مع اقتراب الانتخابات: الحديث عن السلام وصمة عار في شرع نتنياهو وقادة إسرائيل
قصور سياسي وخطأ استراتيجي وضرر إعلامي، كلها ستسجل في صالح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وإدانته على شطبه موضوع السلام من سلم الأولويات والخطاب العام لدولة إسرائيل. لا يدور الحديث هنا عن شبهات تخضع للاستماع ولا عن ملفات سيقدم فيها إلى المحاكمة.. ففي سحق موضوع السلام، نتنياهو يعدّ مذنباً.
لفترة غير قصيرة تمتع نتنياهو بالهالة التي حققها في إسرائيل وفي الأسرة الدولية في أعقاب خطاب “بار ايلان” الشهير، الذي تعهد فيه بحل الدولتين للشعبين. ولكن ابتعد في السنوات الأخيرة وتجاهل بشكل معلن واستعراضي عن هذه الفكرة السياسية. لا يدور الحديث عن فشل جهوده لإحلال السلام، فالفشل في تحقيق حل سياسي للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني ليس عاراً، أما التجاهل التام لموضوع السلام، مثلما يفهم من سلوكه في السنوات الأخيرة، فهو جريمة سياسية لا تغتفر.
إيهود باراك، كرئيس للوزراء، يذكر كمن حاول التفاوض مع ياسر عرفات في البيت الأبيض برعاية الرئيس الأسبق بيل كلينتون. إيهود أولمرت، كرئيس للوزراء، أجرى وأدار محادثات مع رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن.
ومع أن هاتين المحاولتين فشلتا ولم تتقدما بالحل السياسي إنشاً، ولكنهما كانا فاشلين أضافا في حينه ويضيفان اليوم وجهاً إيجابياً، بل وربما مثنياً على الصورة السياسية لرئيسي الوزراء السابقين. عفواً، يعود لنتنياهو فصل قصير جداً في مجال الحل السياسي. ففي كانون الثاني 1997 وقع مع ياسر عرفات على اتفاق الخليل.
ونتنياهو مستعد لأن يدفع الكثير كي يشطب هذا الاتفاق من ماضيه وينسي الناس لحظة مصافحته ياسر عرفات. ومنذئذ، في سيرة نتنياهو السياسية لم يسجل أي جهد، لا كمحاولة ولا ذرة فعل للتقدم في السلام. ليس لديه فشل في هذا المجال الذي لم يكن يعنيه على الإطلاق، وهو يبتعد عنه ويحذر منه كما يحذر ويبتعد عن النار.
نتنياهو لا يتحدث عن السلام على الإطلاق، وليس لديه حتى ولا ادعاء من جانبه لنية إعادة هذا الموضوع إلى رأس جدول الأعمال السياسي، خصوصاً أن حكمه طالما كان يقوم على أساس تجمع اليمين والأصوليين.
لتجاهل هذا الهدف وللتطلع إلى حل النزاع هناك لنتنياهو مساعدة وتشجيع من مصدر متوقع، وهو بالفعل يعتمد على صداقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي منذ نزوله إلى البيت الأبيض يعلن ويعدّ احتفالياً بأنه هو الذي سيحقق اتفاق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بل ويصفه بأنه “صفقة القرن”.
ومنذ ثلاث سنوات، ينكب فريق خاص في البيت الأبيض بعناء على بلورة وصياغة خطة السلام. وحسب التسريبات التي نشرت حتى الآن عن تفاصيل الخطة، ليس لها أي احتمال لأن يقبلها الطرفان المعنيان. بلدان عربية مركزية أوضحت منذ الآن معارضتها للخطة. وفي مركز الأمم المتحدة في نيويورك تسود نكتة عن خطة ترامب الادعائية، فالتردد المتواصل من جانب البيت الأبيض في نشر الخطة تنسجم تماماً مع تجاهل نتنياهو لموضوع السلام.
مسؤولون يهود يعودون إلى الولايات المتحدة من زيارات لهم إلى إسرائيل يعربون عن الدهشة في أحاديث خاصة لحقيقة أن موضوع السلام لا يبحث على الإطلاق، وليس جزءاً من تصريحات قادة الأحزاب في إسرائيل في دعايتها الانتخابية. “من المهم الآن، في الجلبة الكبرى التي في إسرائيل قبيل الانتخابات، أن نسمع ما لدى نتنياهو أو غانتس ليقولاه عن السلام أو عن الحل السياسي للنزاع”، قال زعيم يهودي معروف ومقدر في نيويورك، في حديث معه.
الضرر الأكبر هو في علاقات إسرائيل والقوى العظمى الغربية وبلدان أوروبا المركزية. يتبين في أحاديث بمركز الأمم المتحدة في نيويورك أن أكثر رؤساء هذه الدول الذين عارضوا المستوطنات لا يغفرون لنتنياهو شطبه بهذا الشكل القاطع والنهائي لكل موقف علني ورسمي للحل السياسي للنزاع.