مواطنون كنديون ينهون عذاب مئات اللاجئين المحتجزين في أستراليا
لا أصدق أنني أصبحت حراً، ويمكنني التجول وفعل ما أرغب فيه»، هذا ما عبَّر عنه أمير حسين ساهراغارد، الذي لم يكن قد غادر صالة الوصول في مطار تورنتو بعد، حين تحدَّثت معه صحيفة Guardian Australia لأول مرة. لقد حصل على قهوة ستاربكس وخط هاتفي، لكن بقي أن يرى كيف يبدو وطنه الجديد.
إنه متحمّس ومرهق ويعبر (كثيراً) عن عدم تصديقه لوجوده هنا، وليس في «بابوا غينيا الجديدة» -دولة في أوقيانوسيا- حيث كان رهن الاعتقال، ويشعر بالاضطراب والقلق، عقاباً له على طلب اللجوء.
إذ أُرسل الإيراني البالغ من العمر 27 عاماً إلى جزيرة مانوس في بابوا غينيا الجديدة، بعد أن وصل إلى أستراليا بحراً لطلب اللجوء. لقد أمضى ست سنوات، أوما يقرب من سبع سنوات رهن الاعتقال خارج أستراليا، بموجب سياسات اللاجئين الأسترالية التي تشتهر بقسوتها.
احتجاز اللاجئين في الجزر المجاورة لأستراليا
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إنه في خضمّ محاولات الآلاف من الأشخاص القيام برحلة بحرية مماثلة، تصبح قاتلة أحياناً، أعلنت أستراليا عام 2013 أنّ اللاجئين القادمين عن طريق البحر لن يُسمح لهم بالمكوث في البلاد تحت أي ظرف، وبدلاً من ذلك أرسلتهم إلى الدول الاستوائية المجاورة «لاحتجازهم».
بعد سنوات، وبعد حياة من المرض وأعمال الشغب والضرب والوفيات، سمحت كندا لأمير بالقدوم إليها، في إطار برنامج خاص لكفالة اللاجئين، يندر وجود مثيل له في العالم.
استقبل ساهراغارد العديد من كفلائه الذين لم يلتق بهم قط، في وقت متأخر من مساء يوم الخميس 31 أكتوبر/تشرين الأول، وأيضاً اثنين من أقاربه لا يعرفهم جيداً، وأحد أصدقائه المقربين في مانوس لم يره منذ عامين. وكان جميعهم يلوّحون بالأعلام الكندية.
إلى كندا
يقول ساهراغارد إنه أصبح مريضاً جداً -نفسياً وجسدياً- وهو في مانوس ونُقل إلى بورت مورسبي (عاصمة بابوا غينيا الجديدة) لتلقي العلاج، قبل أن يُجلى طبياً إلى بريزبان في أستراليا.
وقبل أسبوعين، انتهت إجراءات الكفالة المطولة، وغادر مدينة كوينزلاند إلى كندا. وذلك بعد أن فقد الكثير من وزنه. ويقول جيفت إيلوم، وهو لاجئ سابق من الروهينغا، إنه كان من الصعب التعرف على صديقه.
ويضيف: «كان الأمر غريباً للغاية، هذا ما كنت أخبره إياه حرفياً، مَن كان يتصور أن هذا قد يحدث قبل أربع سنوات، حين كنا نتشارك زنزانة في مانوس».
يقيم إيلوم في كندا منذ عامين، وهو يقول إنها أفضل مما كان يتوقع «في كل شيء». ويعمل إيلوم الآن في منظمة غير حكومية ناشئة، وهو ناشط بارز في حقوق الروهينغا. وهو يدرس أيضاً، وأجّل امتحاناً ليتمكن من لقاء ساهراغارد.
وحين سألت صحيفة Guardian Australia إيلوم عمّا قاله لصديقه استعداداً للوصول إلى كندا، لم يفكر كثيراً. إذ قال: «استعد لتكون حراً واستعد لتعود إنساناً، أن تُنادى باسمك وليس برقم».
المئات عالقون في أستراليا
وتجدر الإشارة إلى أن ساهراغارد هو أحد أول لاجئين يصلان من جزيرة مانوس هذا الأسبوع. وتدرس منظمات اللاجئين والكفلاء المرتقبون 18 طلباً آخر، ولا يزالون يولون اهتمامهم للمئات من الأشخاص الآخرين العالقين في النظام الأسترالي، الذين لا يمكنهم الوصول إلى إعادة التوطين في الولايات المتحدة.
وكفل رجل كندي يُدعى ستيفن وات ما بين 40 إلى 50 شخصاً ضمن البرنامج، أو ساعد في كفالتهم، وكان من بينهم ساهراغارد. وتُلزِم الحكومة الكندية خمسة أشخاص على الأقل بكفالة لاجئ، ويجب عليهم جمع 18 ألف دولار.
يقول: «ما جعلني أشارك في هذا الأمر أنني علمت بأمر مانوس من أحد أصدقائي ممن يعيشون في أستراليا».
وقال: «أي خمسة أشخاص يهتمون بالأمر يمكنهم إحضار شخص إلى كندا. الأمر يشبه كما لو أنك تشاهد أحدهم في نشرة الأخبار، ويقول «هذا يجعلني أشعر باليأس»، يمكنك بالفعل تخليص هذا الشخص من هذا الموقف الرهيب وإحضاره إلى كندا».
«إذا لم تصحح الحكومة هذا الوضع، فسنفعل نحن»
وتعاونت بعض منظمات اللاجئين المحلية مؤخراً مع منظمة Australian Diaspora Steps Up ومقرها الولايات المتحدة، والمعروفة باسم Ads-Up، لوصل الكنديين الداعمين باللاجئين الذين يحتاجون إلى وطن جديد.
ويُذكر أن منظمة Ads-Up تأسست لدعم لاجئي مانوس وناورو الذين يصلون إلى هناك بموجب اتفاق اللاجئين بين أمريكا وأستراليا.
يقول المؤسس المشارك في المنظمة بِن وينسور: «بغض النظر عن رأيك في السياسة، الوضع الراهن سيئ للجميع- دافعو الضرائب يهدرون المليارات لاحتجاز الناس، والحكومة تشوه سمعة أستراليا، والأشخاص الذين فروا من الاضطهاد تنهار حياتهم». وأضاف: «إذا لم تصحح الحكومة هذا الوضع، فسنفعل نحن». ويرأس وات الآن منظمة Ads-Up Canada إلى جانب لورا بيث بوغ، وهي أستاذة كندية من أصول استرالية بجامعة تورونتو.
لقد استغرق الأمر أكثر من عام لإحضار ساهرغارد إلى كندا، وكان وات يتحدث معه عدة مرات في اليوم. وقد تغير الوضع في بابوا غينيا الجديدة تغيراً كبيراً في ذلك الوقت، إذ أُعيد توطين المئات في الولايات المتحدة وانتقل الجميع تقريباً إلى بورت مورسبي أو أُجلوا طبياً إلى أستراليا. وقُبض مؤخراً أيضاً على أكثر من 50 رجلاً واحتُجزوا في مركز احتجاز بومانا وانقطع اتصالهم بالعالم الخارجي والمحامين.
يقول وات: «كان هناك الكثير من الرسائل والمخاوف حول احتجازه في بومانا». ويضيف: «كنت أخوض معه كل ذلك وما يطرأ من تقلبات والنقل إلى بورت مورسبي والإجلاء الطبي إلى أستراليا.. إنه لأمر رائع أن أراه هنا وهو لا يخشى أن يُوضع في بومانا».
أما ساهراغارد وإيلوم فيشعران بالحزن حيال معرفتهم بأن أصدقاءهم ما زالوا في بابوا غينيا الجديدة أو قيد النقل المؤقت في أستراليا. يقول ساهراغارد: «إنهم مثل العائلة بالنسبة لي. لا يمكنني التعبير عما أشعر به حيال ذلك.. لم أتحدث مع أي شخص منذ مغادرتي».
الحياة الجديدة
يقول إيلوم إنه لا يستطيع منع نفسه من الشعور بالذنب أحياناً. بعد بضعة أيام، تحدثت صحيفة The Guardian Australia إلى ساهراغارد مرة أخرى. هو الآن في منزله الجديد، ويعيش مع زوجين إيرانيين لاجئين أعدا وجبة منزلية يوم الجمعة. هو لا يزال سعيداً، إلا أن ثمة مشاعر أخرى تراوده أيضاً.
يقول: «تناولت طعاماً فارسياً بعد ست سنوات؛ كان رائعاً. ولكن لم يكن بإمكاني تناول الكثير أو الاستمتاع به كثيراً». وأضاف: «لم أكن أتوقع ألا أستمتع به. كان رائعاً بالفعل، لكن ما زلت أشعر بالتوتر والقلق وآلام المعدة، التي عانيت منها لفترة طويلة».
وتابع قائلاً: «لا يزال يراودني الكثير من الكوابيس، لا أستطيع النوم، وأشعر بالهلع والضياع. أسأل نفسي في بعض الأحيان، ماذا يمكنني أن أفعل، ماذا لو لم أتمكن من التغلب على مشاكلي النفسية، أو كل ما حدث لي؟ هذه هي الأمور التي أفكر بها كثيراً».