من هو الكاظمي الذي توافق عليه الجميع في العراق، وهل تكون حكومته هي الحل؟
بعد ستة أشهر دون حكومة، أخيراً وافق البرلمان العراقي على غالبية التشكيلة التي قدمها رئيس الوزراء الجديدة مصطفى الكاظمي، فمن هو رئيس الحكومة العراقية الجديد الذي يتمتع بدعم جميع الأطراف داخل وخارج بلاد الرافدين، وهل تقدم حكومته حلاً لمشاكل البلاد؟
ولادة متعسرة
حصلت حكومة الكاظمي مساء أمس الأربعاء، 6 مايو، على ثقة البرلمان العراقي، لتنتهي أخيراً أزمة الفراغ منذ استقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، في نوفمبر، تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية، وينجح الكاظمي في المهمّة التي فشل فيها قبله كل من محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي اللذين تمت تسميتهما توالياً دون أن يتمكنا من تشكيل الحكومة.
الصراع على الحقائب الوزارية كان السبب المباشر في الفشل في تشكيل الحكومة، وكاد الأمر أن يتكرر للمرة الثالثة في جلسة البرلمان أمس، عندما أقرت أغلبية النواب الحاضرين مرشحي الكاظمي لبعض الوزارات، ورفضوا البعض الآخر، وتم تأجيل التصويت على وزارتين.
فقد أقر البرلمان مرشحي الكاظمي لوزارات منها الداخلية والدفاع والمالية والكهرباء، وتم تأجيل التصويت على حقيبتي النفط والخارجية بعد فشل الأحزاب في الاتفاق على مرشحين، ورفض النواب مرشحي رئيس الوزراء الجديد لحقائب العدل والزراعة والتجارة.
الكاظمي قال على حسابه على تويتر بعد موافقة البرلمان على حكومته “سيادة العراق وأمنه واستقراره وازدهاره مسارنا”، وأضاف أنه سيعطي الأولوية للتصدي لجائحة فيروس كورونا، الذي أصاب أكثر من 2000 عراقي وأودى بحياة أكثر من 100، ومحاسبة قتلة المحتجين في المظاهرات المناهضة للحكومة خلال الشهور الماضية.
من هو رئيس وزراء العراق الجديد؟
مصطفى الكاظمي من مواليد بغداد عام 1967، ودرس القانون في العراق، ثم اتجه للعمل بالصحافة، وكان من المعارضين لحكم الرئيس الراحل صدام حسين، وغادر العراق، حيث عاش فترة في إيران ثم السويد وبريطانيا.
وأدار الكاظمي من بغداد ولندن مؤسسة “الحوار الإنساني”، وعاش سنوات في المنفى، لكنه لم ينضم إلى أي من الأحزاب السياسية العراقية، واشتهر ككاتب لمقالات الرأي، وعمل فترة مديراً لتحرير قسم العراق في موقع “المونيتور” الأمريكي.
وعاد الكاظمي إلى العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، وشارك في تأسيس شبكة الإعلام العراقي تزامناً مع عمله مديراً تنفيذياً لـ”مؤسسة الذاكرة العراقية”، وهي منظمة تأسست لغرض توثيق جرائم النظام السابق.
وفي عام 2016، تسلم الكاظمي رئاسة جهاز المخابرات العراقي، خلال احتدام الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” داعش، وهو ما ساعده على تشكيل علاقات مع عشرات الدول والأجهزة التي تعمل ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
المهمة المستحيلة
تنتظر الكاظمي مهمة غاية في الصعوبة على جميع المستويات؛ فعلى المستوى الداخلي ضربت أزمتا انهيار أسعار النفط وجائحة كورونا العراق بشدة، ويتسلم الكاظمي مهامه في ظل خزانة شبه خاوية وأوضاع داخلية مليئة بالتحديات، أكثر إلحاحاً مواجهة الوباء من الناحية الصحية وتداعياته الاقتصادية.
لكن ليس هذا كل شيء، فالعراق شهد ثورة شعبية تمثلت في اندلاع احتجاجات ضخمة ومتواصلة ضد الفساد، منذ مطلع أكتوبر/الماضي، واستهدفت الطبقة السياسية الحاكمة ككل، ولم تتوقف تلك الاحتجاجات أو تتراجع حدتها بسبب تحقيق الحد الأدنى من المطالب، بل تجمدت مؤقتاً بسبب الخوف من تفشي الفيروس القاتل، والذي استغلته الحكومة المؤقتة برئاسة المستقيل عبدالمهدي لفرض حظر التجول ووقف التظاهرات، وبالتالي يتوقف نجاح الكاظمي على اتخاذ خطوات تقنع العراقيين أن تضحياتهم لم تذهب سدى.
الاحتجاجات في العراق راح ضحيتها أكثر من 400 شخص وأصيب عشرات الآلاف، وملف محاسبة قتلة المتظاهرين أحد التحديات التي تواجه الكاظمي أيضاً، لكن سلاح الميليشيات أو الحشد الشعبي هو ما يمكن تسميته بالمهمة المستحيلة لارتباطه بالوضع الإقليمي والدولي الأكثر تعقيداً على الإطلاق.
أمريكا وإيران
يمثل العراق ساحة صراع مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران، وجاء اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني من جانب واشنطن على الأراضي العراقية، في الثالث من يناير/كانون الثاني الماضي، ثم الرد الإيراني باستهداف القوات الأمريكية في القواعد العسكرية العراقية، بمثابة نقل الصراع بينهما لنقطة خطيرة تنذر بمزيد من المتاعب للعراقيين ولأي رئيس حكومة يتولى المسؤولية.
وفي هذا السياق، يقول مسؤولون عراقيون إن الكاظمي شخصية مقبولة لدى كل من واشنطن وطهران، وقد سارعت الولايات المتحدة بالفعل للترحيب بحكومة الكاظمي على الفور، حيث اتصل به وزير الخارجية مايك بومبيو، وقدم له تمديداً لمهلة الإعفاء الممنوح لبغداد من العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، والذي يتيح لها الاستمرار في استيراد الغاز والكهرباء من إيران.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان إنّ بومبيو هنّأ الكاظمي خلال مكالمة هاتفية بحصوله على ثقة البرلمان، وأبلغه بأنّه لمدّة 120 يوماً لن تفرض الولايات المتّحدة عقوبات على العراق لاستيراده الغاز والكهرباء من الجمهورية الإسلامية، وأضاف البيان أنّ الوزير الأمريكي أوضح لرئيس الوزراء العراقي الجديد أنّ هذه البادرة هدفها “إظهار رغبتنا في المساعدة في توفير الظروف الملائمة لنجاح” حكومته.
كما قال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر للصحفيين إن الكاظمي “أثبت في وظائفه السابقة أنّه وطني وشخص كفء”، ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر أمريكي رفيع -عندما تمت تسمية الكاظمي- القول إن تسمية الكاظمي “تأتي مكسباً للعراق، خصوصاً في هذه المرحلة الاقتصادية الصعبة، ولضمان تجديد استثناء بغداد من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران”.
سياسي مقرب من الكاظمي قال أيضاً لوكالة “فرانس برس” إن للكاظمي شخصية لا تعادي أحداً، وهو صاحب عقلية براغماتية، ولديه علاقات مع كل اللاعبين الأساسيين على الساحة العراقية: علاقة جيدة مع الأمريكيين، وأخرى عادت إلى مجاريها مؤخراً مع الإيرانيين.
وخلال زيارة نادرة إلى الرياض رفقة رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، عام 2017، شوهد الكاظمي وهو يعانق مطولاً صديقه الشخصي، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وهو ما يُستدل به على قدرة الكاظمي على التفاوض والوساطة، بحسب تقرير للبي بي سي.
ما فرص نجاحه إذن؟
توجد إذن مؤشرات كثيرة على أن الكاظمي يمتلك فرصة جيدة لحل ولو جزءاً من مشاكل العراق الاقتصادية، حيث إن كونه مستقلاً وليس محسوباً على طرف دون الآخر يجعله مؤهلاً أكثر من غيره لفتح ملف الفساد ونهب ثروات البلاد، كما أن علاقاته الجيدة مع واشنطن وطهران والرياض تضمن الحد الأدنى من الدعم الاقتصادي في هذه الأوقات العصيبة بسبب كورونا وأسعار النفط.
لكن التحدي الأكبر يتمثل في مدى قدرته على إقناع التيارات السياسية الشيعية بالأساس بدمج الحشد الشعبي وانضوائه تحت قيادة الجيش العراقي الذي يقع تحت قيادة الكاظمي بصفته القائد العام للقوات المسلحة بحكم منصبه، حيث أثبتت هذه النقطة تحديداً أنها مهمة تبدو مستحيلة، فعلى الرغم من إصدار عادل عبدالمهدي قانوناً بهذا المعنى، منذ يوليو الماضي، فإنه لم يتمكن من تنفيذه رغم أنه كان يحظى بدعم طهران.
ومؤخراً بدأ الحديث عن عودة فلول داعش في العراق، وهو ما يمثل ذريعة إضافية لميليشيات الحشد الشعبي التي تم تشكيلها بالأساس لمحاربة داعش عام 2014، كما أن كثيراً من الأحزاب والتحالفات الممثلة في البرلمان تعتبر واجهات سياسية لغالبية فصائل الحشد الشعبي.
العداء الأمريكي-الإيراني أيضاً مرشح الآن لمزيد من التصعيد، ولا أدل على ذلك من البيان الذي أصدره البيت الأبيض أمس الأربعاء 6 مايو، حول استخدام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حق النقض (الفيتو) لإحباط تشريع أقره الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ، للحدّ من قدرة الرئيس على شن حرب على إيران.
توقيت الفيتو وصدور البيان لا يرتبط بالطبع بموافقة البرلمان العراقي على حكومة الكاظمي، بل يأتي في إطار الحملة الانتخابية الأمريكية، وهو ما انعكس في صياغة البيان، حيث قال ترامب فيه: “لقد كان هذا قراراً مسيئاً للغاية، طرحه الديمقراطيون في إطار استراتيجية لكسب انتخابات الثالث من نوفمبر من خلال تقسيم الحزب الجمهوري”، وأضاف “القلة من الجمهوريين الذين صوتوا لصالحه فعلوا ما أرادوه (الديمقراطيون)”.
لكن المؤكد أن تصعيد ترامب من حملة الضغط القصوى على إيران يبدو على الأرجح جزءاً من حملته الهادفة للفوز بفترة رئاسية ثانية، وهو ما يعني أن الأمور ستزداد صعوبة بالنسبة للكاظمي وحكومته، كون العراق ساحة المعركة الأكثر سخونة بين طهران وواشنطن.