نتنياهو لقضاة إسرائيل: كونوا قضاة إسرائيل
قبل بضعة أشهر قرر من يشغل الآن رئاسة حكومة بريطانيا، بوريس جونسون، تعليق نشاطات البرلمان القديم، بهدف تنفيذ عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي دون وجع رأس. فقد مرت فترة قصيرة وقام قضاة المملكة العجوز برمي قراره جانباً. الحدث الأخطر في بريطانيا الذي انتهى بسرعة الضوء وبنهاية جميلة، يحذر من أن أقدم الديمقراطيات في العالم، ولو كان هناك دستور، فإن كل شيء سيظل مفتوحاً، ومن دون حركة جماهيرية تعزز الديمقراطية لا توجد أي ضمانة لتواصِل الوجود.
لذلك، فإن وظيفة الخائفين على سلطة القانون فحص وضع الديمقراطية يومياً؛ ومثلما هي من صنع الإنسان، فإن تحطيمها أيضاً من صنع يده. في كل لحظة يحتمل نشوب رياح عاصفة تحطم الحكومات إلى محل للاستهزاء والكراهية، مثلما يحدث الآن في الميادين عندنا. التاريخ مليء بالأمثلة عن انهيار العلامات المميزة للدولة من قبل موجات قومية متطرفة، ومتعصبين، وموجات من الأكاذيب والشعبوية، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
غداً ستناقش المحكمة العليا التماساً إذا ما كانت ستسمح لبنيامين نتنياهو بأن يشكل الحكومة المقبلة. وفي الوقت الذي تقف أمامه ثلاثة ملفات جنائية، إلى جانب النقاش المهم.. هل سيفيد هذا الالتماس نتنياهو في الانتخابات المقبلة أم لا، فإن ماهية الالتماس هي مواجهة دولة إسرائيل مع الشعبوية التي عملت على تحطيم الدولة. صحيح أنه سيكون لقرار القضاة نتائج بعيدة المدى، ومن شأنه أن يخدم الشعبويين على أنواعهم، لكن الملتمسين أحسنوا الصنع عندما وضعوا هذه المسألة نصب أعين القضاة الفاحصة. فمن شبه المؤكد ألا يكون هناك مع سن فقرة الاستقواء مكان للتوجه إلى المحكمة العليا في المستقبل القريب.
الادعاء بأن المواطنين يصبون جام غضبهم على القضاة بدلاً من أن يصدوا بأنفسهم التوجهات المناهضة للديمقراطية، حتى لو كان صحيحاً جزئياً، هو ادعاء مضلل في جوهره. من أجل ذلك هناك قضاة في الخدمة العامة، وإذا انسحبوا من هذه المهمة فإنهم يقطعون الغصن الذي يقفون عليه.
إضافة إلى ذلك، تقوم الدولة على مبدأ أنها السيد، وأن الحاكمية المشتقة منها، على شكل أجهزة القضاء وتطبيق القانون والتشريع، هي المرساة التي ترسخ النظام. لذلك، يجب عليها في هذه الأيام العاصفة عدم التخلي عن وظيفتها. ويجب التأكيد على أن القضاة الذين لا يعتبرون الديمقراطية على سلم أولوياتهم، يستغلون تردد النظام ليسرّعوا عملية تدمير سلطة القانون.
من المهم الإشارة هنا إلى أن دولة إسرائيل التي تنشط بين الأغلبية اليهودية، عندما تتوجه إلى الجمهور العربي، فإنها تقرر -ربما بمشاعر وطنية عميقة- أن تنسحب لصالح أجهزة أخرى تطبق التمييز والاضطهاد، مثل الشاباك الذي يشارك في تعيين المعلمين، ومظالم أخرى، وكل ذلك دون الحديث عن الاحتلال الذي تقف بينه وبين السلطة الرشيدة جبال ظلامية.
في السنوات الأخيرة حدث انقلاب في إسرائيل، عندما نشأ تحالف بين اليمين الكلاسيكي الذي تم التعبير عنه في حركة الليكود، ويمين رؤساء المستوطنين. في رقصة التانغو هذه يحدد وتيرة النغمة اليمين المسيحاني الذي سبق له واحتل مواقع كبيرة في الجهاز الحكومي في جميع الوزارات تقريباً. اليمين المسيحاني مستعد، بل ومتحمس، للتضحية بكل أجهزة القضاء من أجل استمرار السيطرة على المناطق المحتلة، وفي الوقت نفسه سيطرة أيديولوجية على كل الأجهزة.
هذا الارتباط غير ديمقراطي ويشكل خطراً على سلطة القانون وجهاز القضاء. وكل محاولة لإرضاء هذا التحالف بمزيد من التنازلات الصغيرة عن الديمقراطية سيزيد شهيته لمواصلة الالتهام. إن جرافة موتي يوغف (البيت اليهودي) موجودة في المحيط.