مواجهة صريحة بين الملك عبدالله وشابين في مدينة الكرك بالأردن
«الكرك ليست بخير»… قالتها محامية شابة للملك عبد الله الثاني مباشرة وجهاً لوجه، وبحضور نخبة عريضة من كبار المسؤولين قبل أن تتهمهم، وفي الحضرة الملكية، بتضليل صاحب القرار، وقبل أن تثير بعبارتها الشفافة عاصفة من الجدل محلياً، مرة بعنوان «حجب المعلومات وتضليل القيادة»، ومرة باسم حقائق ووقائع الوضع الاجتماعي في البلاد.
المحامية الشابة هبة الله الشمايلة، عملياً تسللت في هويتها بل في منطقها وخطابها أيضاً إلى اجتماع كلاسيكيّ للأهالي والوجهاء في مدينة الكرك جنوب البلاد، بالعادة لا يتحدث فيه الناس بصراحة، وفي توقيت تتحضر فيه البلاد عموماً لتحديد مسارها الانتخابي المقبل.
الكرك اجتماعياً وشبابياً واقتصادياً «ليست بخير»، عبارة بدأت تقرع كل الأجراس في الأردن، لا لأن المحامية الشمايلة ذكرتها في حضرة الملك، ولكن لأن مواطنها الشاب محمد كفاوين أيضاً أكد عليها ووثقها في البرهان العملي في اللقاء الملكي الأهلي نفسه.
كلاهما، الكفاوين والشمايلة، تحدثا بانفعال وحميمية، عكس التيار الاجتماعي التقليدي.
سمع من شباب الكرك على الأرجح كلام مؤلم يختلف عما تقدمه الحكومة والمؤسسات والأجهزة، لكن أهميته أنه كلام صريح ومن القلب إلى القلب ومن الأبناء إلى الوالد، كما قالت الشمايلة. وبدا واضحاً أن الملك يواجه رسالة الإصغاء باهتمام بالغ، وتصدر عنه تلميحات وإشارات يفهم منها أنه يريد الاستماع للشباب ويوفر لهم حماية القول الصريح والعميق، وفي الأثناء تقصد الملك التحدث ببساطة وبصراحة مع أهالي الكرك، وأبلغهم بأن التحديات تزيد الأردن صلابة بالعادة، وتقدم ليتسلم شخصياً مذكرات المواطنين ورسائلهم مخترقاً صفوف المرافقين والحرس.
ما قاله الشابان في الكرك حظي بتأييد غير مسبوق على مستوى وسائط التواصل الاجتماعي الأردنية. ومصدر مطلع أبلغ «القدس العربي» بأن توجيهات ملكية صدرت فور اللقاء خصوصاً للقادة الأمنيين بمتابعة ما سمعه الملك وأعجبه من حيث صراحته.
المحامية الشابة قالت بوضوح إن مدينتها ليست بخير، وتتوسع فيها البطالة والفقر، والشباب في حالة يأس ولا يستطيعون الزواج ولا بناء عائلة، والمستقبل غامض ومجهول. وفي الوجبة التي قدمها الشاب الكفاوين عبارة صريحة عن خطر «المخدرات» الذي يلتهم الشباب ليس بالواقع في مدينة الكرك فحسب، بل في غالبية المحافظات، خصوصاً وأن توسع تعاطي المخدرات له علاقة عملية بارتفاع منسوب البطالة وفقدان الفرص.
الوزير الأسبق وابن الكرك، الدكتور محمد الذنيبات، كان قد أبلغ «القدس العربي» في وقت سابق بأن آفة المخدرات هي الأسوأ في المحافظة، وتتوسع بشكل مقلق، في الوقت الذي تأثر فيه المجتمع المحلي بوضوح بغياب الإرشاد الديني، خصوصاً بعد منع وعاظ الإخوان المسلمين المعتدلين.
اللافت أيضاً في السياق أن جملة الشابين، كفاوين وشمايلة، تصدرت أيضاً ضد رموز المدينة ومشايخها ونوابها وأعيانها الموجودين في الموقع، فقد وصفت هؤلاء بأنهم «لا يتحدثون بالواقع ولا يفعلون شيئاً»، ويساهمون في إعاقة الحلول والمعالجات والمقاربات.
والعبارة الأخيرة بطبيعة الحال أغضبت كل رموز الثقل التقليدي في المجتمع النخبوي، وإذا ما تفاعلت في المؤسسة الملكية قد تؤدي إلى مراجعات من وزن وطراز خاص مختلف، خصوصاً وأن المتحدثين من عناصر الشباب حاولوا تذكير الملك مباشرة بأنه طلب منهم التحدث بصراحة عن همومهم وتطلعاتهم وأوضاعهم، وطلب منهم الضغط من تحت على مستوياتهم التمثيلية. كانت تصدر عن الملك في الأثناء تلميحات ونظرات للمسؤولين البارزين بين الحضور، حيث أصغى رئيس الوزراء عمر الرزاز، وكان في الموقع نخبة من الوزراء وممثلي مدينة الكرك وقائد أركان الجيش اللواء محمود فريحات.