مندوبية السجون المغربية ترد وتكيل الاتهامات لنشطاء حراك الريف وعائلاتهم بالكذب وخرق القانون وخدمة أجندات خارجية
ما زالت المواجهة بين الدولة المغربية وناشطي حراك الريف ذاهبة إلى المجهول، لا أحد يحمل توقعات مصيرها ونهايتها، وما زالت الأطراف، بتعدد أشكالها، متمسكة بمواقفها والمواجهة، والآخرون الذين، نظرياً، يعبرون عن المجتمع ويمثلونه من أحزاب سياسية أو منظمات حقوقية ومجتمع مدني خارج المواجهة، مع أنها تمس كل المغرب وسمعته ومستقبله الحقوقي والمجتمعي.
معتقلو حراك الريف، الذين بدأوا إضراباً عن الطعام، كخطوة تصعيدة احتجاجاً على عقوبات فرضت عليهم، لأن قائدهم ناصر الزفزافي أعلن، في شريط صوتي سرب من سجنه في فاس، إدانته لحرق العلم المغربي في باريس خلال تجمع تضامني مع الحراك ونشطائه، وسرد ما تعرض له من انتهاكات وتعذيب منذ اعتقاله حتى صدور الحكم الاستئنافي بالسجن النافذ 20 عاماً.
ومؤسسات الدولة المعنية بالملف من إدارة السجون إلى النيابة العامة ترد وتكيل الاتهامات للنشطاء وعائلاتهم بالكذب وخرق القانون وخدمة أجندات خارجية، وهي نفس الاتهامات التي وجهتها للناشط ربيع الأبلق أثناء خوضه الإضراب عن الطعام بنفي إضرابه واتهام من يروج له بخدمة أجندات مشبوهة، إلا أنه تبين فيما بعد أن الأبلق كاد أن يفقد حياته نتيجة إضرابه والاضطرار لنقله إلى المستشفى لتلقي العلاج.
إدارة السجون
وأعلنت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج أن إدارة وموظفي سجن فاس «لم يسيئوا إطلاقاً معاملة أي من سجناء احتجاجات الحسيمة، كما لم يعرضوا أياً منهم لما قيل إنه تعذيب»، وإنها سمحت لسجناء «حراك الريف» بالاتصال بذويهم، ومنهم من اتصلوا بمحاميهم للتخابر، رغم أنه سبق لها أن أخبرت الرأي العام في بلاغين باتخاذها إجراءات تأديبية في حقهم بسبب المخالفات التي ارتكبوها.
وقالت رداً على البلاغ الصادر عن «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان»، وجمعية «ثافرا للوفاء والتضامن لعائلات معتقلي حراك الريف»، وتصريحات أحمد الزفزافي والد ناصر الزفزافي، إنها لم تعامل معتقلي «حراك الريف» معاملة غير قانونية، وإنما اتخذت إجراءات تأديبية في حقهم بسبب «المخالفات الخطيرة جداً لمقتضيات القانون المنظم للسجون والنظام الداخلي للمؤسسة السجنية التي ارتكبوها»، وإن معتقلي حراك الريف «رفضوا تنفيذ الأوامر الصادرة عن موظفي المؤسسة السجنية، بالاعتداء والتمرد عليهم»، وإن الإجراءات المتخذة من واجبها ومهمتها المتمثلة في تطبيق القانون واستتباب الأمن بالمؤسسة السجنية المعنية، والحفاظ على سلامة نزلائها».واتهمت المندوبية كلاً من «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان»، وجمعية «ثافرا للوفاء والتضامن لعائلات معتقلي حراك الريف»، وتصريحات والد ناصر الزفزافي بترويجهم «أخباراً وادعاءات كاذبة»، وبأنهم «يحاولون تضليل الرأي العام من خلال توهيمه بوجود وقائع من صنع خيالهم، ويعملون على استغلال ظروف عائلات باقي السجناء، وذلك من أجل تحقيق مسعاهم المتمثل في خدمة أجندات مناوئة للمصالح العليا للوطن، مع الاستمرار دائماً في الاقتيات على ما يستدرونه من هذه القضايا».
تعذيب الزفزافي
وأعلن ناجيم بنسامي، الوكيل العام للملك (النائب العام) لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، مساء الثلاثاء، أنه مستعد لإعادة فتح البحث من جديد في قضية ناصر الزفزافي، إذا ما قدم ما يثبت أنه تعرض للتعذيب، وأن النيابة العامة ترفض مطلقاً التعذيب أو المعاملة القاسية، كما أنها ترفض استغلال المساطر (الإجراءات) القضائية لغير أهداف تحقيق العدالة واستجلاء الحقيقة.
وقال في بلاغ باسم النيابة العامة إن «ما جاء في تسجيل صوتي منسوب للمعتقل ناصر الزفزافي على بعض وسائل التواصل الاجتماعي إبّان فترة تواجده في سجن فاس، يدعي فيه تعرضه أثناء عملية إيقافه بمدينة الحسيمة للعنف وهتك العرض بطرق مشينة، ليس بجديد، لأنه سبق له أن ادعى أثناء تقديمه أمام النيابة العامة لأول مرة بتاريخ 05/06/2017، وبحضور دفاعه أنه تعرض للعنف فقط أثناء إيقافه بالحسيمة مستدلاً في ذلك بآثار بعض الإصابات الخفيفة التي عوينت عليه ساعتها والتي تبين أنه تم إثباتها في محضر إيقافه نتيجة المقاومة العنيفة والشرسة التي أبداها لحظة ضبطه في حق عناصر الأمن».
وأضاف النائب العام أن «الزفزافي لم يثر إطلاقاً لحظة تقديمه أمام النيابة العامة في حزيران/ يونيو 2017، واقعة تعرضه لهتك العرض، وهو الأمر الذي كان بإمكانه إثارته أمام النيابة العامة مباشرة بعد انتهاء المدة القانونية لإيقافه، بل إنه صرح بأن عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي أنجزت البحث عاملته معاملة جيدة ولم يتعرض للتعذيب أو التعنيف أثناء عملية الاستماع إليه، وهي نفس التصريحات التي أكدها دفاعه في بعض وسائل الإعلام الإلكترونية مباشرة بعد انتهاء عملية تقديمه أمام النيابة العامة».
وقال إن «الزفزافي سبق له أن صرح أثناء الاستماع إليه من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أنه تعرض للإصابة لحظة إيقافه أثناء مقاومة عناصر الأمن التي كانت مكلفة بضبطه، مما يؤكد أن ظروف إيقافه كانت قانونية»، وإن «انتظار الزفزافي مرور أكثر من سنتين على متابعته وإدانته ابتدائياً واستئنافياً ليعود من جديد لتكرار هذه الادعاءات وبطرق مشينة من قبيل ما ورد بالتسجيل الصوتي لم يسبق له إثارتها طيلة مراحل محاكمته، أمر يدعو للاستغراب ويثير الكثير من التساؤلات حول جدية هذه الادعاءات والمبرر لإثارتها والطريقة المستعملة في ذلك». وتحدثت مصادر المجلس الوطني لحقوق الإنسان (رسمي) أنه بدأ زيارات متفرقة لمعتقلي حراك الريف، بعد الذي تم تداوله أخيراً بشأن تعرضهم للتعذيب وسيقدم استنتاجاته للرأي العام بخصوص الأمر، بعد أن يزور المجلس الحراس الذين ادعت مندوبية السجون تعرضهم للاعتداء والتطاول من لدن المعتقلين.
إضراب عن الطعام رفضاً للعقوبات
وأعْلَنَ معتقلو الحراك، بمن فيهم من باتوا يعرفون بـ«الزفزافي ومن معه»، الدّخول في إضراب عن الطعام، رافضين «عقوبات السّجون التي منعتهم من التواصل مع عائلاتهم»، وضدَّ «ما يتعرَّض له بعضُ المعتقلين داخل السجون من سوء معاملة»، وكشفت المحامية فاطمة المرضي، عضو هيئة الدفاع عن معتقلي «حراك الريف» دخول المعتقل نبيل أحمجيق (دينامو الحراك) في إضراب عن الطعام بدأه يوم ترحيله من سجن فاس إلى سجن تيفلت.
وقالت المرضي، في تدوينة نشرتها عقب زيارتها لأحمجيق، مساء أول أمس الثلاثاء، إن موكلها دخل في إضراب عن الطعام منذ خمسة أيام، (1/11/2019)، احتجاجاً على ترحيله التعسفي إلى سجن تيفلت، دون أن يتمكن حتى من جمع كل أغراضه وحملها أن موكلها أخبرها بأن المعتقلين الستة الذين كانوا يقبعون بسجن فاس تفاجأوا ظهيرة يوم الخميس الماضي أثناء توجههم إلى المخادع الهاتفية، بمنعهم من استعمال الهاتف، ليطالبوا بحضور مدير السجن وممثل النيابة العامة لفتح محضر في الموضوع، قبل أن يقعدوا على الأرض احتجاجاً منهم على ذلك المنع.
وأضافت المرضي، أنه بعد دقائق من بدء المعتقلين احتجاجاتهم، تقدم منهم رئيس المعقل مصحوباً بعدد كبير من الحراس، الذين بدأوا في تعنيفهم بقوة وبشكل عشوائي وشتمهم بأفحش النعوت ثم قادوهم إلى زنازينهم بالعنف، وأحكموا إغلاق أبواب زنازينهم وجناحهم على غير العادة.
وقالت أخت المعتقل محمد حاكي (15 سنة) إنه دخل في إضراب عن الطّعام احتجاجاً «اتصل أخي الآن لبضع ثوان، قال لي أنا تعرضت للضرب المبرح وجسدي كله يؤلمني وهو مضرب عن الطعام والماء.. حالته لا تبشر بالخير».
وأكد أحمد الزفزافي والد ناصر الزفزافي والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تعرض المعتقلين لـ»التعذيب»، فيما أعلنت جمعية «ثافرا» أنها «تقدمت بطلب عاجل موجه للآلية الوطنية للوقاية من التعذيب التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، من أجل وقف التعذيب، وفتح تحقيق عاجل، وإيفاد أطباء شرعيين لمعاينة الحالة الصحية للمعتقلين».
وهددت عائلات معتقلي «حراك الريف» باللجوء للمقرر الأممي المعني بالتعذيب. وأكدت «جمعية ثافرا للوفاء والتضامن لعائلات معتقلي حراك الريف»، تعرض كل من ناصر الزفزافي، نبيل أحمجيق، زكرياء أضهشور، وسيم البوستاتي، سمير إغيذ، للتعذيب الشديد، واتخاذ إجراءات تأديبية قاسية ضدهم، وصفتها الجمعية، بالمفتقدة لأي مبرر مقبول وصلت حد احتجازهم بزنازين انفرادية ومنعهم من الزيارة العائلية والحديث عبر الهاتف لمدة 45 يوماً. وعبرت ثافرا» عن تخوفها من استعمال «الحرمان من الزيارة» لتغطية ممارسات التعذيب التي طالت المعتقلين، «عبر الاستفادة من مدة زمنية كافية لإخفاء آثار التعذيب الذي تعرضوا له»، وأنها ستلجأ للآليات الأممية التي صادق عليها المغرب، عبر مراسلة وطلب التدخل العاجل للمقرر الأممي المعني بالتعذيب، في حال عدم فتح النيابة العامة لتحقيق عاجل ونزيه حسب المقتضيات القانونية المتعلقة بتجريم التعذيب، وتلكؤ الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب في القيام بمهامهما.
وأعلن نشطاء حقوقيون «تنظيمِ وقفة احتجاجية غداً الجمعة أمام مقرّ المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بالرباط؛ وذلك احتجاجاً على وضعية ناصر الزفزافي ورفاقه»، داعين المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى «التّحرك وكشف وضعية المعتقلين»، ودعا أحمد الزفزافي «كل الحقوقيين والمغاربة إلى المشاركة في وقفة احتجاجية أمام مقر المندوبية لرفع هذا الاحتقان والضغط الذي تمارسه المندوبية على أبنائنا، ولو اقتضى الأمر سندخل في اعتصام مفتوح أمام مقر المندوبية»، وساءل «المتحكمين في دواليب الدولة، هل من حق الموظف في السجن أن يعذب المعتقل بالطريقة التي عذب بها أبناؤنا… التامك موظف عادي يتلقى فقط التعليمات، ولا أوجه حديثي له، بل أسأل من يتحكمون في البلاد».
وطالب الائتلاف «الديمقراطي من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وفك الحصار عن الريف» بوقف «كافة أشكال الانتقام والمتابعات التأديبية» في حق المعتقلين على خلفية ملف «حراك الريف» وعزمه المشاركة خلال الوقفة الاحتجاجية الجمعة المقبلة التي دعت إليها عائلات المعتقلين أمام مقر المندوبية العامة لإدارة السجون بالرباط.
وقال الائتلاف الذي يضم أحزاباً سياسية يسارية وهيئات وتنظيمات حقوقية وشبابية ونقابية ومدنية، في بلاغ أرسل لـ«القدس العربي»، إنه ما زال يتابع بكثير من القلق التطورات المتسارعة الناتجة عن أشكال الانتقام والمتابعات التأديبية المتخذة من طرف مندوبية السجون «وتعبيراً من الائتلاف عن دعمه المبدئي لمطالب المعتقلين السياسيين في ملف حراك الريف وعائلاتهم، والتي سبق للسلطات أن وعدتهم بتلبيتها.
ودعا كافة الهيئات المشكلة للائتلاف وكل القوى المجتمعية المدافعة عن حقوق الإنسان من هيآت سياسية ونقابية وحقوقية ونسائية وشبابية وجمعوية وعموم المواطنات والمواطنين إلى المشاركة المكثفة في الوقفة التي ستنظم يوم الجمعة أمام مقر المندوبية العامة للسجون بالرباط لرفع الصوت عالياً للمطالبة برفع يد القمع عن معتقلي الريف وعائلاتهم، وللتأكيد على ضرورة احترام الدولة المغربية لالتزاماتها في مجال الحقوق والحريات، والاستجابة الفورية للمطالب العادلة والمشروعة لساكنة الريف، وللتعبير مجدداً عن التضامن الكامل مع مجموع ضحايا الحراك نساء ورجالاً وأسرهم، والمطالبة بوقف الاعتقالات والمتابعات وإطلاق سراح جميع النشطاء الموقوفين وكافة المعتقلين الســياسيين في بلادنا».