نانسي بيلوسي تتفوق على دونالد ترامب وتثير غضبه
يتفنن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إطلاق الأسماء المستعارة الفظة على خصومه السياسيين بهدف وضعهم في موقف حرج، وقد ابتكر ألقاباً مثل «هيلاري المخادعة»، و»ماركو الصغير»، و»تيد الكاذب»، و»بيرني المجنون» و»ستيف المستهتر» و»تشاك الباكي». ولكن حتى الآن، استعصت عليه واحدة: وهي المرأة التي يدعوها » نانسي بيلوسي » فقط.
وقد برزت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، مؤخراً باعتبارها واحدة من ألدّ أعدائه، وممثلة المعارضة للرئيس، يقول تقرير لصحيفة “الجارديان” البريطانية. ومع دخول الإغلاق الحكومي الجزئي أسبوعه الخامس، واصل الديمقراطيون رفض الموافقة على منحه 5.7 مليار دولار لمساعدته في بناء جدار حدودي.
وبحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية، قد تفوقت نانسي على دونالد ترامب هذا الأسبوع، بإلغائها دعوة لإلقاء خطاب حالة الاتحاد، وبعد ذلك أصدرت يوم السبت 19 ديسمبر 2018، بياناً شديد اللهجة يرفض صفقة ترامب المقترحة لإنهاء الإغلاق، قبل وقت قصير من إعلان الرئيس عنها من الغرفة الدبلوماسية في البيت الأبيض.
نانسي بيلوسي تتفوق على دونالد ترامب وتثير غضبه
وقال مايكل كورنفيلد، الأستاذ المساعد في الإدارة السياسية بجامعة جورج واشنطن في واشنطن: «إنها لا تتفوق عليه في المناورة وحسب، بل وتثير غضبه. إنها تسخر منه. فهي تؤدي دور الماتادور (مصارع الثيران)، وهو الثور. وليست لديه أدنى فكرة عمَّا يفعله. إنه عبقري في فنون الدعاية، ولكن ليس في فنون السياسة. فهو مبتدئ بالكامل في هذا المضمار».
لقد كانت حياة نانسي بيلوسي، التي تبلغ من العمر الآن 78 عاماً، ومسيرتها المهنية هما من أعدّاها جيداً لخوض معركة الإرادة هذه. إذ وُلدت في مدينة بالتيمور، بولاية ميريلاند الأمريكية، وهي أصغر الأبناء الستة سناً والفتاة الوحيدة. كان والدها عضواً في الكونجرس الأمريكي وأصبح عمدة المدينة، وكان ذلك درساً سياسياً لم تنسه قط. وقالت ابنتها ألكسندرا بيلوسي مؤخراً: «سوف تقطع رأسك ولن تعرف حتى أنك تنزف».
أصبحت بيلوسي مسؤولة عن حملة لجمع التبرعات في ولاية كاليفورنيا وأحد نشطاء الحزب، وانتُخبت لتصبح عضواً بالكونغرس عام 1987، وهو العام الذي نشر فيه رجل الأعمال النيويوركي دونالد ترامب كتابه The Art of the Deal. وأصبحت نانسي أول امرأة تتولى منصب رئيسة مجلس النواب الأمريكي، من عام 2007 إلى عام 2011، واستعادت هذا المنصب مؤخراً، وهو ما وضعها في المركز الثاني بين الصالحين لتولي الرئاسة.
وقد استمتع ترامب، الذي تزوج 3 مرات، بفرصة للترشح أمام سيدة، وهي هيلاري كلينتون، عام 2016. وبعدها استمتع بقضاء شهر عسل دام عامين في البيت الأبيض عندما كان الجمهوريون يسيطرون على مجلس النواب ومجلس الشيوخ. ولكن مجلس النواب الآن في أيدي الديمقراطيين، وتهدد نانسي بيلوسي -وهي منضبطة، وداهية، وهادئة وتتمتع بأعصاب حديدية- بفضح افتقاره إلى الخبرة السياسية.
وتستطيع رئيسة مجلس النواب أن تذكّره بحجمه الحقيقي
أصبح توازن القوى الجديد واضحاً في 11 ديسمبر 2018، عندما اجتمعت نانسي بيلوسي وتشاك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، بترامب ونائب الرئيس مايك بنس في المكتب البيضاوي.
وقالت نانسي بيلوسي وهي تجلس على حافة أريكة وتميل بجسدها للأمام: «ينبغي ألا يكون لدينا إغلاق يتسبب فيه ترامب». ورفع ترامب ناظريه إليها، قائلاً: «إغلاق ماذا؟ هل قلتِ ترامب؟!».
لو أنه كان يشرب كوباً من الماء، لكان بصق ما تجرعه في تلك اللحظة. وانقلبت الطاولة، وجاء اسم مستعار ليقهر سيد إطلاق الأسماء المستعارة، إذ ظلت صفة «إغلاق ترامب» متداولة أكثر من أي صفة أخرى. لم يساعد الرئيس نفسه عندما أخبر شومر بأنه سيكون «فخوراً بإغلاق الحكومة» باسم أمن الحدود.
وعندما زعم أن «نانسي في موقف ليس من السهل عليها فيه أن تتحدث في الوقت الحالي»، ذكّرته بحجمه الحقيقي بقولها: «سيدي الرئيس، من فضلك لا تتحدث عن القوة التي أضيفها إلى هذا الاجتماع بصفتي رئيسة الديمقراطيين في مجلس النواب، الذين حققوا لتوّهم فوزاً ساحقاً».
وبعد الاجتماع، أفادت تقارير بأن نانسي بيلوسي أخبرت الديمقراطيين في مجلس النواب بأن الأمر كان يشبه «منافسة للتبول مع الظربان» (مضيعة للوقت) وأن إصرار ترامب على بناء جدار يتعلق «بإثبات رجولته».
وهو ما جعل الرئيس الأمريكي يصاب بالصدمة في بعض المواقف
لا بد من أن الأمر كان بمثابة صدمة لرجل قضى العامين الماضيين محاطاً بحفنة من الرجال والنساء المتملقين، ومن أولئك النساء كيليان كونواي وسارة ساندرز. وقال كورنفيلد: «سننظر إلى يوم 11 ديسمبر 2018، باعتباره اليوم الذي التقى فيه ندّه. لقد برعت نانسي في مهارتين سياسيتين لا يعرف حتى أنه لا يجيدهما».
«الأولى هي أنها تعرف كيف تحصد الأصوات. هذه هي الطريقة التي تمكنت بها من تمرير قانون الرعاية الصحية، وبهذه الطريقة عادت إلى منصب رئيسة مجلس النواب، وبهذه الطريقة ستتمكن من المضي قدماً في إجراءات العزل. وهي تتواصل مع كل فرد من الديمقراطيين ومعظم الجمهوريين. إنها تعرف متى يجب عليها أن تتنازل ومتى تتمسك بموقفها.
والثانية، هي أنها تعرف كيف تستفيد من الموقف. فهي تدرك أنه في كل يوم يمر على الإغلاق، تكسب هي والديمقراطيون ويخسر ترامب والجمهوريون. ستحرمه من الاستمتاع بمشاهدة التلفاز: إنها تعرف حقاً كيف تراوغه».
«إنني أعلم كيف تكون نوبات الغضب عندما أرى إحداها»
خلال عيد الميلاد وفي العام الجديد، ألقى حساب ترامب على «تويتر» وحلفاؤه المحافظون على مواقع التواصل الاجتماعي باللائمة على الديمقراطيين في حدوث الإغلاق، وزعموا ساخرين أنهم يفضلون إبقاء الحدود مفتوحة والسماح بدخول المخدرات والمجرمين الخطرين إلى البلاد.
وتميل نانسي بيلوسي إلى توجيه الضربات الدقيقة التي يتبين أنها أكثر فتكاً. وقالت في أثناء حديث مع الصحفيين، إن ترامب يفتقر إلى التعاطف مع العمال المتوقفين عن العمل، و»يعتقد أنه يمكنهم ببساطة أن يطلبوا من آبائهم مزيداً من الأموال»، في إشارة إلى الثروة التي ورثها الرئيس.
بعد خروج ترامب من الاجتماع، قالت نانسي ساخرة: «إنه مصاب بنوبة غضب. أنا أُم لخمسة أبناء، وجدة لتسعة. وأعلم كيف تكون نوبات الغضب عندما أرى إحداها».
وبينما واصل ترامب التغريد بردود غاضبة هذا الأسبوع، اقترحت نانسي بيلوسي تأجيل إلقاء ترامب خطاب حالة الاتحاد -الفرصة الكبرى لأي رئيس- إلى أن ينتهي الإغلاق الحكومي. وفي خطاب مفاجئ، قالت نانسي إن العاملين بجهاز الخدمة السرية ووزارة الأمن الوطني قد «تضرروا» بسبب توقفهم عن العمل، لذا يجب ألا يتحملوا عبء تأمين هذا الحدث في 29 يناير/كانون الثاني 2019، بمبنى الكابيتول هيل.
وتفوقت عليه في أكبر إغلاق حكومي جزئي بتاريخ أمريكا
وفي مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، وصف عضو الكونجرس الديمقراطي ستيف كوهين خطاب بيلوسي بـ «لحظة جين هاكمان الكبرى»، مشبهاً إياه بخطاب ملهم ألقاه الممثل جين هاكمان إلى فريق كرة سلة في فيلم Hoosiers.
وقال: «وهو خطاب ذكي لسببين: الأول، هو أن نانسي بيلوسي ستكون خلفه مباشرة، وسيكون عليها أن تجلس هناك في حين يحمّلها مسؤولية الإغلاق. والسبب الثاني، هو أنها تعطيه سبباً لإنهاء الإغلاق، إذ إنه يحب جمهور التلفزيون وجذب الاهتمام».
وحاول الرئيس الرد، يوم الخميس 17 يناير 2019، بخطاب يهزأ بزيارة نانسي وديمقراطيين آخرين أفغانستان، بوصفها «نشاط علاقات عامة» وقوله إنه كان من الأفضل لها أن تظل في واشنطن للتفاوض على إعادة فتح الحكومة.
وكتب ترامب في خطاب موجه إلى «المدام الرئيسة»، وهو تحوّل غريب إلى اللغة الفرنسية: «من الواضح أنك إذا كنتِ تودين استخدام الطيران التجاري في رحتلك، فهو حقك بالتأكيد».
وعادت الكرة إلى ملعب نانسي بيلوسي. وركلتها باتهام ترامب بتعريض حياة الجنود والمدنيين العاملين في أفغانستان للخطر بإعلانه عن رحلتها المخطط لها. وعندما سألها أحد المراسلين عما إذا كانت تعتبر خطابه رداً انتقامياً على خطابها، أجابت بسخرية مريرة: «آمل ألا يكون كذلك. لا أعتقد أن الرئيس بهذه الدرجة من التفاهة، هل تفعل أنت؟».
ما جعل نانسي بيلوسي تكسب الرأي العام لمصلحتها
وفي حين استمرت حالة الجمود، بدا أن بيلوسي كسبت الرأي العام لمصلحتها، إذ وجد استطلاع رأي أجرته الإذاعة الوطنية العامة NPR وبرنامج NewsHour على محطة الشبكة التلفزيونية الأمريكية PBS وكلية Marist، أن نسبة شعبية ترامب ظلت ثابتة عند 39% من المؤيدين و53% من المعارضين، وهو تغيير بإجمالي 7 نقاط منذ شهر ديسمبر 2018.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت نسبة تأييد نانسي بنسبة 13% بين الديمقراطيين منذ انتخابات التجديد النصفي (من 59% إلى 72%) في الاستطلاعات التي يجريها موقع Civiqs، مع عدم حدوث أي تحول فعلي بين الجمهوريين.
من المثير رؤية الصراع بين نانسي بيلوسي وترامب من منظور العمر أو النوع أو الحزب أو الثروة الشخصية، فكل من نانسي بيلوسي وترامب ثري. لكن بالنسبة لرئيسة مجلس النواب، فالأمر ليس بالضرورة شخصياً بقدر ما هو وفاء للمؤسسة التي خدمتها أكثر من 3 عقود.
تقول سيندي سيمون روزنثال، مؤلفة كتاب Speaker Nancy Pelosi and the New American Politics، الذي نشر عام 2007: «هناك أشخاص ينظرون إلى الأمر على أنه سياسة القوة، شد وجذب بين رئيس جمهوري ورئيسة مجلس نواب ديمقراطية، ولكن يمكنك أيضاً اعتبارها عودة ظهور نصف الفرع التشريعي مما يظهر أن البيت الأبيض لن يتجاهله».
وتضيف: «تحاول نانسي بيلوسي إرسال رسالة واضحة، مفادها أنهم سيعيدون فرض أنفسهم. وهو لا يعرف تحديداً كيف يتعامل مع ذلك».