مفاجأة أكتوبر.. هل يفاجئ ترامب الجميع ويبدأ حرباً مع إيران؟
يقول تقرير إن إيران تخطط لاغتيال السفيرة الأمريكية في جنوب إفريقيا؛ انتقاماً لاغتيال قاسم سليماني، وتوعد بردٍّ حاسم من جانب الرئيس دونالد ترامب.. تغريدة غامضة لوزير الخارجية مايك بومبيو تحدد “ساعة الصفر”، هل تجهز إدارة ترامب المسرح لمواجهة عسكرية مع إيران لأغراض انتخابية؟
خيوط القصة نسجها موقع Responsible Statecraft الأمريكي في تقرير بعنوان: “هل يُحضِّر مايك بومبيو “مفاجأة أكتوبر”؟، تناول مؤشرات عديدة من الصعب تجاهلها، أهمها التوقيت.
تغريدة غير منطقية
مع بقاء أقل من 7 أسابيع على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يبدو أنَّ الفصيل المتحالف مع وزير الخارجية مايك بومبيو من داخل إدارة ترامب يُمهِّد الطريق للخروج بـ”مفاجأة أكتوبر” -المصطلح الذي يشير إلى مؤامرة مزعومة للتأثير على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية- تتمثل في مواجهة مع إيران ستُصوّر على أنها دفاعية وشرعية، وقد يحدث الصدام الأول قريباً، بحلول الإثنين المقبل، 21 سبتمبر.
وقال بومبيو، في تغريدة بتاريخ 27 أغسطس، إنّ مهلة الثلاثين يوماً لإعادة فرض عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على إيران ستنتهي في 20 سبتمبر/ 2020.
وكانت التغريدة غريبة لعدة أسباب: أولاً، أوضح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأكمله (باستثناء جمهورية الدومينيكان) أنَّ الولايات المتحدة ليس لديها صفة تؤهلها لإطلاق آلية “سناب باك” لإعادة فرض العقوبات الواردة في الاتفاق النووي الإيراني؛ لأنَّ الولايات المتحدة لم تعد طرفاً في الاتفاقية، وتتجاهل تغريدة بومبيو تماماً قرار الغالبية العظمى من أعضاء المجلس، وتتظاهر كما لو أنَّ العد التنازلي للـ30 يوماً قد بدأ.
أما السبب الثاني، وربما الأكثر إشكالية، فيتمثل في أنَّ بومبيو لمّح إلى عزمه تطبيق عقوبات الأمم المتحدة غير الموجودة في “منتصف ليل يوم 20 سبتمبر/أيلول بتوقيت غرينتش”، وقد يستلزم إنفاذ هذه العقوبات شن السفن الحربية الأمريكية هجمات ضد سفن الشحن الإيرانية في المياه الدولية ومصادرتها، وكذلك السفن غير الإيرانية المشتبه في نقلها البضائع الإيرانية، ولن يكتفي بومبيو بالتأكيد على أنَّ هذه الإجراءات قانونية فحسب، بل سيحتج أيضاً بأنها ضرورية لدعم قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (مرة أخرى، هذا القرار لا وجود له).
رفض دولي ولكن من يبالي؟
وسترفض الغالبية العظمى من المجتمع الدولي، وكذلك الدول الأخرى في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بقوة، فكرة أنَّ الولايات المتحدة تتصرف نيابة عن المجلس، وستعتبر سلوك الولايات المتحدة بمثابة عمل عدواني غير قانوني.
لكن هذا لن يوقف بومبيو، فقد استولت الولايات المتحدة بالفعل على 4 ناقلات نفط بزعم أنها تحمل وقوداً إيرانياً من الخليج إلى كاراكاس، وأطلق جوليان لي، من وكالة Bloomberg، على هذا الاستيلاء اسم “القرصنة برعاية دولة”.
بيد أنَّ الاستيلاء على هذه السفن حدث في المحيط الأطلسي وبحر العرب؛ من أجل تقليل مخاطر حدوث اشتباك عسكري. وإذا بدأت إدارة ترامب باستهداف السفن الإيرانية في الخليج العربي أو بالقرب من مضيق هرمز، فلن يكون خطر اندلاع صدام مع القوات البحرية الإيرانية ضئيلاً. وحتى إذا قررت الولايات المتحدة، بتوجيه من بومبيو، البقاء بعيداً عن المياه القريبة من إيران، فقد تستمر طهران في الرد على السفن الأمريكية أو تلك التابعة لشركائها الأمنيين العرب في الخليج العربي.
وفي حال ردت إيران على الهجمات الأمريكية، أو عندما ترُد، سيحصل بومبيو على ما يُسمى بـ”مفاجأة أكتوبر”، وسيُنظَر لتصرفات إيران على أنها عمل عدواني يتطلب رداً حازماً وحاسماً، (وسيجادل بومبيو بأنَّ تصعيد إدارة ترامب الذي سبق الرد الإيراني كان، على أية حال، إنفاذاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة).
حرب في الوقت المناسب تماماً
وفجأة، ومع بقاء أقل من 6 أسابيع على انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، ستنزلق الولايات المتحدة إلى حرب جديدة، في أنسب توقيت يمكن أن تأتي فيه.
لكن ليس هناك شكٌّ في أنَّ الذهاب إلى الحرب يمثل خطوة سياسية محفوفة بالمخاطر، وعلى الرغم من أنَّ الجمهور يميل في البداية إلى الالتفاف حول رئيسه في تلك الأوقات، لكن قد يكون تأثير ذلك قصير المدى إذا ظهرت أسئلة حول الطبيعة الدفاعية للقتال، وكلما طال اعتبار إيران أنها المعتدي، زاد عدد الأشخاص الذين يلتفون حول ترامب، وكلما ارتفعت استفادته الانتخابية.
وربما يكون تكييف الرأي العام الأمريكي ليرى أنَّ إيران هي المعتدي الذي تحتاج الولايات المتحدة “لمقاومته” قد بدأ بالفعل، وقد يكون هذا هو القصد من التسريب الغريب حول مؤامرة إيرانية مزعومة لاغتيال سفيرة أمريكية في جنوب إفريقيا رداً على اغتيال ترامب للجنرال قاسم سليماني في وقت سابق من هذا العام.
مؤامرة مزعومة في توقيت مريب
وفجرت مجلة Politico نبأ هذه المؤامرة المزعومة، والتي أفيد بأنَّ المخابرات الأمريكية كشفتها، لكن القصة قوبلت بشكوك واسعة، ويرجع ذلك أساساً إلى افتقار إدارة ترامب للمصداقية والتوقيت الغريب للتقرير، وفي الواقع، على الرغم من أنَّ إيران لديها تاريخ من الاغتيالات على أرض أجنبية، فإن أركان هذه القصة افتقرت إلى المنطقية.
على سبيل المثال، فكرة أنَّ سيدة الأعمال غير المعروفة التي أصبحت سفيرة ستكون الهدف المناسب للانتقام لأهم جنرالات إيران هي فكرة غير مقنعة، كما من غير المحتمل أيضاً أن تُنفَذ عملية الاغتيال في جنوب إفريقيا، التي تتمتع بعلاقات حميمة مع إيران، والتي تحتاج طهران إلى دعمها السياسي.
لكن ربما الأهم من ذلك، أنَّ سلوك إدارة ترامب نفسها يبعث بإنذار خطير، فبادئ ذي بدء، أعلنت شرطة جنوب إفريقيا في اليوم التالي لنشر مجلة Politico تقريرها، أنها علمت بالمؤامرة المزعومة في نفس اليوم؛ ما يعني أنَّ إدارة ترامب تلقت معلومات استخباراتية تفيد بأنَّ سفيرتها كانت هدف مؤامرة اغتيال، وبدلاً من إخطار شرطة جنوب إفريقيا على الفور لضمان سلامتها وحمايتها، سرّب مسؤولو ترامب المؤامرة إلى وسائل الإعلام.
ثانياً، غرّد ترامب عن القصة بعد 24 ساعة من الكشف عنها؛ موجهاً تهديداً حازماً لإيران. لكن بدلاً من الإشارة إلى المخابرات الأمريكية فيما يتعلق بالمؤامرة، استشهد بـ”تقارير صحفية”؛ ما يشير إلى أنه ربما سمع عن القصة من خلال وسائل الإعلام، وليس من خلال إحاطاته الاستخبارية، وإذا كان الأمر كذلك، فقد يشير هذا إلى عدم وجود معلومات استخبارية، أو ربما من وجهة نظر أكثر منطقية لم يُدقَّق في المعلومات الاستخباراتية ولا تأكدت صحتها.
وسواء كانت موثوقة أم لا، ضمنت الإدارة الأمريكية لنفسها من خلال تسريب المعلومات عن المؤامرة المزعومة، عناوين إخبارية عن عدوان إيراني وشيك على الولايات المتحدة، وهو ما يهيّئ للجمهور الأمريكي الحاجة إلى “الرد”، ومن ثم يمهد الطريق لـ”مفاجأة أكتوبر” التي يريدها بومبيو.