مهمة القوات الأمريكية في سوريا فشلت وقرار ترامب جدي بالإنسحاب
تدرك الإدارة الأمريكية أن الجيش السوري الذي أنهى ملف الغوطة الشرقية التي كانت مستعصية عليه خلال سنوات، ويوجد فيها نصف مليون مواطن وخمسين ألف مسلح، سوف يتجه لاستعادة باقي أجزاء الجغرافية السورية، ولن يكون الشرق الذي تتواجد فيه القوات الأمريكية بعيدا عن قوة الدولة السورية والمحور المؤيد لها، وتدرك واشنطن أن المهمة انتهت وسقط المشروع.
أوضح الكاتب الاستراتيجي اللبناني، ناصر قنديل، أن الأفكار التي تقلل من جدية قرار ترامب الانسحاب من سوريا هي أفكار مغلوطة، وأشار إلى أن تحليلات كثيرة تتحدث عن استراتيجية خطيرة تقف وراء إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرب الانسحاب من سورية، ويصل أغلبها لنظرية تقوم على نيات أمريكية بإلغاء التفاهم النووي مع إيران وربّما توجيه ضربة عسكرية لها، وربط الانسحاب من سورية بجعل القوات الأمريكية في العراق وسورية خارج توقّعات الاستهداف من قبل إيران وحلفائها باعتبارها خاصرة رخوة. والبعض يقول إن الربط يأتي من موقع تخيير روسيا بين صفقة تبتعد بموجبها روسيا عن إيران وتنال نصيبها بربح سورية، وإلا فالانسحاب الأمريكي هو تهديد بتحويل سورية لمستنقع استنزاف لروسيا. فيما بعض ثالث يعتبر كل الكلام عن الانسحاب بلا قيمة ومجرد نزوة انتخابية أمام ناخبين لم تتحقق لهم وعود الاهتمام بالشؤون الداخلية كما تضمنت الحملات الانتخابية لترامب.
وأكد الكاتب أنه وبعد قرار ترامب تجميد الأموال المخصصة للملف السوري وقيمتها مئتا مليون دولار وحديث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن تمنيه على الرئيس الأمريكي إعادة النظر بقرار الانسحاب القريب من سوريا، سقط منطق التهوين من قيمة وجدّية الكلام الرئاسي الأمريكي، وإلا فإن عدم جدّيته تجعله حرباً نفسية غبية يشنّها ترامب على حلفائه، أما التفسير الذي يربط القرار الأمريكي بخيارات تصعيدية فيتجاهل دعاته، أن أصعب نقاط الضعف الأمريكية في أي مواجهة مع إيران هي المصالح والقوات الأمريكية في الخليج، أما أصحاب التحليل القائم على تحذير روسيا عبر الانسحاب من مغبة إغراقها في مستنقع استنزاف في سورية، فيتجاهلون أن أربع سنوات مضت كانت عنوان هذه الحرب، من ولادة “داعش” إلى حسم الغوطة، وأن الرد الروسي على الخيار الأمريكي كان في الميدان ووصل حدّ التهديد بالردّ على حرب صواريخ بحرب مثلها، وما هي أدوات الاستنزاف ما لم تكن “داعش” و”النصرة” و”جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن”، وأين هي الآن وماذا حلّ بها؟
وتابع الكاتب “القرار الأمريكي جدّي، وهو إعلان نهاية المهمة في سورية. المهمة التي كان يقرر مدة استمرارها ما هو أهم من كذبة قتال “داعش”، وأهم من التحقق من طبيعة التسوية في سورية. وهو بالتحديد مصير السيطرة على الغوطة بواسطة حلفاء لواشنطن تديرهم السعودية والإمارات وقطر وتركيا و”إسرائيل”. والغوطة هنا هي الجزيرة الأمريكية الواقعة على كتف دمشق، والمستعصية على الجيش السوري خلال سنوات، والمحتوية لنصف مليون مواطن وخمسين ألف مسلح، والمزوّدة بشبكة أنفاق تحصنها ضد خطر القصف البري والجوي، وتجعل أغلب ضحاياه من المدنيين. وهو ما يسهل تحويله لحملات دبلوماسية وإعلامية ضاغطة، وربما تزخيمه بضربة كيميائية مفبركة لتوجيه ضربات عسكرية توقف أي حملة عسكرية.
والرهان كان على صمود الغوطة بوجه أي حملة عسكرية لشهور بدليل صمود حي جوبر وحده لسنوات، وبقاء الغوطة محمية يعني بقاء الأمل بغزو دمشق ذات يوم وشلّ الحركة فيها كل يوم، وبقاء الأمل بتقسيم سورية عبر ربط الغوطة بقاعدة التنف وبينهما بادية لا سكان ولا مدن ولا قرى فيها، فتنشطر سورية إلى شطرين شمالي يضمّ حمص والساحل وحماة وحلب، وجنوبي يضم دمشق ودرعا والقنيطرة والسويداء، وعبر البادية تحاصر الغوطة المحاصرة دمشق بمربع الغوطة القلمون الشرقي التنف درعا، ومثلث الغوطة القلمون الغربي القنيطرة درعا، ومع حسم الغوطة رغم كل ما بذل لحمايتها، تسقط آخر القلاع ومعها آخر الآمال.
ومن وجهة نظر الكاتب، فإن الأمريكيين يقرأون معنى العملية التي استهدفتهم شرق سورية ومقتل اثنين من جنودهم بعبوة ناسفة، ويعلمون أنه بعد الغوطة سيصير استرداد باقي الجغرافيا السورية حاضراً بقوة على جدول أعمال الدولة السورية ومؤيديها، وأنه حتى لو كانت هذه العملية من فعل جهة لا تتصل بمشروع الدولة السورية، فإن مثلها آتٍ ضمن مقاومة أعلن عن تأسيسها في شرق سورية، ولواشنطن خبرة مع مثيلاتها في لبنان والعراق، ولا تحتاج انتظار الانسحاب الذليل لتعرف كيف تتصرّف، وقد انتهت المهمة وسقط المشروع.