مَن هو وزير الخارجية اللبناني، وهل تعني استقالته نهاية الحكومة أم مؤشر على انهيار وشيك للبلاد؟
جاءت استقالة وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتّي لتؤشر على أن لبنان قد يكون مقبلاً على فصل أسوأ من أزمته السياسية والاقتصادية في ظل حديث عن استقالات وزارية أخرى محتملة، فما أسباب استقالة حتي؟ وما هي سيرته السياسية قبل توليه هذا المنصب؟ وما هو مستقبل الحكومة اللبنانية بعد رحيله؟
وجاءت استقالة بعد أيام من تصريح وزير خارجية فرنسا خلال زيارته للبنان بأن البلاد على شفا الهاوية، وأن على اللبنانيين مساعدة أنفسهم لكي تساعدهم فرنسا.
وناصيف حتّي جزء من حكومة تكنوقراط تولت السلطة بعد استقالة حكومة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، إثر مظاهرات ضد فساد النخبة السياسية.
ورغم الطابع الفني غير السياسي للحكومة وحمل العديد من الوزراء بها للجنسية الأمريكية، فإنه ينظر لها بأنها حكومة حزب الله والتيار الوطني والتي يستخدمها الحليفان للتجمل أمام المحتجين والغرب للخروج من الأزمتين الاقتصادية والغربية، ولكن الحكومة لم تتمكن من الخروج من الأزمات المتراكمة، خاصة أزمة انهيار الليرة والمصارف، إضافة إلى فشلها في تمرير روشتة إصلاح مقبولة من صندوق النقد والغرب.
مَن هو ناصيف حتّي؟
أهم ما يميز مسار حتّي المهني قبل توليه منصب وزير خارجية لبنان أنه تمرس بالعمل الدبلوماسي عبر الجامعة العربية التي اضطلع فيها بعدة مهام.
وقد نال ناصيف حتّي الإجازة في العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1975. وحصل على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية من الجامعة ذاتها. وأحرز عام 1980 شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا.
ومن أهم المناصب التي تولاها ناصيف حتِّي في جامعة الدول العربية، منصب الناطق الرسمي باسم أمينها العام ورئيس بعثتها في فرنسا وفي إيطاليا ولدى الفاتيكان.
ولديه عدة مؤلفات ومشاركات في مؤتمرات إقليمية ودولية حول مكانة منطقتي المتوسط والشرق الأوسط في العلاقات الدولية. وتولى تدريس العلاقات الدولية في عدد من الجامعات العربية والأوروبية.
وعُين من عام 2016 إلى عام 2019 مديراً للمعهد العالي للعلوم السياسية والإدارية في جامعة الروح القدس-الكسليك اللبنانية. وأصبح بعد ذلك أستاذاً غير متفرغ لتدريس مادة العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط في الجامعة ذاتها.
أسباب استقالة حتّي
البلاد “تنزلق للتحول إلى دولة فاشلة”، كان هذا أبرز الأسباب التي قالها حتى لتبرير استقالته في بيان أصدره عقب تقديم الاستقالة لرئيس الحكومة حسان دياب، في مقر الحكومة وسط بيروت.
وقال حتّي إن استقالته جاءت نتيجة “لتعذر أداء مهامه في هذه الظروف المصيرية، نظراً لغياب رؤية للبنان الذي أؤمن به وطناً حراً مستقلاً فاعلاً ومشعاً في بيئته العربية وفي العالم”.
وأضاف أن “الاستقالة جاءت نتيجة غياب إرادة فاعلة في تحقيق الإصلاح الهيكلي الشامل المطلوب الذي يطالب به مجتمعنا الوطني ويدعونا المجتمع الدولي للقيام به”.
وأشار إلى أنه كان “يحمل آمالاً كبيرة بالتغيير والإصلاح، ولكن الواقع أجهض جنين الأمل في صنع بدايات واعدة من رحم النهايات الصادمة”.
وتابع مشدداً: “لا لم ولن أساوم على مبادئي، وقناعاتي، وضميري من أجل أي مركز أو سلطة”.
واعتبر حتّي أن “قراره بتحمّل هذه المسؤولية لمنصب وزير الخارجية والمغتربين، لم يكن عادياً في خضم انتفاضة شعبية قامت ضد الفساد والاستغلال، وفي ظل ما يشهده لبنان من أزمات متعددة الأشكال والأسباب سواء في الداخل أو في الإقليم”.
وقال بهذا الشأن: “لبنان اليوم ليس لبنان الذي أحببناه وأردناه منارة ونموذجاً، لبنان اليوم ينزلق للتحول إلى دولة فاشلة لا سمح الله”.
وقال حتّي: “شاركت في هذه الحكومة من منطلق العمل عند رب عمل واحد اسمه لبنان، فوجدت في بلدي أرباب عمل ومصالح متناقضة”.
وحذّر من أنه إن لم “يجتمع هؤلاء حول مصلحة الشعب اللبناني، وإنقاذه، فإن المركب لا سمح الله سيغرق بالجميع“.
وأعرب “حتّي” وفق البيان، عن “أمنياته للحكومة والقائمين على إدارة الدولة التوفيق وإعادة النظر في العديد من السياسات والممارسات، وإيلاء المواطن والوطن الأولوية على كافة الاعتبارات والخصوصيات”.
ورأى أن “المطلوب في عملية بناء الدولة عقول خلاقة ورؤية واضحة، ونوايا صادقة وثقافة مؤسسات، وسيادة دولة القانون، والمساءلة والشفافية”.
تكهنات حول السبب الحقيقي للاستقالة
وبينما خلا بيان حتّي من أسباب محددة للاستقالة، فإن تقارير إعلامية سبقت الاستقالة قدمت تكهنات عديدة.
فقد أفاد مصدر بالخارجية اللبنانية بأن سبب الاستقالة يتمثل في “هروب من الواقع” (دون تفاصيل)، إضافة إلى “عدم تقدّم الحكومة في عملها”.
فيما ذكرت تقارير أن أسباب الاستقالة تتعلق باستبعاده من الاجتماعات التي أجريت مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان الذي زار بيروت مؤخراً، إلا أن حتي لمح إلى التقليل من ذلك في بيانه بالقول إنه “تم تناقل بعض التأويلات والتحليلات وكذلك بعض التفسيرات التبسيطية السطحية عبر بعض وسائل الإعلام التي لا تلزم سوى أصحابها، وكلها أمور لم أتوقف عندها طيلة حياتي المهنية”.
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان قد صرح، الجمعة، خلال زيارة تعد الأولى لمسؤول رفيع المستوى إلى لبنان منذ تشكيل الحكومة وبدء انتشار وباء كوفيد-19 قبل أشهر، بأن لبنان بات “على حافة الهاوية”.
كما شدد لودريان على ضرورة عدم المماطلة والإسراع في إجراء إصلاحات ضرورية لحصول لبنان على دعم مالي خارجي.
وقال لودريان الجمعة في حديث للصحفيين: “هذا البلد بات على حافة الهاوية” في حال لم تسارع السلطات إلى اتخاذ إجراءات لإنقاذه، مؤكدا أنه “لا بديل” عن برنامج لصندوق النقد الدولي لخروج لبنان من الأزمة.
وأضاف “الجميع يعرف المسار الذي يجب اتخاذه، وهناك وسائل للإنعاش. وفرنسا جاهزة لمرافقتهم بشرط أن تتخذ السلطات السياسية القرارات” للسير في طريق الإصلاحات.
ولم يخفِ الوزير الفرنسي، الخميس، خيبة أمله قائلاً: “أكثر ما يذهلنا هو عدم استجابة سلطات هذا البلد” للأزمة الراهنة، مشدداً على الحاجة لـ”أفعال ملموسة طال انتظارها”.
بدوره، أفاد مسؤول فرنسي رفيع طلب عدم الكشف عن هويته بأنه “لن تُقْدِم فرنسا على أي التزام مالي ما لم يتم تطبيق إصلاحات” محذراً من أنه لا يمكن الحصول على شيء من المجتمع الدولي في غياب الثقة. وقال: “بدأ يفوت الأوان”.
ويطمح لبنان إلى الحصول على دعم خارجي يفوق 20 مليار دولار، بينها 11 ملياراً أقرها مؤتمر “سيدر” الذي انعقد في 2018 مشترطاً إصلاحات.
رجل حزب الله وأمل يتدخل في عمله
وفق مراقبين فإن من أبرز أسباب استقالة حتّي، أنه وبدلاً من أن يتولى مهمة التواصل مع الدول العربية انطلاقاً من منصبه كوزير خارجية للبنان، أوكلت المهمة إلى مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم المقرب من ميليشيا حزب الله وحركة أمل، الذي قام بجولة قبل أسبوعين شملت لقاءات مع مسؤولين عرب.
وتحدّثت صحيفة الأخبار اللبنانية المحسوبة على حزب الله عن ضغوط فرنسية واستياء الوزير من دور مدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم المتعاظم.
واللواء عباس إبراهيم من أبرز المسؤولين الشيعة في البلاد وقام بأدوار مهمة في التفاوض حول العديد من الملفات الأمنية والسياسة خاصة إطلاق سراح معتقلي الجيش اللبناني لدى جبهة النصرة.
ما مستقبل الحكومة اللبنانية؟
والتقى الرئيس اللبناني ميشال عون اليوم الإثنين 3 أغسطس/آب 2020 رئيس مجلس الوزراء حسان دياب، وتشاور معه في استقالة وزير الخارجية ناصيف حتي والخطوات التالية.
وأكدت رئاسة الجمهورية اللبنانية عبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي أن “عون ودياب سيظلان في تشاور لمعالجة مسألة الاستقالة”.
وبدا لافتاً جداً أن تتحدث محطة “أو تي في” التابعة للتيار الوطني الحر الذي أسسه الرئيس الحالي ميشال عون ويترأسه صهره جبران باسيل عن إمكانية أن تتبع استقالة حتّي استقالات أخرى.
وتفتح الاستقالة الباب أمام توقعات بتغييرات حكومية متوقعة بعد أن سربت مصادر حكومية أن البحث بدأ أمس عن بديل لحتّي.
ونقلت صحيفة “الأخبار” عن مصادر مطلعة تأكيدها أنه ليس مطروحاً أي تعديل وزاري اليوم، لا عند دياب ولا عند رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، معتبرةً أنّ “استقالة حتّي ليست جزءاً من تعديل وزاري، وإن قد تكون فاتحة استقالات أخرى”.
وبالفعل، رجح مصدر مطلع لقناة “العربية” أن يقدم وزراء آخرون على الاستقالة بعده. من جهته، أعرب مصدر في “الخارجية” عن خيبة أمله بقرار حتّي، معتبراً أنّه “يتهرّب من مسؤولياته كوزير”.
وقال المحامي والوزير السابق زياد بارود إنه “عندما يستقيل أي وزير عملياً الوزير الوكيل يأخذ مكانه، وهذا الوزير يعين بمرسوم إجمالاً يصدر بعد تشكيل الحكومة”.
ولفت بارود إلى أنه “اليوم الوزير الوكيل لوزير الخارجية المستقيل ناصيف حتّي، هو وزير البيئة دميانوس قطار. أيضاً يستطيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بمرسوم يحمل توقيعهما تعيين وزير أصيل مكان الوزير المستقيل، وهذا لا يحتاج لثقة في مجلس النواب، لأن الثقة تأخذها الحكومة مجتمعة عندما تقدم البيان الوزاري، لذلك لا ضرورة للحصول على ثقة من المجلس النيابي عند تعيين وزير جديد”.
ويفسر محللون محسوبون على حزب الله وقوى 8 آذار استقالة حتّي في إطار المساعي الرامية إلى إسقاط الحكومة.
ويأتي هذا التطور بعد مرور أسابيع على تخوّف دبلوماسيين من أنّ اللبنانيين على موعد مع الأسوأ في ظل خروج الوضع النقدي والاقتصادي عن السيطرة. وكانت قناة “العربية” نقلت مطلع الشهر الفائت عن دبلوماسي غربي مقيم في بيروت قوله إنّ “الطبقة السياسية تدمّر البلد”، محذراً من أنّ “عاصفة اقتصادية تتجه نحو لبنان”.
بدوره، قال مصدر سياسي حكومي بارز: “نتجه نحو كارثة”.
وتعليقاً على الحديث عن تغيير حكومي عقب دعوة النائب إيلي الفرزلي رئيس الحكومة إلى تسهيل تشكيل حكومة بديلة، قال المصدر: “ما من بديل للحكومة الآن، لذا سيبقى الوزراء في مناصبهم”، مستدركاً بالقول: “المسألة أكبر من (سعد) الحريري اليوم”.