ناشيونال انترست: واشنطن أفضل قاذفاتها ومقاتلاتها لسدِّ ثغرات السعودية الدفاعية أمام إيران
نشرت الولايات المتحدة مؤخراً بضعة آلاف من الجنود والطيارين، وأسلحة شديدة التقدم في المملكة العربية السعودية، بعد الهجوم على شركة أرامكو النفطية العملاقة، فهل أصبحت السعودية آمنة بفضل الأسلحة الأمريكية؟ وهل تسد هذه الأسلحة الثغرات التي كشفها هجوم أرامكو؟
تمثل عمليات انتشار القوات الأمريكية في السعودية تحولاً بالغ التأثير عما حدث قبل ستة عشر عاماً في عام 2003، عندما سحب وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد آلاف القوات الأمريكية التي كانت متمركزة في السعودية، بحسب ما ورد في تقرير لمجلة “ذا ناشيونال انترست” الأمريكية.
إذ كان وجود هذه القوات آنذاك قد اعتُبر لفترة طويلة عاملاً يؤدّي إلى تصاعد وزيادة التطرف بين المسلمين، الذين لطالما أبدوا اعتراضاً كبيراً على وجود قوات أجنبية بهذا القرب من مدينة مكة المكرمة المقدسة عندهم.
يبدو أن هذه المخاوف والاعتراضات قد أخذت تتلاشى عما كانت في ذلك الحين، وذلك على الرغم من رياح الانتقادات المعاكسة من جهة الكونغرس الأمريكي الغاضب على السعودية بسبب جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، في قنصليتها في إسطنبول.
كان الدافع وراء عودة التحسن في العلاقات هو التحرش الإيراني بسفن الشحن في الخليج، وإسقاط طائرة تجسس أمريكية بدون طيار فوق الخليج، في يونيو، علاوة على هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ على مصافي نفط سعودية، في سبتمبر الماضي، والذي كان في حكم المؤكد أن إيران هي مَن قامت به، قبل أن يعلن متمردون حوثيون في اليمن مسؤوليتهم عنه.
سد الثغرات.. هل أصبحت السعودية آمنة بفضل الأسلحة الأمريكية؟
في البداية، بعد إسقاط طائرات مسيّرة في يونيو، أعلنت وزارة الدفاع أنها ستُضاعف نشر قوات في المملكة من 500 ليصبحوا 1000 فرد.
ثم، بعد هجمات منشآت النفط، أرسلت الولايات المتحدة 200 جندي إلى جانب بطارية صواريخ باتريوت للدفاع الجوي، وأربعة أنظمة رادار «حارس» من طراز AN/MPQ-64 Sentinel، في مساعٍ لإصلاح الثغرات الواضحة في الدفاعات الجوية السعودية.
لكن في حين أن صواريخ باتريوت استخدمت بالفعل من قبل في مواجهة وإسقاط طائرات مسيّرة من قبل، فإنها ليست معدةً حقاً للاشتباك مع صواريخ وطائرات تطير على ارتفاعات منخفضة.
لا ينطبق هذا على منظومات رادار «الحارس» الأمريكية القابلة للنقل والتحريك سهلة الاستخدام، والتي أبدت كفاءة في توسيع نطاق تغطية الرادار ضد التهديدات التي لا يمكن رصدها سوى على مسافات قصيرة.
ملايين الدولارات لإسقاط بضعة آلاف
توفر منظومات «الحارس» تغطية بمدى 360 درجة داخل دائرة نصف قطرها 40 كيلومتراً، باستخدام تردُّدات X-Band عالية الدقة.
ومن خلال دمج تغطية الرادار التي توفرها منظومات الحارس الرادارية، يمكن لبطاريات الباتريوت الانطلاق ضد أهداف لا تستطيع راداراتها الخاصة رصدها حتى الآن، وهو ما يوفر مظلة دفاعية عالية الجودة ضد أي هجمات مستقبلية على ارتفاعات منخفضة.
لكن هذا لا يعالج مشكلة أخرى: وهي أن صواريخ باتريوت التي تكلف كل منها ما بين 2 إلى 3 ملايين دولار، لا تُعد بأي شكل حلاً مستداماً أو فعالاً لهجمات الطائرات المسيّرة التي قد لا تزيد تكلفتها على بضع مئات أو آلاف من الدولارات.
إضافة إلى ذلك، أرسلت الولايات المتحدة السفينةَ البحرية المدمرة «يو إس إس نيتز» إلى شمال الخليج. وهي توفر قدرة تغطية ودفاع جوي واسعة النطاق بفضل تجهيزها بأنظمة صواريخ «إيجيز» القتالية، وعشرات من صواريخ «إس إم 2» و «إس إم 3″، علاوة على صواريخ «آر آي إم 162 سي سبارو» في أنظمة الإطلاق العمودي للصواريخ لديها.
أسلحة للتصدي للصواريخ الباليستية الإيرانية
بعد ذلك، أعلنت الولايات المتحدة في 11 أكتوبر الماضي، أنها ستنشر 3000 جندي إضافي في السعودية، للتمركز في محيط قاعدة الأمير سلطان الجوية، وتشمل تجهيزاتهم بطاريتي صواريخ باتريوت، وواحدة من طراز منظومة «ثاد» للدفاع الجوي.
صُمّمت بطاريات ثاد بالفعل لإسقاط الصواريخ الباليستية قصيرة إلى متوسطة المدى، التي يتم إطلاقها من موجِّه معروف.
وتمتلك إيران ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية التي سبق أن أطلقت منها في أربع ضربات صاروخية على الأقل في العراق وإسرائيل وسوريا منذ عام 2017.
ومع ذلك، فإن الصواريخ الباليستية ليست عشوائية أو غير منتظمة في حركتها بذلك القدر الذي يجعلها أسلحة «لا يمكن كشفها» كما هو الحال مع صواريخ الكروز والطائرات المسيّرة التي تطير على ارتفاعات بالغة الانخفاض، كما أنها لم يعتد استخدامها في هجمات على السعودية من قبل.
الطائرات الشبحية الأفضل في العالم
في الوقت نفسه، نشر سلاح الجو الأمريكي وحدة دعم محمولة جواً Air Expeditionary Wing، التي كانت مكلفة في البداية بدعم سربين متصلين من المقاتلات.
ينشئ هذا النوع من الوحدات مقراً رئيساً لقيادة العمليات في البداية، ثم قاعدة لوجستية تتيح للأسراب الإضافية من المقاتلات سرعة التمركز في المنطقة، وتلقياً متصلاً للدعم اللوجستي.
بحلول الأسبوع الثالث من شهر أكتوبر، كُشف عن أن وحدات المقاتلات شملت مقاتلات شبحية من طراز «إف 22 رابتور» (التي تعتبر الأفضل في العالم) من السرب 149/الجناح 192 من قوات فرجينيا الجوية التابعة للحرس الوطني الأمريكي.
ومع قدرتها على أداء مهام الاختراق وشن الضربات في المجال الجوي الذي تدافع عنه، فإن القوة الحقيقية لمقاتلات رابتور تكمن في قدراتها القتالية الفريدة على مستوى المواجهات الجوية.
ولا يمكن تسويغ نفقات التشغيل الباهظة لتلك الطائرات النفاثة عالية الأداء بالفعل سوى عند مواجهة خصم على مستوى دولة.
وأخيراً أرسلت أمريكا هذه القاذفات المهولة
في 25 أكتوبر/تشرين الأول، نشرت «الصفحة الرسمية للقيادة المركزية الأمريكية» على موقع تويتر، تغريدةً تتضمن مقطع فيديو عن وصول قاذفة القنابل الاستراتيجية «بي 1 لانسر» إلى قاعدة الأمير سلطان الجوية السعودية.
وربما تكون تلك المرة الأولى التي تطأ فيها تلك المقاتلة السوداء العملاقة أرض البلاد، إذ كانت عادة ما تعمل تاريخياً من قاعدة العديد الجوية في الدولة المنافسة للسعودية وجارتها ذات المساحة الصغيرة قطر.
وصحيح أن قاعدة العديد أقرب إلى «موقع العمليات» على الخليج، لكنها ربما قريبة للغاية، إذ تقع على مدى قريب من عدد كبير من الأسلحة الإيرانية قصيرة المدى.
يمكن أن تحمل القاذفات التي يُطلق عليها «العظام» (Bones) [من «B-One»] حمولات قنابل أثقل مما تحمل طائرة «بي 52″، وتنتقل بسرعات تفوق سرعة الصوت، وتحلق على امتداد مسافات شاسعة.
وقد أتاحت لها قدرات التحليق لفترات طويلة وحمولاتها الضخمة من القنابل المشاركة في توجيه ضربات لأهداف تابعة لداعش، كانت قد كشفت عنها قوات موجودة على الأرض. لكنها استخدمت على نطاق واسع، لدرجة أن معدلات توافرها للإقلاع (availability rates) كانت قد انخفضت إلى مستويات كارثية بحلول عام 2018، ومن ثم سُحبت من العمل.
رسالة تحذير لن تنفذ في الأغلب
على الرغم من أن طائرات «بي 1» ليست سريعة أو يمكنها التخفي بما يكفي لاختراق المجال الجوي المستهدف بأمان، فإنها تستطيع نقل ذخيرة بالغة الثقل مثل صواريخ «إيه جي إم 158» وقنابل الانزلاق «إيه جي إم 154» الموجهة من الجو إلى الأرض، والتي يمكن إطلاقها من عشرات، أو حتى مئات الكيلومترات، علاوة على أنها مناسبة لتوجيه ضربات عسكرية بحرية في الخليج.
ومن ثم فإن انتشارها في السعودية كان الغرض منه إعطاءَ مؤشر على دعم الولايات المتحدة للرياض، وإنذار إيران بأنه بات في الإمكان شنُّ هجوم جوي كبير الحجم عليها من السعودية في غضون وقت قصير. لكن الغريب، أنه بعد بضعة أيام فقط، وردت تقارير عن أن مقاتلات «بي 1» جرى سحبها من السعودية.
غير أنه على نحو عام، يبدو أن عمليات الانتشار الأمريكية في السعودية ترمي إلى تحقيق ثلاثة أهداف: أولاً، طمأنة الرياض بأن واشنطن ستدعمها ضد الهجمات الإيرانية، لاسيما من خلال إقامة قدرات دفاعية لديها القدرة على التصدي لأي هجمات مماثلة التي شُنّت على منشآت نفطية، في سبتمبر الماضي.
ثانياً، عملت الولايات المتحدة على إنشاء قدرة أولية تتيح إطلاق حملة قصف جوي على إيران، ودعمها، وتوسيع نطاقها على الفور.
وبالنظر إلى علنية الإشارات التي أصدرتها القيادة المركزية الأمريكية، يبدو أن النية على الأغلب ردع إيران، أكثر من كونها نوعاً من التراكم الذي قد يُسفر عن هجوم مخطط له مسبقاً.
أخيراً، تعزز الدفاعات الجوية الإضافية أيضاً من قدرة الطائرات الأمريكية على البقاء والتمركز في قاعدة الأمير سلطان الجوية، والتي قد تكون، في حالة غياب دفاعات قوية، عرضة لخطر ضرب طائراتها على الأرض بسبب ترسانة إيران من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز الجوالة المتنامية، فضلاً عن الطائرات المسيرة الهجومية.
ومع ذلك، فإن عمليات الانتشار العسكرية الأمريكية الجديدة قد تدعم أيضاً المنظور الانتقادي (والمختزل إلى حد ما)، القائل بأن المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط دائماً ما كان محورها الثروة النفطية، وأن خدمات القوات الأمريكية يجري تقديمها عربونَ مجاملةٍ لحكومةٍ صُرّح لها مؤخراً بشراء أسلحة أمريكية قيمتها 8.1 مليار دولار من وزارة الدفاع الأمريكية، رغم معارضة كبيرة أبداها الكونغرس.