مفاعل ديمونة.. كيف تحول مفاعل إسرائيل النووي من مصدر قوة لخطر داهم؟
بات واضحاً أن احتمال وقوع حرب بين إيران وأمريكا وحلفائها بعيد، وسط مؤشرات على تزايد قدرات الردع الإيرانية مقابل خصومها.
فعلى مدار ما يزيد عن ثلاثة أشهر ماضية، بات من الواضح أنَّه بالرغم من صيحات التهديد التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد جمهورية إيران، والتي شملت مجموعة كاملة من العقوبات شديدة الأذى وبعض الهجمات السيبرانية، لم يكن هو ولا حلفاؤه الإقليميون المقربون في هذا التحالف المناهض لإيران مستعدين لتأجيج الوضع، وصولاً لشن هجمات عسكرية ضد إيران قد تتحول لحرب شاملة.
إذاً، هل من الممكن أن يتحول الشرق الأوسط الآن إلى موقف الردع المتبادل الذي قد يجلب له بعض الاستقرار المرغوب.
اللافت أن هذا الردع الذي حققته إيران أمام خصومها يثير شكوكاً عميقة حول «قيمة» الأسلحة النووية التي يتُفاخر بها، بحسب ما ورد في تقرير نشرته مدونة LobeLog الأمريكية.
هجوم معقد وصادم ولكن لا رد
فلنلقِ نظرة سريعة على الأحداث، في 20 يونيو/حزيران، أسقطت القوات الإيرانية طائرة من دون طيار أمريكية من طراز «ريبر هوك» كانت على وشك المجازفة بدخول المجال الجوي الإيراني.
ماذا كان رد الفعل العسكري من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة؟ خرجت هذه الدول صفر اليدين. ثم في 14 سبتمبر/أيلول، شن حلفاء إيرانيون، أو إيران نفسها، هجوماً واسع النطاق ومعقداً لدرجة مذهلة على مجمع النفط السعودي في بقيق. ومجدداً خرجت هذه الدول صفر اليدين.
وإسرائيل تسمح لحزب الله بالرد
وما بين تلك الفترتين، قتلت إسرائيل، في أواخر أغسطس/آب، اثنين من مقاتلي حزب الله، الحليف اللبناني لإيران، في سوريا، وسيَّرت طائرات بدون طيار متفجرة لاستهداف موقعين مرتبطين بحزب الله داخل لبنان.
من جانبه، حذّر زعيم حزب الله علناً من أنَّ المنظمة سترد على إسرائيل. ماذا كان رد إسرائيل؟ نظم قادتها العسكريون انسحاباً علنياً للقوات من قطاع على طول الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان. ثم، وبعد أن نفذ حزب الله ضربة صاروخية سريعة ضد مركبة عسكرية إسرائيلية بينما كانت تنسحب إلى داخل العمق الإسرائيلي، كان الرد الوحيد الذي صدر من الإسرائيليين هو إطلاق بعض الذخائر، على ما يبدو بعشوائية، على أجزاء غير مأهولة من جنوب لبنان.
فهناك حالة ردع تترسخ في المنطقة
ويشير ذلك إلى أن حالة الردع المتبادل (وإن كانت غير متكافئة للغاية) التي كانت قائمة بين إسرائيل وحزب الله منذ 2006 لا تزال قائمة».
وفي أعقاب هجمات السعودية، يتضح الآن -أكثر من أي وقت مضى- أنَّ حالة الردع (وإن لم يكن متكافئاً) ليست متبادلة بين إسرائيل وحزب الله عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية فحسب، بل تنتشر على نطاق أوسع في المنطقة بين إسرائيل وداعمي حزب الله داخل إيران.
والآن عالم نووي إسرائيلي يدعو لوقف مفاعل ديمونة النووي
وفي إسرائيل، قدَّم العالم النووي أوزي إيفين تقييماً للقدرات التي استعرضها الإيرانيون أو حلفاؤهم خلال هجوم السعودية. وقال: «التكنولوجيا الإيرانية موثوقة ومتطورة، والإيرانيون قادرون على إنتاج عدد كبير من الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز وتشغيلها على حدٍّ سواء».
ورأى: «إما أنَّ نظام الدفاع السعودي فشل (في صد الهجوم) أو أنَّ الاتصال بين الصواريخ الإيرانية كان محجوباً ومن الصعب اكتشافه. وفي كلتا الحالتين، كان الهجوم ناجحاً وفعالاً».
وأضاف إيفن: «أثبتت إيران وعملاؤها بالوكالة قدرتها على قصف أهداف محددة بدقة عالية ومن على بُعد مئات الكيلومترات.
ويضيف: من ثم علينا التسليم بحقيقة أننا أصبحنا عرضة لضربة مثل هذه. وصحيح أنه بإمكاننا تنفيذ ضربات مشابهة، وربما إلحاق ضرر أشد بهم، لكن وماذا في ذلك؟ هل تنجح دوماً وسائل الردع العقلانية في الشرق الأوسط؟».
وتابع: «الأهم من كل ذلك بالطبع، يجب وقف تشغيل مفاعل ديمونا النووي؛ إذ ثَبت الآن أنه عرضة للهجوم، والضرر الذي يمكن أن يسببه نتيجة ذلك يفوق منافعه بكثير».
نعم إسرائيل تستطيع الرد بقسوة، وقد فعلت ذلك فازداد حزب الله قوة
أما بالنسبة لتوماس فريدمان، الكاتب في صحيفة The New York Times الأمريكية، وهو مدافع شرس عن إسرائيل ومؤيد لخوض حرب ضد إيران، فيرى أنَّ أهم الدروس المستفادة من تحليل إيفن هي:
«استهدفت إسرائيل إيصال رسالتين لحزب الله وإيران: الأولى هي أنه رداً على أية هجمات صاروخية ستُفجِّر إسرائيل أحياءً في لبنان، حيث تعيش عائلات حزب الله وتُصنَّع الصواريخ، وتحولها إلى أنقاض، مثلما فعلت على نطاق صغير في عام 2006. وسيطال ضررها اقتصاد لبنان».
«أما الرسالة الأخرى فهي: ستهاجم إسرائيل طهران مباشرةً، إما بصواريخ دقيقة طويلة المدى من إسرائيل أو صواريخ تطلقها غواصات من الخليج ومرفق معها هذه الرسالة: في كل مرة يستهدف وكلاء إيران تل أبيب، سنضرب طهران. لن نجلس مكتوفي الأيدي في هذه الحرب. ولا يمكن أن تفوقونا جنوناً».
واللافت أنَّ فريدمان لم يبدُ معارضاً لأيٍّ من هذه «الرسائل» أو حتى لديه مشكلة معها. إلا أنَّ تحليله للحرب الحاسمة التي خاضها حزب الله وإسرائيل في عام 2006 بدا كما لو كان مُحرّفاً للغاية؛ إذ كتب: القصف الذي شنته إسرائيل في تلك السنة على «الأحياء اللبنانية حيث تعيش عائلات حزب الله»، وبالتأكيد على العديد من مواقع البنى التحتية الحيوية في هذا البلد، بعيدٌ كل البعد عن كونه «صغير النطاق»، لقد كان ضخماً حقاً.
ومع ذلك، لم ينجُ حزب الله من هذا الهجوم فحسب، بل خرج منه بمكانة أبرز على الساحة السياسية في لبنان. وفي المقابل، هرعت الوحدات البرية التي حاولت شن غزو واسع على لبنان إلى إسرائيل مرة أخرى وهي تجرجر أذيال الخيبة.
وأكد أداء حزب الله في عام 2006 لجميع المراقبين الموضوعيين أنَّ هناك حالة من الردع المتبادل (غير المتكافئ) بين حزب الله وإسرائيل، وهو ما تحقق من خلال الاحتفاظ بأسلحة «إسكات» بحوزته.
وكان فريدمان محقاً في تحذيره من أنه مع وجود أنظمة مراقبة وتوجيه أكثر ذكاءً الآن بحوزته، أصبحت قدرة حزب الله على تهديد البنية التحتية الإسرائيلية الحيوية بالتأكيد أعلى بكثير.
هل أصبح الشرق الأوسط أشد خطراً جراء تزايد قدرات الردع الإيرانية أم أكثر استقراراً؟
خلُص فريدمان إلى أنَّ الدلائل التي قدمتها إيران وحلفاؤها (سواء في لبنان أو اليمن أو أي مكان آخر) خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي تبرهن على المستوى العالي من قدرات الاستهداف والقيادة والسيطرة جعلت من الشرق الأوسط مكاناً أخطر بكثير. إذ قال:
«قد يبدو الشرق الأوسط هادئاً في الوقت الحالي، لكن هذا مجرد وهم. الجميع يعيدون حساباتهم: الإيرانيون يزدادون جرأة، والعرب خوفاً. وإسرائيل وإيران أصبحا على بعد سوء تقدير واحد من اندلاع حرب صاروخية دقيقة لا يستطيع أيٌّ منهما تحمل تبعاتها».
يقول كاتب التقرير «لكنني أشكك في مدى صحة هذا الاستنتاج، الذي يبدو أنه يتمحور حول إسرائيل ويُغفل حقائق أخرى. فبالرغم من كل شيء، مع مرور 40 عاماً على الحرب الباردة الأمريكية السوفيتية، فإن حالتي الردع المتبادل و «الدمار المتبادل المؤكد» بين أكبر قوتين عالميتين مسلحتين نووياً فرضت قدراً من الهدوء الاستراتيجي، في عالم ما زال يترنح من عقبات الحربين العالميتين في النصف الأول من القرن العشرين.
فالواقع، أنَّ الكثير من دول النصف الجنوبي من الكرة الأرضية عانت في تلك الحقبة.
لكن لماذا قد نظن أنَّ سريان حالة ردع متبادلة في الشرق الأوسط خلال الخُمس الثاني من القرن الحادي والعشرين، يمكن أن تخلق مزيداً من الاضطرابات أكثر مما فعلت عقيدة «الدمار المتبادل المؤكد» خلال الحرب الباردة، على المستوى العالمي.
يبدو أنه يمكن تحقيق حالة الردع من دون الأسلحة النووية
في الواقع، حالة الردع الفعلية التي اتَّضح خلال الأشهر الأخيرة أنَّ إسرائيل والسعودية والولايات المتحدة والإمارات أصبحت عليها (حققتها إيران رغم عدم امتلاكها لسلاح نووي وكذلك وكلاؤها في المنطقة) هي الجانب الأكثر إثارة للاهتمام بشأن الوضع الحالي، حسب الكاتب.
وإذا أخذنا في الاعتبار أنَّ اثنتين من هذه القوى -أي إسرائيل والولايات المتحدة- تتمتعان بقدرات نووية عالية، فما الدروس التي نستخلصها إذاً حول فائدة الأسلحة النووية في عالم اليوم؟ هذا الموضوع يستحق أن نواصل مناقشته في يوم آخر.