منافسة شرسة حتى بين الحلفاء لقيادة أول حكومة عراقية بعد القضاء على داعش
كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية، في 12 مايو/أيار المقبل، تزداد التكهنات بشأن من سيتولى رئاسة الحكومة لأربع سنوات قادمة.
وداخل الغرف المغلقة يتواصل حراك لدعم حظوظ هذا المرشح أو ذاك، لأهمية أول حكومة ستقود العراق في مرحلة ما بعد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، ومرحلة مكافحة الفساد، لا سيما المالي والإداري.
العبادي والمالكي
ويبدو أن رئيس الوزراء الحالي، حيدر العبادي، هو الأوفر حظاً لترؤس السلطة التنفيذية لفترة ثانية، لنجاحه في قيادة العراق إلى استعادة ثلث مساحته، التي كان يسيطر عليها “داعش”، منذ صيف 2014.
لكن العبادي سيواجه منافسة شرسة من حلفائه داخل الأغلبية الشيعية، التي تشغل رئاسة الوزراء، منذ إسقاط نظام صدام حسين (1979-2003)، ضمن توافق متعارف عليه بين المكونات الرئيسية، يتولى أيضاً بموجبه السُنة رئاسة البرلمان، والأكراد رئاسة الجمهورية.
ورغم انتماء العبادي ونوري المالكي، سلفه في رئاسة الحكومة (2006- 2014) إلى حزب الدعوة الإسلامية، إلا أنهما يخوضان الانتخابات في قائمتين منفصلتين، بعد أن فشل الحزب في تقديم أحدهما على رأس القائمة، جراء سعيهما إلى شغل المنصب.
واعتبر القيادي في حزب الدعوة، جاسم محمد جعفر (تركماني)، في تصريح لوكالة الأناضول، أن “العبادي هو الأوفر حظاً لشغل المنصب لفترة ثانية من خلال قائمة النصر التي يترأسها”.
وباسم القائمة يحاول العبادي تذكير الناخبين بأنه قاد البلد لتحقيق النصر على “داعش”، عبر حملات عسكرية دامت ثلاث سنوات، بدعم من التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
وتابع جعفر، وهو أبرز المرشحين في قائمة ائتلاف “النصر”: “حتماً الأولوية للعبادي، والجو العام مع أن يأخذ ولاية ثانية لأسباب كثيرة، منها أداؤه وإنجازاته وهدوءه والمقبولية التي يتمتع بها داخلياً وخارجياً”.
لكن لم يخف قلقه من احتمال حدوث تداعيات بسبب انسحاب كتل من ائتلاف “النصر”، بعد وقت وجيز من انضمامها إليه.
وكان تحالف “الفتح” انضم إلى تحالف العبادي، ثم انسحب بعد يوم واحد فقط، في يناير/كانون الثاني الماضي.
ويضم تحالف “الفتح” 18 كياناً من أجنحة سياسية لفصائل الحشد الشعبي (قوات شيعية موالية للحكومة)، أبرزها “تنظيم بدر”، بزعامة هادي العامري، و”عصائب أهل الحق”، بزعامة قيس الخزعلي.
وساهمت فصائل الحشد، وأغلبها مدعوم من إيران، في إلحاق الهزيمة بـ”داعش”، لكنها تواجه اتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق ضد السُنة والأكراد في شمالي وغربي البلاد، بينما ينفي قادة الحشد ارتكاب أية انتهاكات ممنهجة.
ثلاثة سيناريوهات للحكومة
وأعرب القيادي في حزب الدعوة الإسلامية عن اعتقاده بوجود ثلاثة سيناريوهات بشأن الحكومة المقبلة في العراق.
وأوضح جعفر أن السيناريو الأول هو تشكيل حكومة توافقية برئاسة العبادي، والثاني هو تشكيل حكومة أغلبية سياسية، برئاسة المالكي، أما السيناريو الأخير فيتمثل في وصول شخصية شيعية إلى الحكم مقربة من السعودية والولايات المتحدة الأميركية.
منافسون آخرون
وثمة أسماء أخرى لديها حظوظ بنسب متفاوتة للوصول إلى رئاسة الحكومة العراقية، وإن كان ذلك مرهوناً بنتائج الانتخابات، كما يرى خبراء في الشأن العراقي.
وقال الخبير السياسي، أحمد الأبيض، إن “الزعامات التقليدية، على غرار المالكي، لن تترشح للانتخابات المقبلة”، مضيفاً أن المالكي “سيسعى إلى الدفع بمرشحين من جبهته لشغل المنصب (رئاسة الحكومة)”.
ورجح الأبيض ترشيح “النائب السابق لرئيس البرلمان، قصي السهيل، أو وزير العمل والشؤون الاجتماعية الحالي، محمد شياع السوداني، مثلما يحاول ائتلاف الحشد (الفتح) الدفع بوزير الداخلية، قاسم الأعرجي (ينتمي إلى كتلة بدر) كمرشح منافس للعبادي”.
تأثير أكبر لأميركا
وجرت العادة أن يحظى مرشح رئاسة الحكومة العراقية بمباركة إيران، المقربة من الحكام الشيعة في بغداد، وكذلك مباركة الولايات المتحدة، التي أسقطت نظام صدام، واحتلت العراق حتى أواخر عام 2011.
ورأى الأبيض أن “التأثير الأميركي سيكون أكبر هذه المرة في الانتخابات العراقية وتسمية رئيس الوزراء”، واعتبر أن “هناك تراجعاً ملحوظاً لدور ايران، لا سيما وأنها كانت تعول على التحالف الوطني الشيعي ككتلة مهيمنة، لكن الأخيرة لم تعد كذلك، خاصة وأن تحالف سائرون، الذي يدعمه التيار الصدري (بزعامة رجل الدين القوي مقتدى الصدر) وتحالف العبادي ابتعدا كثيراً عن المزاج الإيراني، وبالتالي لم تعد طهران متفردة في القرار”.
السنة والأكراد بعيداً عن المنصب
ووفق ما هو سائد منذ سنوات، لن يتنافس السُنة ولا الأكراد على منصب رئيس الوزراء، لكن المكونين يتطلعان إلى أن تشغل المنصب شخصية معتدلة وتحقيق مطالبهما.
وقال ظافر العاني، وهو نائب عن تحالف القوى العراقية (أكبر كتلة سُنية بـ53 مقعداً من أصل 328): “لسنا منافسين لأخواننا الشيعة على رئاسة الحكومة”، وأضاف: “ما يهمنا هو أن يشغل المنصب معتدل، ولديه رؤية وطنية، ويعزز ويرسخ الإنجازات التي حصلت خلال هذه الفترة، ويمكن مؤسسات الدولة من دورها بشكل أوسع”.
واستبعد العاني التركيز على شخصية واحدة قبيل الانتخابات، ورأى أنه “يوجد مرشحون كثر يصلحون لرئاسة الحكومة، لكن الأمر يعتمد على نتائج الانتخابات والأصوات التي يحصلون عليها، وبالتالي يترجم ذلك في التفاهمات التي ستحصل لاحقاً”.
بدوره، قال النائب عن إقليم الشمال، رئيس اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، محسن السعدون، إن “كل ما يصدر من أسماء هو تكهنات ولا أحد يستطيع الجزم إلا بعد نتائج الانتخابات”.
وفي تلميحه إلى العبادي، أضاف السعدون، إنه “بعد عدم تحقيق الكثير من الوعود التي أُطلقت خلال الفترة الماضية، ومنها عدم القضاء على الفساد، فإن البعض فقدوا حظوظهم”.
وختم النائب العراقي بقوله: “لدينا مشاكل في الإقليم لم تُحل، وتأييدنا لأي كتلة أو مرشح يتوقف على قدرته على تطبيق الدستور والنظام الاتحادي في العراق بدون انتقائية، ولن ندعم أي شخصية غير واضحة”.
وتمثل العلاقات بين بغداد وأربيل أحد أبرز الملفات الشائكة أمام رئيس الوزراء العراقي المقبل، حيث تدهورت بشدة منذ إجراء الإقليم، في سبتمبر/أيلول الماضي، استفتاء باطلاً للانفصال عن العراق، ما ردت عليه الحكومة الاتحادية بـ”إجراءات عقابية”.