكتاتوري، وكتابة دستور جديد مع الحركة الإسلامية التونسية. ومن الرحمة التي حظيت بها تونس عدم وجود النفط ولهذا كان عليها الاستثمار بشعبها.
ومن هنا فتونس تملك القواعد للحفاظ على الثورة الديمقراطية مع أن عمليات التحول الثقافي والسياسي تسير بمعدلات سرعة مختلفة. ويقول إن الولايات المتحدة تريد الدفع بالتحول الثقافي الضروري في أفغانستان والعراق ولكن كما قال بيتر دراكر “تأكل الثقافة الإستراتيجية في الصباح”. بالإضافة إلى أن العجز الأمريكي والفساد لديهم أكلا الجهود الأمريكية من أجل إنجاز الديمقراطية في العراق وأفغانستان.
ما سبق قوله يتعلق بقرار الرئيس ترامب المفاجئ الخروج من سوريا ورغبته الانسحاب من أفغانستان.
ويعلق فريدمان أن الرئيس محق في أفغانستان لأن الولايات المتحدة هزمت القاعدة هناك. و”قد حان الوقت للتفاوض مع طالبان والباكستان والخروج بطريقة مرحلية وأخذ أكبر عدد من الناس الذين تعاونوا معنا”. ويقول إن أفغانستان تحيط بها دول صعبة مثل الهند والباكستان وروسيا وإيران ولديها القدرة على احتواء أي فوضى.
وخلافا لهذا يقترح فريدمان الحفاظ على القوات الأمريكية الخاصة في سوريا، ليس لهزيمة تنظيم الدولة، بل لأنه نتاج مباشر للنزاع الأوسع في المنطقة بين السنة والشيعة والذي تقوده السعودية وإيران. فقد ظهر تنظيم الدولة، كحركة سنية متطرفة كرد فعل على جهود إيران والميليشيات المدعومة منها في العراق وسوريا لتطهير ونزع السلطة من سنة العراق وسوريا.
و”طالما واصلت إيران هذه الإستراتيجية فسيكون هناك تنظيم دولة بطريقة أو بأخرى”. ويرى أن عملية سلام كافية لتخفيف الآثار النابعة عن النزاع في المنطقة، ليس بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولكن بين إيران والسعودية. ومن هنا فما تفعله قوة صغيرة غير مكلفة في سوريا مهم وتمنع تحول وضع مخيف إلى كارثي بطرق متعددة. فهي تحمي الأكراد والمعتدلين السنة من النظام السوري الإجرامي ومن تركيا. فحماية الاكراد قد تؤدي كما يقال لبناء جزر من السلام أو اللياقة في المنطقة. كما وتعمل القوات الأمريكية الصغيرة العدد على توفير الاستقرار في شمال- شرق سوريا، بشكل يمنع من موجات لجوء جديدة قد تقوض استقرار لبنان والأردن وتخلق ردة فعل شعبوية للاتحاد الأوروبي. ويجب حماية هذا الذي يعد الولايات المتحدة الأخرى للعالم. وبالضرورة منع تشرذمه حول موجات اللجوء من الشرق الأوسط.
ويقترح في نهاية مقالته عددا من المبادرات التعليمية مثل تخصيص ملياري دولار من نفقات أمريكا السنوية على الحرب في أفغانستان للاستثمار في كل ما يتعلق بالتغيير الثقافي الذي جعل تونس استثنائية في العالم العربي. ويخصص مساعدات أخرى للجامعات الامريكية في بيروت والقاهرة والسليمانية وأفغانستان. وتوسيع برامج المنح الدراسية التي كانت توفر الفرص للطلاب المبدعين في المدارس الحكومية العربية فرص الدخول لأفضل الجامعات التي تتبع النظام الامريكي في لبنان أو غيره. وكذا توسيع برامج التأشيرات للطلاب العرب كي يدرسوا في الجامعات الأمريكية خاصة للنساء. ولو كان الأمر بيده لمنح 5.000 تأشيرة دراسة للإيرانيين ومنحهم فرصة دخول الجامعات الأمريكية. كما ولمنح تونس مليار دولار بدون فوائد ولضاعف الشراكة الأمريكية التونسية بأربعة أضعاف. أما بقية الاموال المخصصة للحرب في أفغانستان فكان سينفقها على مشاريع بنى تحتية في أمريكا. ويختم بالقول “منذ هجمات 9/11 اعتمدنا بالكامل على القوة الصارمة وهي مسألة احتجنا لها ولا نزال ولكنها فشلت. وحان الوقت لتجريب القوة الناعمة والتركيز ومنح العرب والإيرانيين على حد سواء منافذ للعناصر التي ساعدت تونس على تحويل نفسها لديمقراطية بدون أي مقاتلة أمريكية” و “نعم قد نحتاج لوقت ويجب أن لا تكون طرق مختصرة لأن المدخل الذي حاولناه بمعية البنتاغون قادنا إلى طرق مسدودة.