قدمت الشاعرة والروائية ” هدى حسين”، نفسها ككاتبة وروائية بارعة قادرة على السرد والتحكم بمسارات الزمن في روايتها ” شاهينوب “، والتي حازت جائزة أفضل عمل روائي للعام ٢٠٠٧.. لتقدم عمل عن فتاة خانتها الذاكرة، وأودى بها واقعها إلى الجنون.
هذا ما أكده النقاد في ندوة عقدت بأتلييه القاهرة، حول الرواية، أدارها الدكتور مدحت طه، وقدم الرؤية النقدية فيها الناقد والشاعر سيد الوكيل، بمشاركة الشاعرة والروائية هدى حسين.
سيرة هدى حسين
وفِي تقديمه للندوة عرج دكتور مدحت طه على سيرة هدى حسين وحالة التنوع الكبيرة التي أحدثتها في مسيرتها بين الشعر، فلديها عدد من المجموعات الشعرية بدأت بديوانها ليكن، الصادر في ١٩٩٦، ثم فيما مضى، عشوائية، أقنعة الوردة، خريطة الذات، نحن المجانين، في الوقت المناسب، وفِي الرواية قدمت أيضا عدد من الأعمال الروائية من بينها رأيت روحي بجعة، زهور الطماطم، و آخرها شاهينوب.
وهدى حسين أيضا مترجمة قدمت ترجمات لعدد من الأعمال الشعرية والروائية العالمية، كما أنها فنانة تشكيلية، قدمت أعمالها في عدد من المعارض الشخصية، حصلت على عدد من الجوائز في مصر، ومقدونيا وتشيلي.
ويشير طه إلى بطلة الرواية، شاهينوب، أو شاهي أو نوهي أو نوب وكلهتها تسميات تطلق عليها بحسب المتعاملين معها، وبحسب تصورها عن ذاته، وهي شخصية من الطبقة الوسطى المصرية، والدها رجل تقليدي، ووالدتها سيدة من المتشبسات بحالة الهوانم، حلمها التلقائي أن تكون ابنتها ( هانم)، على النقيد من والدها وحتى البطلة التي تتمرد على حالة أمها وهو مايبدو واضحا في اختيار ملابسها، فتمرد على الفستان وتستبدله بالقميص الكاروه والجينز، والكوتشي، كمثال على رفض النمط الأنثوي الخانع الذي عفى عليه الزمن.
بالمقابل الأب يعتز بابنته التي تساعده في أعماله الخيرية، وتلتحم مع البسطاء والفقراء الذين يساعدهم والدها بأعمال مختلفة.
ويلتفت طه إلى العلاقة الملتبسة بين بطلة الرواية، وابنه البواب، فردوس، التي تتملق شاهي وأسرتها، حتى يصل الأمر إلى أكثر مشاهد الرواية صعوبة، وقت وفاة والدة شاهي، والذي تسرده الرواية.
ويذهب إلى أن شاهينوب التي بدأت في نسيان الأشياء، كانت فيما يبدو تتعمد نسيان الأمور، ربما محاولة منها للإمساك بالماضي، فشاهينوب الشخصية والرواية شديدة الثراء وبها الكثير من الإشارات لعالم شخصية تشعره بأن العالم من حولها متوحش، غير سوي، وبالتالي فهي ترفضه بدون ضجيج، عبر أشكال مختلفة من ممارساتها في الرسم أو الكتابة، لكنها في نفس الوقت لا تنسى أمور بسيطة تذكرها بأمها، وكأنها لا تريد التخلي عن تراثها.
ويختم طه تقديمه، مشيرا إلى أن الرواية يحضر فيها الشعر، عبر التصوير الشعري للأحداث وفِي التصوير والصور التي رسمتها لتوصل شخصية شاهينوب للقارئ.
أما الناقد سيد الوكيل فيوضح حالة تحمسه الشديد لرواية شاهينوب، منذ قراءة مخطوطتها، فالرواية ليست فقط مهمة، لكنها أيضا خطت باختفاء كبير، حتى أنها بعد أسبوع واحد من صدورها نالت جائزة معرض الكتاب.
ويعود الوكيل إلى بدايات هدى حسين، في بدايات التسعينيات، في ندوة، قرأت فيها قصة مع عدد من بنات جيلها، ومنذ هذه اللحظة ولديه رهان عليها وعلى موهبتها، حتى بالرغم من الانتقال بين الفنون من القصة القصيرة لقصيدة النثر، للرواية، للترجمة.
وأضاف:” والحقيقة هذه المسألة لم تزعجني، وهي في تقديري رحلة إثراء الذات، وأن الكاتب الذي لا يقرأ الا روايته فقط ويكتب لن يكون روائيا أصلا، فمن المهم للكاتب المعاصر الانفتاح على النوع”.
وعن الرواية يقول الوكيل:” رواية شاهينوب في تقديري هي رواية لها علاقة بالزمن، وهذا يبدو غريبا بعض الشئ، لكن مع التفكير في مستويات الخطاب الذي بيني حركة الرواية سنجد أن هناك مستوى ذاكرة مستدعى، إلى مستوى آني تسرده شاهينوب، وتمارسه خلال حياتها اليومية، ومستوى ثالث مستقبلي تتمثل في مجموعة الرسائل التي تكتبها شاهينوب لمجموعة من الشخصيات، غير الموجودة أصلا، أو كانت تعرفها ولا تعرف أين هي، وكأنها ترسلها للمستقبل، حتى آخر رسالة تكتبها، وهي رسالة إلى الله”.
ويلفت إلى أن الرواية تتعامل عبر ثلاثة أبعاد للزمن، حاضر الماضي، وحاضر الحاضر ، وحاضر المستقبل، مشيرا إلى أن الإحساس بالزمن هو أهم عناصر الكتابة السردية، كون تجربة الانسان- مبدع، الانسان العادي، الشخصية داخل العمل الأدبي – هي تجربة حياة الزمن، ومن هنا تبدو مشكلة شاهينوب التي كانت ذاكرتها تتآكل وبالتالي فهي تفقد إحساسها بالزمن، ومن ثم فإن تأكيدها على استحضاره من خلال تذكارات، وممارسات واحداث آنية، أو حتى عبر كتابات للمستقبل هي محاولة منها لتأكيد وجودها في هذا الزمن مهما غابت شخصيات الرواية.
ويقدم الوكيل تحليلا لشخصيات الرواية، بدءا من شاهينوب بطلة الرواية، وأمها تلك السيدة التي تحيك ملابسا الهوانم، وتحمل داخلها تطلعات طبقية كبرى لها ولابنتها، و والدها الذي تسبب ربما في أزمة لابنته التي كان يعاملها وكأنها ذلك الصبي الذي لطالما أراده، وحتى فردوس بنت البواب التي كانت أكثر ذكاءً من شاهينوب، والتي تتحول بها الأمور لتصبح في نهاية العمل هي تلك الهانم التي تجلس في سيارة إلى جوار ابنتها في الوقت الذي تجلس فيه شاهينوب بعد ذهاب عقلها في منتصف الطريق، وابنه فردوس توجه حديثها لأمها لتنبهها بشاهي التي لم تعرفها هي لكن عرفتها ابنتها من خلال حكي فردوس لها عنها .
الرواية وفق قراءة سيد الوكيل لها دلالات متعددة، مجتمعية، صوفية، أو شبه صوفية، وهي الحالة التي وصلت إليها شاهي التي بدأت في الاستغناء عن العالم، بل إنها بدأت في الاستغناء عن البشر بالكلاب، وهو ما تؤكده هدى في عملها حتى النهاية، وهو ما يعبر عن مستويات وعي الكاتبة بالنفس والتراكيب النفسية، حتى أنه يبدو أن فقدان الذاكرة لشاهينوب ليس كحالة الزهايمر لكنه بدى بحالة انتقائية، ويشكل حالة من الرفض وإنكار الواقع، لتظل الشخصية طول الوقت موزعة بين نقيضين، رغبة شديدة في التذكر، ورغبة شديدة في النسيان.
أما هدى حسين، فتشير إلى أن شاهينوب كانت تسعى للتحرر من الزمن، حتى أنها طوال الوقت تقنع نفسها بالتحرر من الماضي، وأنها يمكنها أن تخلق بدلا منه شيء وتبني عليه، وكأنه نوع من التصالح مع فقدان الذاكرة التدريجي الذي يحدث لها.
يقام في السادسة من مساء اليوم احتفال بأول إصدارات دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع…
الرياض 13 أبريل 2022: أتاحت التأشيرة السياحية السعودية للحاصلين عليها أداء مناسك العمرة إلى جانب…
يحتاج التأمل في أعمال التشكيلي السوري محمد أسعد الملقّب بسموقان إلى يقظة شرسة تجعلنا قادرين…
في حلقة جديدة من برنامجه "تراثنا الشعري" استضاف بيت الشعر بالأقصر الأستاذ الدكتور محمد…
يقيم المركز الدولي للكتاب، خلف دار القضاء العالي، ندوته الشهرية لمناقشة أعمال (سلسلة سنابل) للأطفال،…