مع من تقف روسيا، مع إسرائيل أم إيران في سوريا؟ نعم، المشهد معقد، لكن بدأت ملامح العلاقة تنكشف
قالت صحيفة Wall Street Journal الأميركية إن تصدعات ظهرت في التحالف العسكري بين الكرملين وطهران في سوريا، وذلك بعد الضربات الجوية الإسرائيلية الشرسة ضد القوات الإيرانية، وهو ما يجعل العلاقة بين البلدين قيد الاختبار.
جاء الهجوم الإسرائيلي، وهو الأكبر لتل أبيب في سوريا، بعد ساعاتٍ من حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العرض العسكري السنوي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي في موسكو.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن فيودور لوكيانوف رئيس الهيئة الاستشارية للسياسة الخارجية والدفاعية في الكرملين قوله إنَّ رد روسيا على الضربات الجوية جرى إخماده، وأنَّه من المحتمل أنَّ الزعيمين اتفقا على الأهداف المقبولة.
توترات في التحالف بين إيران وروسيا
تكشف هجمات إسرائيل المتزايدة التوترات الجليَّة في التحالف بين موسكو وطهران، الذي حوَّل تيار الصراع السوري لصالح الرئيس بشار الأسد. ساعدت إستراتيجية هذا التحالف في تأكيد مكانة روسيا كقوةٍ عالمية مرةً أخرى، وساعدت إيران كذلك في توسيع نطاق نفوذها في الشرق الأوسط.
والآن، فيما يستعيد نظام الأسد السيطرة على معظم سوريا، أظهرت روسيا وإيران إلى أي مدى يُمكن أنَّ تختلف مصالحهما في سوريا. إذ قال محللون روس إنَّ موسكو لديها قلقٌ متزايد إزاء محاولة إيران استخدام سوريا كجبهةٍ لتهديد إسرائيل وتعزيز نفوذها في لبنان والأردن والأراضي الفلسطينية، بحسب ما نقلته الصحيفة الأميركية.
وقال نيكولاي كوزانوف، الدبلوماسي الروسي السابق في إيران والأستاذ بالجامعة الأوروبية في سانت بطرسبرغ: “روسيا تود أنَّ ترى نفوذ إيران ينحسر في سوريا، خاصةً لأنَّ لديهما وجهات نظر مختلفة جذرياً حول ما يجب أنَّ تكون عليه سوريا في مرحلة مع بعد الصراع”.
ولا تهدد التوترات الحالية العلاقة الأكبر القائمة على الصفقات بين إيران وروسيا في مناطق تشمل أفغانستان، وآسيا الوسطى، ومنطقة بحر قزوين، حيثُ تحظى الدولتان بنفوذٍ قوي. وقال محللون إنَّ روسيا حريصةٌ على العمل بصورةٍ أوثق مع قطاع النفط الإيراني، وترغب في تعزيز وجودها في العراق، حيث تملك إيران نفوذاً قوياً أيضاً.
في سوريا، صُممت الشراكة بين البلدين لمنع سقوط الأسد كما حدث مع زعماء آخرين أثناء الربيع العربي. وحتى قبل التدخل العسكري الروسي، كانت وفودٌ إيرانية تسافر سراً إلى موسكو بهدف التوصل إلى إستراتيجية تجمع بين الوجود الإيراني على الأرض في سوريا وبين القوة الجوية الروسية. وقال مسؤول مقرب من وزارة الدفاع إنَّ إيران فتحت سراً على الأقل إحدى قواعدها الجوية في سوريا -وهي قاعدة همدان- لروسيا لاستخدامها في حملات القصف الجوي.
وقالت دينا إسفاندياري، الباحثة المساعدة في برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن: “إيران كانت مغتبطة لأنَّ لديها شريكاً مثل روسيا، التي كانت على استعداد للدفاع عنها ومساعدتها أثناء نظام العقوبات، لكنَّ إيران تدرك أنَّها علاقة نفعية، وأنَّها ليست حليفاً سيبقى مع إيران إلى الأبد”.
وقال الكرملين إنَّ العلاقة الروسية – الإيرانية لا يُمكن قياسها من خلال الضربات الجوية الإسرائيلية. ووصف دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين العلاقات مع إيران بأنَّ “لديها بعداً مستقلاً”.
وقال محللون إنَّ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني وتوافقها الكامل في الوقت نفسه مع إسرائيل زاد من المخاطر، ووضع إيران في مأزق صعب لا يمكنها التخلص منه بسهولة.
ولم يرد مسؤول ببعثة إيران لدى الأمم المتحدة على طلب بالتعليق على الأمر. وأكد مسؤولون إيرانيون في الماضي تزايد تقاربهم مع موسكو فيما تعمل البلدان سوياً في سوريا.
روسيا حاولت التقريب بين إسرائيل وإيران
لكنَّ روسيا تعتبر الوجود الإيراني المتزايد بالقرب من الحدود الإسرائيلية مشكلةً، وحاولت استخدام نفوذها المحدود في إيران لتلبية المطالب الإسرائيلية. وبدوره، حذر الجيش الروسي إيران من أنَّه لن يوفر الغطاء الجوي للقوات الحكومية أو وكلاء إيران الذين سيتواجدون في جنوب غرب سوريا.
وقال كوزانوف إنَّ موسكو حاولت حتى فتح قنوات دبلوماسية غير رسمية بين البلدين، مضيفاً أنَّها أرسلت مؤخراً إلى طهران مواطنين روساً لديهم روابط قوية مع إسرائيل، كانوا في حقيقة الأمر يحملون رسائل منها إلى إيران.
ورفض متحدث باسم نتنياهو التعليق على الأمر.
وحاول نتنياهو بناء علاقةٍ شخصية مع بوتين بزيارته موسكو عدة مرات، ومحاولة إيضاح التهديدات التي تراها إسرائيل في وجود إيران عبر الحدود.
بلغت تلك التهديدات ذروتها أوائل الأسبوع الماضي، عندما قالت إسرائيل إنَّ قذائف هاون إيرانية أُطلقت على الحدود الشمالية الإسرائيلية من سوريا. وقالت إسرائيل إنَّها ردت باستهداف المواقع الإيرانية في سوريا، مُلحقةً بها أضراراً جسيمة. وأتى هذا في أعقاب هجماتٍ إسرائيلية حديثة على المصالح العسكرية الإيرانية في سوريا.
وأدانت إيران الأسبوع الماضي الهجوم الإسرائيلي على سوريا، بحسب ما ذكرته وسائل إعلام شبه رسمية نقلاً عن بهرام قاسمي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية. ولم يتناول قاسمي مزاعم حدوث هجوم إيراني على إسرائيل أولاً، أو الضرر الذي قالت إسرائيل إنَّها ألحقته بأصولٍ إيرانية في سوريا.
توترات متزايدة بين روسيا وإيران
تنقسم إيران وروسيا على غنائم الحرب. فوفقاً لـ Syria Report، وهو إصدار إعلامي مقره بيروت يتتبع الأخبار الاقتصادية السورية، مُنِحت روسيا مؤخراً حقوق مساعدة النظام السوري في تطوير منجم فوسفات بالقرب من تدمر، بعد شهورٍ من اعتقاد شركة إيرانية أنَّها أبرمت الصفقة.
وقال شخص مقرب من وزارة الدفاع الروسية إنَّ جنوداً تدعمهم إيران تجاهلوا العام الماضي أهدافاً وافقت عليها موسكو وطهران، وطالبوا روسيا بشن ضرباتٍ جوية ضد أهدافٍ أخرى يريدون القضاء عليها، مما أثار غضب القيادة المركزية الروسية ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.
ووفقاً للصحيفة الأميركية تلاعب الأسد بهذه الانقسامات بين روسيا وإيران. وقال دبلوماسي أوروبي معني بالأزمة السورية: “دمشق جيدة للغاية في إحداث وقيعة بين روسيا وإيران، وقول إنَّها ستعتمد أكثر على إيران”.
واكتسبت روسيا أفضليةً على إيران في المحادثات مع المعارضة السورية، التي تقول إنَّ وجود موسكو هو وسيلة لصقل سمعتها الدولية.
وقال يحيى العريضي، المتحدث باسم الفصائل السورية المعارضة المشاركة في محادثات السلام السورية: “لديهما (روسيا وإيران) تضارب حقيقي في المصالح”.
وفي ظل افتقار بوتين لإستراتيجية أوسع نطاقاً، فإنَّه يطبق تكتيكاً مألوفاً بالانتظار والمراقبة. وترى الصحيفة الأميركية أن موسكو تأمل في الوقت الراهن في أنَّ يتبادل الجانبان الإسرائيلي والإيراني إطلاق النار دون أنَّ يمسا المصالح الروسية هناك أو يتسببا في صراعٍ إقليمي أكبر.
وقال فيودور: “ما يشغل بال بوتين إلى الآن هو أنَّ تواصل إسرائيل وإيران القتال ما دامتا ستُبقيان عملياتهما ضمن حدودٍ معينة”.