ميدل ايست آي: أمريكا تصالحت مع فكرة انتصار الأسد وطريق واحد أمامها لتفادي شرور الأسد
يصر السياسيون الأمريكيون على أن الأسد يجب أن يرحل، ولكن في الواقع ليس لدى الولايات المتحدة خطة للتعامل مع الوضع في سوريا، الأمر الذي يثير تساؤل هل مازالت أمريكا قادرة على مساعدة الشعب السوري؟ أم فات الأوان.
فعندما سأل موقع Middle East Eye البريطاني، الأسبوع الماضي، إليوت إنجل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الديمقراطي، عمَّا إذا كان الرئيس السوري بشار الأسد يمكن أن يكون جزءاً من عملية الانتقال السياسي في البلاد، كان رده قاطعاً بـ «لا».
وأضاف إنجل: «يجب ألا يضطلع بأيِّ دور، باستثناء الرحيل ومحاكمته على جرائم الحرب».
مازال موقفه ثابتاً رغم انتصارات الأسد
لا يزال موقف إنغل الثابت بضرورة رحيل الأسد هو الرأي السائد في واشنطن -علناً على الأقل- على الرغم من الانتصارات المتعاقبة للجيش السوري وحلفائه في ساحة المعركة وعدم قدرة الولايات المتحدة على الإطاحة بالحكومة في دمشق.
في الأسبوع الماضي، انضم إنغل إلى نظيره الجمهوري في لجنة مجلس النواب، مايكل ماكول، لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها دمشق والاحتفال بالذكرى الثامنة للانتفاضة السورية.
وفي قاعة للكونغرس على الجانب الآخر من مبنى الكابيتول، عُلِّقَت صور السجناء الذين يموتون جوعاً في السجون السورية، يحملون على أجسادهم آثاراً للتعذيب، يوم الخميس 14 مارس الماضي عندما وبَّخ أعضاء الكونغرس الأسد وطالبوا برحيله.
وها هو يستعد لتقديم قانون لمنع مساعدة الرئيس السوري
استخدم إنغل الحدث للإعلان عن اعتزامه إعادة تقديم «قانون حظر تقديم المساعدة لنظام الأسد»، الذي يحظر تقديم المساعدات الأمريكية لجهود إعادة الإعمار في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية.
لكن بعد مرور ثماني سنوات على انتفاضة السوريين ضد حكومتهم، تبدو السياسات الأمريكية المتعلقة بالصراع المستمر أكثر تشوشاً من أي وقت مضى -علاوة على أن الافتقار إلى الوضوح مُعلَّقٌ على موقف واشنطن من مصير الرئيس السوري.
إذا كان على الأسد أن يرحل، كما يصر السياسيون الأمريكيون، فما هي خطتهم للإطاحة به؟
لقد انتصر الأسد في الحرب
في مارس 2011، نظم السوريون احتجاجاتٍ في جميع أنحاء البلاد قوبلت بحملةٍ قاتلة من قبل قوات الأمن.
تحولت المظاهرات التي كانت سلمية في السابق إلى تمرد مسلح، مما أدى إلى حرب أهلية أودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص وتشرد الملايين.
بعد ثماني سنوات، تبدو قبضة الأسد على القصر الرئاسي آمنة بعد سلسلة من الانتصارات للقوات الموالية للحكومة، التي صدت المتمردين من جميع المراكز الحضرية السورية تقريباً وضواحي دمشق.
مازال الجمهوريون والديمقراطيون يصرون على رحيل الأسد
مع استثناءاتٍ قليلة فقط، لا يزال كلٌّ من الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة يطالبون بإسقاط الأسد.
حتى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي صورت نفسها على أنها معارضة لسياسات التدخل التي رُوِّجَت في عهد باراك أوباما وجورج دبليو بوش، تقول إن الأسد لا يمكن أن يظل قائداً لسوريا.
وقال مسؤولٌ بوزارة الخارجية الأمريكية للصحفيين خلال مؤتمر صحفي في وقت سابق من هذا العام: «من الصعب للغاية بالنسبة لنا أن نتصور مستقبلاً لسوريا يمكن أن يضطلع فيه بشار الأسد بدورٍ مسؤول».
ورغم أن ترامب أعلن سحب قواته من سوريا
ومع ذلك، أعلن ترامب أنه سيسحب القوات الأمريكية من سوريا، وهي الخطوة التي أثارت غضب المشرعين وأدت إلى استقالة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس في أواخر العام الماضي.
الآن يقال إن البيت الأبيض يراجع هذا القرار.
وذكرت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية يوم الأحد 17 مارس 2019 نقلاً عن مسؤولين أمريكيين أن واشنطن ستترك ألف جندي، أي ما يقرب من نصف مجموع قواتها الحالي في سوريا.
ويقول محللون إن حجم القوة صغير للغاية بحيث لا يمكن تغيير واقع الحرب.
وهذا يعني أن قدرة أمريكا على التأثير تراجعت تماماً
قال عماد حرب، مدير البحث والتحليل في المركز العربي في واشنطن: «لسوء الحظ، فإن الدور الأمريكي في سوريا كان متاحاً، ثم أصبح غير ممكن الآن».
وأضاف: «كانت لدى الولايات المتحدة فرصةٌ للتأثير على الأمور في سوريا في وقت مبكر من الحرب الأهلية، ولكن الآن الولايات المتحدة في الأساس غير محظوظة ولا يوجد لديها المزيد من الأوراق للضغط على أي شيء».
خاصة في ظل وجود كل هذه القوات الروسية والإيرانية
وقال إنه مع وجود القواعد الروسية والقوات الإيرانية والميليشيات التي تدعمها طهران على أرض الواقع في الدولة التي مزقتها الحرب، لن تكون القوات الأمريكية قادرة على إمالة ميزان الحرب، حتى لو قرر ترامب الاحتفاظ بها جميعاً هناك.
وأضاف: «الولايات المتحدة، التي لديها قوات تضم 1000 أو 5000 جندي، لن تستطيع فعل الكثير».
هم مقتنعون أن الأسد انتصر
وقال حرب إن إدارة ترامب قد تصالحت مع فكرة أن انتصار الحكومة السورية هو بالفعل «أمر واقع» في سوريا.
وقال عماد حرب لموقع Middle East Eye: «أعتقد أنهم يعتقدون بالفعل أن الأسد سيبقى».
وأضاف أن هذه السياسة لن يُعتَرَف بها علناً، لأن قبول الأسد يعني إعطاء روسيا الضوء الأخضر لقيادة جهود إعادة الإعمار.
وقال حرب عن موقف ترامب بشأن الأسد: «الجواب لا يزال مشوشاً ولا يزال مربكاً. هذه الإدارة لن تكون أوضح في الأمر لأنها لا تملك حقاً قوة على الأرض لتتمكن من إملاء أمور معينة».
ولكن الواقع أن من انتصر هم الروس والإيرانيون
على الرغم من عدم رغبة الولايات المتحدة الواضحة -أو عدم قدرتها- على الاضطلاع بدورٍ مباشر في الصراع في الوقت الحالي، لا يزال النشطاء المناهضون للحكومة السورية يطالبون ترامب بالعمل ضد الأسد.
قال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لفرقة العمل السورية للطوارئ ومقرها واشنطن لموقع Middle East Eye: «من المهم أن نتذكر أن الأسد ونظام الأسد على وجه التحديد، لم يحقق فوزاً».
وأضاف أن الانتصارات العسكرية للقوات الموالية للحكومة هي نتيجة تدخل الميليشيات التي تدعمها إيران والقوات الجوية الروسية.
وقال مصطفى: «هؤلاء المحتلون هم الفائزون الآن في سوريا. لذلك، من المهم أن نبذل قصارى جهدنا لإعادة استقلال سوريا عن إيران وروسيا ونظام الدمى المتواجد هناك».
هل مازالت أمريكا قادرة على مساعدة الشعب السوري؟
ودعا مصطفى واشنطن إلى حماية ملايين السوريين الذين ما زالوا يعيشون خارج المناطق التي تديرها الحكومة، بما في ذلك محافظة إدلب الشمالية، آخر معقل رئيسي للمتمردين يخضع معظمه لسيطرة هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وقال معاذ مصطفى مستخدماً اختصاراً بديلاً لداعش: «إذا لم نفعل الشيء الصحيح من الناحية الأخلاقية لإنقاذ أرواحهم، عندها سنرى المزيد من اللاجئين الذين يزعزعون استقرار أوروبا. وسنرى المزيد من المتطرفين وسيعود تنظيم داعش والقاعدة ولن نكون قادرين على رؤية الاستقرار في الشرق الأوسط».
يمكنها على الأقل ردعه عن الجرائم ودفعه لتسوية سياسية
وقال مصطفى إن «تهديداً موثوقاً باستخدام القوة» من قبل الولايات المتحدة ضد الأسد من شأنه أن يمنع الانتهاكات ويكون بمثابة حافز للتوصل إلى تسوية سياسية.
وأضاف أن هذا الأمر يبدأ بإلغاء خطط الانسحاب من البلاد، قائلاً إن الانسحاب سيوهم الأسد بأنه يمكن أن يحقق نصراً عسكرياً ويقلل من احتمالات التوصل إلى تسوية سياسية.
واستطرد مصطفى قائلاً «هناك علاقة مباشرة بين وجود القوات الأمريكية وردع الفظائع الجماعية وإجبار الأسد على الجلوس على الطاولة، حتى نتمكن من الانتقال السياسي الحقيقي».
والانسحاب سيجعل الأكراد عرضة للانتقام.. ألا يكفي مقتل نصف مليون من البشر
وبدا إنغل موافقاً على هذا التقييم.
وعارض إنجل خطط ترامب لسحب القوات الأمريكية من سوريا، على الرغم من أن الهدف المعلن للوجود العسكري الأمريكي في البلاد هو محاربة داعش.
وقال إنجل إن الانسحاب الأمريكي المحتمل «سيشمل بالتأكيد وضع السوريين في حال أسوأ؛ وسيشمل ذلك، بالتأكيد، الانتقام من الأكراد الذين طالما كانوا حلفاء أمريكا المخلصين».
وأضاف إنجل: «يجب أن نكون هناك. لا نحتاج أن نكون هناك إلى الأبد، لكن لا يمكننا الاستسلام والتخلي عن الناس. لقد كان هناك ما يكفي من القتل بالفعل. كما تعلمون، قُتل نصف مليون سوري. وكان يجب إيقاف ذلك الأمر منذ فترة طويلة».