من ينتصر بمعركة الجسور التي قد تحدد مستقبل العراق السياسي؟
يبدو أن الاحتجاجات العراقية دخلت مرحلة جديدة أكثر خطورة، إذ يخوض المحتجون معركة قطع جسور بغداد لإجبار الحكومة على الاستقالة ولكن هذه المعركة تهدد بدخولهم في مواجهة أكثر خطورة، كما أنهم يخاطرون بتوسيع دائرة أعدائهم.
فبعد مرور 30 يوماً على بدء الاعتصامات، اتجه المتظاهرون لقطع جسور بغداد كورقة ضغط لإقالة حكومة عادل عبدالمهدي وحل مجلس النواب تمهيداً لإجراء انتخابات مبكرة.
صدامات وعمليات كر وفر بين المتظاهرين وقوات الأمن العراقية على جسور العاصمة بغداد، مما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المتظاهرين أثناء محاولتهم السيطرة على جسري الأحرار والشهداء وسط بغداد.
كيف بدأت معركة قطع جسور بغداد؟
«جسر الجمهورية له رمزية بالنسبة لكثير من المتظاهرين كونه يربط في جانبيه بين ساحة التحرير (معقل الثورة) والمنطقة الخضراء (معقل الحكومة)»، حسبما يقول علي هاشم الناشط الذي كان معتقلاً لدى قوات الأمن العراقية لتأييده المظاهرات لـ»عربي بوست».
وكلما حاولت القوات الأمنية السيطرة على الجسر بالكامل، قام المتظاهرون وأغلبهم من الشباب بمواجهة تلك القوات ومحاولة إيجاد موطئ قدم لهم على الجسر، رغم تعرض كثير منهم إلى القتل والإصابات الخطرة بسبب إطلاق الغاز المسيل للدموع الذي يتساقط على رؤوسهم وأجسادهم.
وبالفعل استطاع الشباب المتظاهر السيطرة على نصف الجسر، تاركاً النصف الآخر المقطوع بالكتل الكونكريتية التي تلوذ خلفها القوات الأمنية، وبمرور الأيام حاول بعض المتظاهرين الالتفاف على القوات الأمنية من جسر السنك المحاذي لجسر الأحرار في محاولة لعبوره والتوجه للمنطقة الخضراء، ليعاد نفس سيناريو جسر الجمهورية، وينتهي الأمر بسيطرة المتظاهرين على نصف جسر السنك، تاركين النصف الآخر للقوات الأمنية التي تحتمي خلف الكتل الكونكريتية التي نصبتها فوق الجسر لمنع المتظاهرين من عبوره كلياً.
وفي الأيام الأخيرة من التظاهرات ببغداد قام المتظاهرون بعدة محاولات للسيطرة على عدة جسور أخرى تربط جانبي الكرخ (الشطر الغربي لبغداد) بالرصافة (الشطر الشرقي) واللذين يفصلهما نهر دجلة ما أدى إلى سقوط العشرات منهم بين قتيل وجريح.
ما الهدف من قطع الجسور؟
الغاية من قطع الجسور هي قطع الإمدادات عن القوات الأمنية بين جانبي الكرخ والرصافة، ومحاصرة السياسيين في المنطقة الخضراء.
من جانبه، يقول الناشط علي غالب لـ»عربي بوست»، إن «عملية قطع الطرق هي محاولة لمنع قوات مكافحة الشغب من عبور الجسور والوصول إلى التحرير، كما أن المتظاهرين يحاولون أيضاً من خلال قطع الجسور عزل الكرخ عن الرصافة لعرقلة السير وتعطيل الدوام الرسمي لإجبار الحكومة على تقديم استقالتها.
وحاولت قوات مكافحة الشغب مرة الوصول إلى ساحة التحرير من خلال عبورها جسر السنك، إلا أن المتظاهرين شكلوا خطاً دفاعياً وساتراً أمامياً لمنع تلك القوات من الوصول إلى ساحة التحرير.
ولماذا تثير الخلاف بين المتظاهرين؟
ولكن عملية قطع الجسور بين جانبي بغداد لا يتفق عليها كل المتظاهرين، فهناك آلاف المتظاهرين مرابطون في ساحة التحرير ويعتقدون أن قطع الجسور عمل خاطئ ومردوده سلبي على أهالي بغداد بالدرجة الأولى، مبررين رفضهم لذلك الأمر بأنه يمنع المواطنين من التنقل بي جانبي بغداد وهذا قد يؤدي بمرور الوقت إلى امتعاض من قبل المواطنين ضد المتظاهرين.
في كل الأحوال النسبة الأكبر من المتظاهرين معتصمون في ساحة التحرير وسط بغداد، مقابل المئات منهم الذين يحاولون السيطرة على الجسور بين جانبي الكرخ والرصافة، وسط عمليات كر وفر بينهم وبين القوات الأمنية التي تحاول منعهم من السيطرة عليها.
والأمور قد تتجه لتصعيد إذا اتخذ المتظاهرون هذا القرار
وهناك توجه لدى المتظاهرين لقطع الجسور الحيوية الأخرى في بغداد، إلا أن هذا لن يحدث إلا بعد تعدد دوائر الاعتصام في بغداد، وليس تركيز على التحرير فقط، وإذا حدث ذلك سيتم قمعهم من قبل قوات الأمن العراقية التي تستخدم القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع وغاز الأعصاب المستخدم حديثاً ضد المتظاهرين في ساحة التحرير.
إلى ذلك، أكدت الناشطة علياء على استمرار الاحتجاجات والدعوات لإضراب عن الدوام وإغلاق الجامعات والمعاهد والمدارس الحكومية دعماً ومساندة للمتظاهرين.
وتقول علياء لـ»عربي بوست»، إن «الوضع الراهن أصبح يتطلب اتخاذ كافة وسائل الاحتجاج المتاحة للمتظاهرين من أجل الضغط على الحكومة لتقديم استقالتها وحل مجلس النواب وإجراء الانتخابات مبكرة بإشراف الأمم المتحدة.
خطة إقالة الحكومة
إضافة إلى السيطرة على الجسور التي تربط جانبي الكرخ والرصافة، فقد دعا المتظاهرون المواطنين إلى مساندتهم والإضراب عن الدوام الرسمي وتعطيل الدراسة في الجامعات والكليات والمدارس.
ويعتقد أن هذه الخطوات ستساهم في إسقاط الحكومة التي خرجت من رحم الأحزاب التي يراها المتظاهرون «فاسدة» والتي تربعت على عرش العراق بعد دخول القوات الأمريكية إلى بغداد سنة 2003.
فسيطرة المتظاهرين على جسور الجمهورية، والسنك، الأحرار، يعطي دافعاً معنوياً قوياً للمتظاهرين، خصوصاً أنها تعتبر ساتراً أمامياً لهم لمنع محاولة قوات مكافحة الشغب من التقدم باتجاه التحرير، خصوصاً بعد ورود معلومات عن نية الحكومة لفض المظاهرات والاعتصام في بغداد.
قتلى وجرحى كل يوم من أجل الجسور
وتمسك المتظاهرين بأي جسر ليس بشيء هين، خصوصاً أن بغداد تشهد يومياً سقوط العشرات من المتظاهرين بين قتيل وجريح على جسر الأحرار وشارع الرشيد القريب من جسر الشهداء.
ويقول المتظاهرون إن معركة الجسر لن تنتهي إلا بإسقاط الحكومة.
وحسب الإحصائيات الرسمية فإن عدد القتلى الذين سقطوا في الاحتجاجات بالعاصمة بغداد بلغ أكثر من 250 قتيلاً وإصابة أكثر من 15 ألف متظاهر.