نيويورك تايمز: التفاصيل السرية لمحاولات إسرائيل ضرب إيران من بوش إلى ترامب
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا مطولا أعده كل من رونين بيرغمان ومارك مازيتي بعنوان “التاريخ السري للدفع باتجاه ضرب إيران”. وقالا فيه إن البيت الأبيض كان على منعطف خطير في يوليو 2017 ، ذلك أن الرئيس دونالد ترامب تعهد بالخروج من الإتفاقية النووية “الرهيبة” التي وقعها سلفه باراك أوباما مع طهران. وأقنعه المسؤولون البارزون التفاوض معها حول اتفاقية أفضل، واستطاع دعاة التفاوض الانتصار في تلك الجولة.
إلا أن قوى أخرى ضد التفاوض كانت تعمل، فقد طلب ستيفن بانون، المستشار المؤثر في حينه بالبيت الأبيض من جون بولتون الذي عين لاحقا بمنصب مستشار الأمن القومي أن يعد استراتيجية بشأن إيران تؤدي لإلغاء الإتفاقية النووية. وكان بولتون في حينه معلقا بقناة “فوكس نيوز” وسفيرا سابقا في الأمم المتحدة وكان خارجا عن البيت الأبيض إلا أن بانون اعتبره شخصية يمكن أن تزيد من تشدد ترامب. فكمسؤول بارز بالأمن القومي في إدارة جورج دبليو بوش كان من كبار مهندسي غزو العراق ولم يدع إلى إلغاء الإتفاقية النووية مع إيران بل لتغيير النظام هناك. وعبر عن مواقفه في باريس يوليو أثناء اجتماع لمنظمة مجاهدي خلق التي تدعو لتغيير النظام الإيراني.
وأشار إلى الإستراتيجية الأمريكية وأنها السياسة الوحيدة لمواجهة إيران وأثار حماس الحضور عندما قال إن قادة إيران سيذهبون في خلال عامين و “سنحتفل في طهران”.
ولم تكن الوثيقة التي قدمها بولتون لبانون استراتيجية بقدر ما هي خطة ترويج لتبرير خروج أمريكا من الإتفاقية. ولم تقدم الوثيقة الكثير من أجل التعامل مع اليوم التالي بعد خروج الولايات المتحدة من الصفقة. ولكن أفكاره لم تكن سرا فقد عبر عنها في مقال للرأي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في عام 2015 ودعا فيه إسرائيل لضرب إيران.
وخرج ترامب من الإتفاقية في مايو 2018 بعد أسابيع من تولي بولتون منصب مستشار الأمن القومي. ومنذ ذلك الوقت يتحرك ترامب داخل أزمة تتحرك ببطء.
وتحدث الكاتبان عن التطورات التي شهدها الصيف كزيادة للوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج والهجمات على ناقلات النفط واحتجاز ناقلة النفط الإيرانية في جبل طارق ورد طهران باحتجاز ناقلة نفط بريطانية، ثم قيام إسرائيل بسلسلة من الغارات الجوية على مواقع في سوريا والعراق ولبنان. ويرى الكاتب ان الملمح الأقل إثارة للدهشة من إلغاء ترامب للمعاهدة النووية هو قول إيران الآن أنها لم تعد ملتزمة ببعض بنودها مما سيسمح لها بتخزين كميات من اليورانيوم المخصب الضروري لبناء قنبلة نووية. وترى إدارة ترامب أن تصرفات إيران هي المبرر لمواجهتها مع أنها كانت متوقعة.
وأشار الكاتبان إلى وثيقة وزعتها وكالة الإستخبارات الأمريكية قبل قرار ترامب وجاء في نتيجتها أن العناصر الراديكالية في الحكومة الإيرانية ستتقوى على حساب المعتدلة. وأن إيران قد تحاول استغلال الأزمة الدبلوماسية من خلال شن هجمات في منطقة الخليج أو العراق ومناطق أخرى. ويقول إيلان غولدنبرغ، المسؤول البارز في وزارة الدفاع أثناء إدارة أوباما إن المواجهة التي حدثت قبل توقيع الإتفاقية النووية كانت بمثابة خداع من ثلاث طرق. فإسرائيل كانت تريد دفع العالم للإعتقاد أنها ستضرب إيران، أما طهران فكانت تريد أن ينتشر الإعتقاد بأنها قادرة على انتاج القنبلة النووية. وكانت الولايات المتحدة تريد أن يعرف العالم أنها مستعدة لاستخدام القوة العسكرية لمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية. وكل الدول الثلاث كانت تريد إرسال تهديدات موثوقة ولم تكن متأكدة من موقف الطرف الآخر.
ومع إلغاء الإتفاقية أحيا ترامب لعبة البوكر، وفي هذه المرة مع رئيس يحب التباهي بالقوة الأمريكية ولكنه يتردد في استخدامها عندما تستدعي الضرورة. وعلق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بخطاب له في استوكهولم ألقاه الشهر الماضي “على الرئيس ترامب ألا يتوقع أن يكون غير قابل للتوقع ويدعو الآخرين للوضوح”.
ويبدو أن هدف ترامب هو ضرب اقتصاد إيران وإجبارها للتفاوض على اتفاقية بشروط محبذة لأمريكا ووقف دعمها للجماعات الوكيلة في لبنان والعراق وغيرهما. إلا أن هذه الإستراتيجية قائمة على مقامرة وهي أن إيران ستنهار قبل الإنتخابات الرئاسية لعام 2020.
وكل هذا لتحقيق هدف لم يتبناه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فقط بلد والدول العربية، وهو ما يقول عنه مساعدو ترامب إعادة تشكيل الشرق الاوسط، تصبح فيه السيادة لإسرائيل وعدد من الدول السنية المختارة على إيران الشيعية والجماعات الموالية لها. وهي رؤية مختلفة عن تلك التي كان باراك أوباما يخطط لها، أي منع إيران من الحصول على القنبلة النووية ولكن الحفاظ على طهران كقوة موازية للتأثير السعودي. ولهذا دعا الدولتين للمشاركة في “الجوار”.
وهي فكرة ترفضها إدارة ترامب. وكما قال أحد المسؤولين ” قررنا التعامل مع إيران كما هي وليس كما ستكون”. وبحسب توم دونيلون، مستشار أوباما للأمن القومي “تجنبنا الحروب غير الضرورية وجلبنا الإيرانيين إلى الطاولة وحصلنا على وقت ومكان للتفاوض وحققنا اتفاقا غير مسبوق وناجح للتحكم بالسلاح” النووي.
وأضاف أن الإتفاقية منعت إيران من الحصول على القنبلة النووية وسمحت للمجتمع الدولي لرقابة نشاطاتها. ومن هنا أثار قرار ترامب الخروج والأحداث الأخيرة المخاوف من إمكانية تورط الاطراف في عمل عسكري تقوم به أمريكا أو إسرائيل ولكن من خلال جهلها وغطرستها.
ومهما كانت الغارة على إيران محدودة في أهدافها فإنها ستفتح باب الفوضى والعمليات الإنتقامية التي تقوم بها جماعاتها الوكيلة. ويكشف الكاتبان عن قصة محاولات ضرب إيران والعلاقات الأمريكية- الإسرائيلية بناء على شهادات مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين وأوروبيين يعرفون بالأمر وكيف اقتربت إسرائيل عام 2012 من ضرب إيران مما أضطر إدارة أوباما لتطوير خطتها الطارئة بما في ذلك إمكانية ضرب منشآت إيرانية في الصحراء بقنابل زنتها 30.000 رطلا. وكيف راقبت أمريكا إسرائيل والأخيرة إيران. وإرساله طائرات تجسس بدون طيار إلى الفضاء الجوي الإيراني من أذربيجان.
وكشف الكاتبان عن تفاصيل جديدة حول الضغوط التي قام بها نتنياهو على ترامب للخروج من الإتفاقية النووية. ويرى الكاتبان أن نتائج الإنتخابات الإسرائيلية لن تؤثر على القضية الإيرانية فقد أصبح مداها معروفا في وقت تحدث فيه ترامب في قمة الدول السبع الأخيرة عن إمكانية لقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني، مما أثار مخاوف إسرائيلية من أن الرئيس الذي استثمر فيه المسؤولون كثيرا قد فقد توازنه. وفي تصريحاته قال نتنياهو إنه ليس قلقا من إمكانية تبني ترامب نفس خيار أوباما “فهذه المرة لدينا القدرة على التأثير”.
ويشير الكاتبان إلى أن أول كشف عن نشاطات إيران في مجال تخصيب اليورانيوم ظهر في عام 2002 من خلال وثائق سربتها جماعة مجاهدي خلق. ولأن واشنطن كانت منشغلة بحرب العراق فقد اختارت الحوار والعقوبات مما أكد نتيجة المسؤولين الإسرائيليين وهي أن أمريكا تخوض الحرب ضد البلد الخطأ.
وزادت مخاوف إسرائيل بانتخاب محمود أحمد نجاد عام 2005 الذي زاد من دعم الجماعات الوكيلة وسرع من نشاطات إيران النووية. وفي عام 2006 بعد إصابة أرييل شارون بجلطة دماغية وتولي إيهود أولمرت الحكومة أعطى الموساد والخلايا السرية الحرية لمنع إيران أو تأخير حصولها على القنبلة النووية.
وفي عام 2007 أصبح إيهود باراك وزيرا للدفاع وطلب تطوير خطة لعملية عسكرية واسعة ضد النشاطات النووية الإيرانية إلا أن أولمرت كما يقول اليوم اعتقد أن مهمة مواجهة النشاطات الإيرانية ليست إسرائيلية، وأن إسرائيل يمكنها النجاة مع إيران نووية كما حدث مع باكستان نووية. فيما كان لدى نتنياهو، زعيم المعارضة وزميل دراسة المرشح الجمهوري ميت رومني رأيا آخر وهو أن أمريكا هي القادرة على منع “التداعيات الكارثية” لإيران النووية.
ومن هنا قاد حملة شخصية ضد إيران ودعا عام 2007 في كلمة أمام إيباك لفرض عقوبات عليها. والتقى مع ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي حيث حذر من فشل أمريكا التحرك وبالتالي حصول إيران على القنبلة النووية. ووجد نتنياهو في تشيني أذنا صاغية، لأنه ظل يدعو إلى عمل عسكري ضد إيران طوال فترة بوش الثانية.
وتجادل تشيني مع وزير الدفاع روبرت غيتس في لقاء مع الرئيس بوش حيث ناقش غيتس أن ضربة عسكرية أمريكية او من إسرائيل ستقوي المعسكر المتشدد في إيران. وعندما قال غيتس إن على أمريكا إخبار أولمرت وبصراحة ألا تقوم بعمل من جانب واحد ضد إيران خالفه تشيني وقال إن العمل ضروري وأقل ما يمكن لأمريكا عمله هو مساعدة إسرائيل.
وعندما زار بوش إسرائيل في آخر زيارة له كرئيس حاول أولمرت دفعه للتعاون الأمني ضد إيران. وعندما استقبله في مقر إقامته قال “دعنا نفتح الكتب ونتسم بالشفافية” ووافق بوش مما قاد إلى تعاون شامل وصفه أولمرت “بالتعري المتبادل” وقاد إلى عملية “الألعاب الأوليمبية” والتي تم فيها تطوير برمجيات خبيثة بما فيها فيروس “ستكسنت” الذي خرب أجهزة الطرد المركزي الإيرانية.
وفي نفس الزيارة تردد بوش بلقاء باراك الذي كان مثل تشيني من دعاة ضرب إيران. وعندما قدم باراك محاضرة طويلة ضرب بوش على الطاولة قائلا “هل تعرف ماذا تعني لا؟ لا هي لا”. ومع أن باراك يقدم رواية أخرى عن اللقاء إلا أنه يقول إن موقفه وتحذيراته ليست مهمة نظرا لأن إسرائيل لم يكن لديها بنهاية عام 2008 خطة واضحة لضرب إيران.
ومع وصول أوباما الأبيض كان لدى نتنياهو اعتقاد أنه هناك جامع مشترك بينهما في مسألة إيران. فالرئيس طالما عارض الحرب في العراق لكنه حذر أثناء حملته من خطر إيران.
وفي أول لقاء مع الرئيس في مايو 2009 وبعد لقاء خاص بالمكتب البيضاوي خرج نتنياهو مصدوما. وبحسب أحد مساعديه “لم يقل بيبي شيئا وبدا شاحبا”. وبعد ساعات قال إن أوباما هاجمه وطالبه بتجميد المستوطنات وألا يزيد ولا طوبة واحدة. إلا أن العلاقة تحسنت على المستوى الوزاري حيث التقى مسؤولو الطرفين لمناقشة إيران، مع إصرار واشنطن على السرية. وكان الموضوع الحاضر في ذلك الوقت عمليات بناء منشآة نووية إيرانية قرب مدينة قم. وكذا منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم التي اكتشفت عام 2008 من خلال مصدر يعمل للمخابرات البريطانية. وعلى خلاف منشأة ناتنز لم تكون فوردو كبيرة.
وفي ذلك الوقت وجد الأمريكيون والإسرائيليون أن محاولات الهجوم الألكتروني على المنشآت النووية قد فشلت، مما أكد رؤية إيهود باراك من أن الوقت ينفذ قبل أن يصبح لدى إيران الحصانة. وبدأ مسؤولون أمريكيون يزورون إسرائيل حاملين تحذيرات، فبحسب ويندي شيرمان التي عملت في وزارة الخارجية أثناء إدارة أوباما “كانت رسالتنا، نفهم مظاهر قلقكم ولكن لا نريدكم الخروج عن الخط وبدء حرب لأنكم ستحتاجوننا”.
وفي أول زيارة لغيتس إلى إسرائيل كمسؤول في إدارة أوباما في شهر يوليو 2009 حيث وصل بعد الثورة الخضراء، أخبر نتنياهو غيتس أن النظام الإيراني هش وأن ضربة للمنشآت النووية ستوقف المشروع وتحفز الشعب الإيراني على الإطاحة بالنظام. ولكن غيتس رفض الفكرة كما رفضها قبل عام مع تشيني. وقال إن نتنياهو ضلله التاريخ، صحيح أن العراق لم يرد بعد ضرب مفاعل أوزيراك عام 1981 وسوريا عام 2007 لكن إيران مختلفة، فهي دولة قوية بجيش ضخم وجماعات وكيلة مثل حزب الله.
وبدأت العلاقات مع إدارة أوباما تتدهور، وكما قال مايكل أورين سفير إسرائيل في حينه بواشنطن فقد بدأ نتنياهو يقول إن أوباما هو جزء من المشكلة لا الحل. إلا أن أوباما بدأ يفكر في إمكانية قيام إسرائيل بعملية عسكرية ولهذا بدأت الأقمار الصناعية الأمريكية تراقب طائرات بدون طيار إسرائيلية وهي تنطلق من قواعد عسكرية في أذربيجان وتحلق جنوبا فوق الحدود الإيرانية.
وقد التقطت صورا للمنشآت الإيرانية وتراقب إمكانية ملاحظة إيران التسلل. وبدأ القادة العسكريون بالبحث عن التوقيت الإسرائيلي للعملية، وأجرى المسؤولون العسكريون الأمريكيون تقديرات حول الكيفية التي سترد فيها إيران. وقرر البيت الأبيض أنه لن يشارك في عملية وقائية لو قامت إسرائيل بها.
وبدأ اوباما بشكل هادئ بزيادة القوات في منطقة الخليج قبل أي هجوم محتمل بدلا من التعجيل بها وكي لا تفسر إيران الحشد العسكري بأنه دعم للعملية الإسرائيلية. وتم نشر نظام باتريوت في الإمارات وبقية دول الخليج. وتم الإعلان عن بعض الحشود كعمليات روتينية لدعم الحربين في أفغانستان والعراق. وقال مسؤول أمريكي سابق “لم نكن نريد أن تفهم إسرائيل خطأ أنه ضوء أخضر”.
وفي عام 2010 طور نتنياهو خطة للضرب إلا أن رئيس هيئة الأركان غابي أشكنازي أخبر المسؤولين بأن إسرائيل لم تصل بعد لـ “القدرات العملياتية”. وجاءت رسالة أخرى مثبطة من مائير داجان، مدير الموساد والذي حذر من عملية عسكرية قد تضيع كل ما تم تحقيقه عبر الحرب السرية. كما عارض مدير شين بيت في حينه يوفال ديسكن الضربة. وقال ديسكن إن نتنياهو وباراك وإن لم يهتما بالنصح إلا أنهما لم يملكا الصلاحية.
ويبدو أن ضغوط نتنياهو المستمرة على أوباما أدت لنتائج غير مقصودة وهي بدء المحادثات مع إيران حيث ركب دينس روس وبونيت تالوار، مستشاري ترامب للأمن القومي طائرة تجارية إلى مسقط وطلبا من حاكم عمان المساعدة في لعب دور بالقنوات السرية مع إيران. ورغم السرية التي أحيطت بها المحادثات إلا أن إسرائيل عرفت بها منتصف عام 2012، أي في الفترة التي بدأت فيها المحادثات بين المسؤولين الإيرانيين والأمريكيين بشكل منظم.
وقام ياكوف أميردور، مستشار نتنياهو للأمن القومي بمواجهة دان شابيرو، السفير الأمريكي في إيران. وأنكر شابيرو الذي لم يكن مطلعا على المحادثات. وكان رد إسرائيل على المحادثات هو محاولة توجيه ضربة في صيف عام 2012. ويشير الكاتبان أن الهجوم كاد أن يحدث رغم المعارضة الأمريكية. وبعد جولات من النقاشات والتهديدات قررت إسرائيل في أكتوبر التخلي عن العملية. ويتحدث الكاتبان عن فشل نتنياهو بوقف الإتفاقيةـ وكانت بمثابة النكسة، ولم تكن دائمة، فما لم يستطع تحقيقه في عهد أوباما حققه له ترامب.