ناشيونال إنترست: لا يمكن لأمريكا تحمل تكلفة حماية الخليج
يتبنى كثيرون من نخب السياسة الخارجية الأمريكية المتمثلة في أعضاء الكونغرس، والجنرالات والقادة العسكريين المتقاعدين، والعاملين بالمراكز البحثية، موقفاً حاداً في اختلافهم مع فكرة أن الهجوم الأخير على معامل تكرير النفط السعودية يستدعي رداً عسكرياً قوياً من الولايات المتحدة.
ولكن قبل أن يقحم «سادة واشنطن» الولايات المتحدة في حرب مفتوحة أخرى في الشرق الأوسط، عليهم التفكير في تداعيات هذا التصعيد. إذ إن التسرع بتهور لاستخدام القوة من شأنه زيادة سوء الوضع الأمني للولايات المتحدة بكل وضوح، وبالتأكيد لن يتحسن الوضع من جراء ذلك. تقول مجلة The National Interest الأمريكية.
المصالح الأمريكية في خطر؟
تقول المجلة الأمريكية المتخصصة بالأمن القومي، إن الغالبية العظمى من القادة السياسيين الكبار هذه الأيام، وكل الجنرالات المتقاعدين والعاملين من حاملي الثلاث أو الأربع نجوم، قضوا سنوات تَشَكُّلِهم في أفران الحرب الباردة. وبالرغم من أن ذلك العالم انهار في عام 1992 بحل الاتحاد السوفيتي، ما زال عديدون من هذه الشخصيات يشكلون سياساتهم كما لو أن هذا النموذج البائد ما زال موجوداً. لكن هذا النموذج ولّى منذ عقود، مما يعني أن تشكيل السياسات بناءً على هذا النموذج القديم، يضع المصالح الأمريكية في خطر.
شكل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر سياسته المعروفة باسم «عقيدة كارتر»، رداً على أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي وعلى غزو الاتحاد السوفيتي أفغانستان في ليلة رأس السنة من عام 1979؛ وذلك من أجل حماية المصالح الأمريكية. وأسس في خطاب حالة الاتحاد السنوي، لركائز هذه العقيدة عندما قال رسمياً: «أي محاولة من أي قوى خارجية للسيطرة على منطقة الخليج العربي ستعد هجوماً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الهجوم سوف يُرد بأي وسيلة يتطلبها الرد، بما في ذلك القوة العسكرية». ومنذ ذلك الحين، تتبنى أي إدارة أمريكية هذه العقيدة.
عقيدة كارتر
عندما ألقى كارتر الخطاب، كان اقتصاد أمريكا مقوضاً أكثر مما هو عليه اليوم بكثير بسبب الانقطاع المفاجئ للنفط السعودي، إذ كانت الولايات المتحدة يومها تستورد 1.5 مليون برميل يومياً من المملكة. لم تعد هذه هي الحال الآن. والسبب أنه بداية من هذا الصيف، انخفضت واردات الولايات المتحدة الأمريكية من النفط السعودي بنسبة 66% وأصبحت مجرد مليون برميل يومياً. في حين ارتفع الإنتاج المحلي الأمريكي إلى 12.4 مليون برميل في اليوم، مما يجعل الولايات المتحدة المنتج الأكبر للنفط في العالم.
قللت هذه النقلة كثيراً من اعتمادية الولايات المتحدة على النفط الخارجي. وبدون شك، لم تعد المصالح الأمريكية إذاً مهددةً بالأحداث السلبية في الشرق الأوسط بنفس القدر التي كانت مهددة به في عام 1980. لذا يجب تعديل وضعها وسياساتها وفقاً لهذه الوقائع الجديدة، لكنهم لم يفعلوا ذلك. وفي الحقيقة، لا تزال الولايات المتحدة منخرطة في الشرق الأوسط حتى في ظل تضاؤل مصالحها في المنطقة يوماً بعد يوم.
«مخاطرة غير ضرورية»
يوجد حالياً 43800 جندي أمريكي متمركزين في أنحاء الشرق الأوسط. من بينهم 14 ألف جندي في أفغانستان، وما يقارب 2000 جندي في سوريا، وتقترب أرقام القوات القتالية المتمركزة في المنطقة من 60 ألف جندي. يبدو هذا الرقم والتكلفة الناتجة مبالغاً فيهما، إذا فكرنا في أن هذه المنطقة أقل أهمية بوضوح لأمن الولايات المتحدة مما كانت عليه في السنوات الماضية.
تقول المجلة الأمريكية إن الأزمة الحالية بين المملكة العربية السعودية وإيران توضح المخاطرة غير الضرورية لأمن ورفاهية الولايات المتحدة، التي يجلبها هذا التفكير القديم. يجب أن يدفع هذا واشنطن إلى تعديل سياسات الولايات المتحدة بناء على واقع استراتيجي، وإلى إعادة توزيع مواردنا الدفاعية وفقاً لهذا التعديل.
الحرب المفتوحة، والخدمات «المجانية»
إذا انحنت واشنطن أمام ضغوطات الرياض وهاجمت إيران انتقاماً للضربة التي وُجهت إلى مصافي نفط المملكة، فسيكون هناك احتمالية كبيرة أن يقود هذا إلى حرب شاملة. وهذا تحديداً ما وعدت به إيران. ثمة الكثير لتخسره الولايات المتحدة من وراء هذا السيناريو. فمن شأن حرب أخرى في الشرق الأوسط أن تضعف الولايات المتحدة أكثر، مثلما فعلت بها «الحروب المفتوحة»، وتكلفها تريليونات الدولارات، وآلاف من الأرواح، وعشرات الآلاف من الإصابات (ناهيك عن أزمات المدنيين المحليين). لا غرو أن الأمم الأخرى تريد أن تشن الولايات المتحدة الحروب لصالحها، غير أنه من المرعب أن تستمر واشنطن في المخاطرة بأرواح الجنود الأمريكيين لصالح أمن الشرق الأوسط.
الهند على سبيل المثال، تستورد 83% من نفطها، ويأتي معظمه من الشرق الأوسط. والصين أيضاً تعتمد على النفط المستورد كثيراً، ولا سيما النفط المستورد من المملكة العربية السعودية. فلماذا يجب على أبناء وبنات الولايات المتحدة الأمريكية المخاطرة بأرواحهم من أجل مصالح الرياض الاقتصادية؟ لماذا يجب أن يتعرضوا للخطر من أجل العميل الأول لدى الرياض والعميل الثالث، وهما الصين والهند؟ لماذا يجب أن نحارب في هذه المعركة بينما لا تخاطر بكين أو نيودلهي ولا تنفقان أموالهما لتأمين التدفق المجاني للنفط؟، تتساءل المجلة الأمريكية.
ليست الحرب الخيار الوحيد. إذا أعدنا تعديل علاقاتنا مع المملكة العربية السعودية تحديداً ومع الشرق الأوسط في العموم، فهذا سيجبر قوى المنطقة على تحمل المسؤولية لحماية مصالحهم. يمكن أن يستمر توازن مستقر للقوى، وهو ما خدم الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي على نحو جيد لعقود. تقول المجلة: «آن الأوان لأن تتوقف أمريكا عن رعاية أمن الدول الأخرى في الشرق الأوسط، خاصة عندما يحمل هذا مخاطرة بوقوع حرب. وحان الوقت لإنهاء تقديم هذه الخدمات مجاناً».