من “أراسموس” حتى الأبرتهايد: كيف تربت أوروبا على كتف احتلال دام 53 عاماً للضفة؟
صافرة التهدئة للقلقين: إسرائيل تستطيع أن تضم الضفة كما تريد، دون أن تقف أوروبا في طريقها. من اعتقد أنه خائف من رد فعل أوروبي جراء الضم فقد نسي من هي أوروبا وكم هي مشلولة، وقابلة للابتزاز، وخائفة، ومقسمة ،وعاجزة أمام إسرائيل. زهافا غلئون التي غردت أمس بعد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي: “من يعتقد أن الضم سيمر بهدوء”، يمكن القول لها بأنه سيمر وسيمر، وبهدوء مدهش. لا تعتمدي على أوروبا، فليس هناك من يمكن الاعتماد عليه. فأوروبا هي نفس أوروبا، ستصوغ بياناً وتجري مشاورات وتستدعي سفراء وستقف في المقابل: لن يكون هناك رؤساء ورياح وأمطار، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
أوروبا الكلاسيكية هي أوروبا الحيادية، التي لا تتدخل ضد أي ظلم إسرائيلي. ولا توجد توقعات من الولايات المتحدة، تحديداً في رئاسة دونالد ترامب، بل وحتى برئاسة أسلافه. أوروبا الشرقية “غير الكلاسيكية”، تؤيد تشجيع كل خطوة عنيفة لإسرائيل. الأمل الوحيد كان الجزء الشمالي الغربي في الخارطة وهو الذي تعود بنيامين نتنياهو الإشارة إليه والقول “هناك مشكلة أمامنا”. فقط هناك كان أالمل، هكذا فكرنا ذات يوم، والآن خاب هذا الأمل.
جاءت نتائج نقاشات وزراء الخارجية التي جرت أول أمس بأوروبا الكلاسيكية في أسوأ حالة. “رسم خرائط مشاريع” فتح صفحة جديدة مع الحكومة الجديدة. “مسألة العقوبات هي مسألة معقدة”، “لن نفعل هذا غداً”، مساء الخير يا أوروبا. احتلال ابن 53 سنة يجري وأنت صامتة وبدعم منك وبتمويلك وتسليحك. المتحدث بلسان الخارجية يقول للمراسلين الذين يسألون عن العقوبات: علينا ألا نستبق الأحداث.. نملك الوقت. 53 سنة من الاحتلال، لا يوجد أي مؤسسة دولية في العالم تعترف بشرعيته. والمسؤول عن العلاقات الخارجية جوزيف بوريل يقول لا يوجد وجه للمقارنة مع احتلال روسيا للقرم، فهو هناك احتلال لجزء من دولة سيادية. وزير الدعاية السابق في إسرائيل، جلعاد اردان، لم يكن ليستطيع صياغة ذلك بصورة أفضل. أوروبا مع اليمين الإسرائيلي. وعرفت أوروبا كيف ترد على الاحتلال في القرم بالأفعال وعلى الفور، ولكن أوروبا تخاف روسيا أقل بكثير مما تخاف من إسرائيل. عندما يصل الأمر إليها فهناك قواعد مختلفة، وقانون دولي مختلف، وسلوك مختلف. رعب الولايات المتحدة من جهة وتهمة الكارثة من الجهة الأخرى، مع نجاعة وابتزاز ماكينة الدعاية الصهيونية التي لا تصدق، هي أقوى من أي التزام بالقانون الدولي، ومن الالتزام الأوروبي بمصير الفلسطينيين وأقوى من الرأي العام في أوروبا، الذي يوجد فيه انتقاد كثير لإسرائيل أكثر من انتقاد أي حكومة أخرى مهما كانت.
برامج “أراسموس بلاس” و “أورايزون” في خطر. هذا هو رد أوروبا على الضم، وقف مشاريع بحث مشتركة ستمنع الضم! لقد أضحكتم إسرائيل ومستوطنيها. فبدلاً من اتخاذ عقوبات حقيقية – من منع دخول كاسح للقارة على المستوطنين ومقاطعة اقتصادية – يهددون بـ”أراسموس”. وتصميم أوروبا على حل الدولتين – في الوقت الذي أصبح فيه عدد من زعمائها يدركون، وأحياناً يعترفون في محادثات مغلقة، بأن هذا الحل قد أكل عليه الدهر وشرب – فإن هذا يخدم الأبرتهايد الإسرائيلي، الذي يعرف لفظ مصطلح الدولتين فقط عندما يتم العثور على شريك. حينها يتم بناء مزيد من البيوت في الضفة والادعاء بأن هذا البصاق مطر.
بالطبع، يمكن الادعاء بأن وظيفة أوروبا ليست إرسال عدالة دولية أو التنظيف وراء إسرائيل. ولكن للاتحاد الأوروبي ذرائع سامية أكثر من أن يكون سوقاً مشتركة. أوروبا التي صمتت وأغمضت عيونها في السابق تفعل ذلك مرة أخرى. ربما ستستدعي غابي اشكنازي، وسيؤكد لها بأن إسرائيل ستعمل قدماً على حل الدولتين. تنفس للصعداء ستسمعه في حينه من برلين وحتى مدريد، أوروبا مرة أخرى تستطيع الذهاب إلى النوم بضمير مرتاح وسيطيب لها نومها. 4.5 مليون إنسان سيواصلون الاختناق بلا حقوق ولا مستقبل، وستواصل بروكسل التربيت على كتفها والشعور بالراحة مع نفسها: ها هي هددت بإلغاء “أراسموس بلس”.