معركة الواحات.. بين عولمة الإرهاب وحسم القوات الخاصة
تحتاج معركة الواحات الأخيرة، التي وقعت 20 أكتوبر، بين قوات خاصة شرطية مصرية وبين إرهابيين قدموا من ليبيا، إلى وقفة طويلة ودراسة لمعرفة حقيقة ما حدث والاستراتيجية المصرية في محاربة الإرهاب، في ظل تطور الفكر الإرهابي حاليا وتطور ألياته وأدواته في إطار استراتيجية “عولمة الإرهاب”.
والمعركة في حد ذاتها تحمل جوانب نجاح إيجابية، بخلاف نتائجها السلبية والتي أبرزها استشهاد 16 من خيرة الجنود بينهم 11 ضباط و 5 مجندين، وفقدان ضابط، ومقل وإصابة 15 إرهابيا.
لكن من أبزر النتائج هو أنها كانت عملية استباقية ربما أحبطت مخططات إرهباية ضخمة في القاهرة ومدن كبرى أخرى، كانت ستنفذها عناصر مدربة جيدا قادمة من ليبيا ومسلحة بأسلحة ثقيلة، كما ان التنفيذ اعتمد على أسس الاستراتيجية العالمية الحالية في محاربة الإرهاب باستخدام قوات خاصة عالية التدريب جيدة التسليح تهاجم التنظيمات الإرهابية وتحرمها من الاستقرار أو انشاء معسكرات أو مناطق نفوذ، وهو ما حدث بالفعل.
لكن في النهاية كانت هناك اخطاء هامة منها ضعف الاستطلاع والمعلومات المساندة للقوات وعدم وجود دعم جوي كافي أثناء التنفيذ، وغياب وسائل التأمين والاتصالات والمواصلات الجيدة لأفراد المهمة وغياب التنسيق بينها وبين القوات المسلحة وأجهزة أمنية واستخباراتية أخرى. وتبقى الكثير من المعلومات غائبة حتى اللحظة وستكشف الأيام القادمة عن حقيقة ما حدث.
عولمة الإرهاب
لكن ما يهمنا في هذا التقرير التعامل مع استراتيجية عولمة الإرهاب الجديدة، بالإضافة إلى دور القوات الخاصة في حسم المعركة تماما.
بدأ تنظيم داعش الإرهابي في تغيير استراتيجيته السابقة في السيطرة على الأرض وإقامة دولة الإرهاب (الخلافة) واتباع استراتيجية القاعدة التي تفضل العمل بحرية دون التقيد بالأرض أو المكان، وتنفيذ عمليات إرهابية في مناطق مؤثرة بالعالم.
وطائما ما انتقدت القاعدة تنظيم داعش ، وهاجم أيمن الظواهري زعيم التنظيم وأبو محمد الجولاني قائد جبهة النصرة (فرع القاعدة في سوريا) أفكار أبو بكر البغدادي، فيما يتعلق بإقامة دولة الخلافة في سوريا والعراق وتجميع المقاتلين نم كل مكان فيها مكان واحد، لن هذا سيسمح بتصفيتهم وضربهم بسهولة.
واعتمدت القاعدة في استراتيجيتها على إنشاء أفرع وأذرع طويلة في مناطق متعددة بالعالم وخلايا صغيرة وذئاب منفردة تتمتع بحرية الحركة واللامركزية ويمكنها تنفيذ عمليات اعتمادا على البيئة المحلية وظروف المكان.
وانتهجت القاعدة فكرة عولمة الجهاد، أي نشر الأفكار الجهادية في مناطق مختلفة وبعيدة عن مركزها لتحقيق أهداف متعددة أبرزها الاننتشار والتمدد ومواجهة الضربات التي تتلقها بمرونة، فكلما قطع ذراع في مكان خرج لها ذراع أخر.
فأنشات تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية ومقره اليمن، بقيادة أنور العولقي، وأنشات من قبل في العراق تنظيم القاعدة بقيادةأبو مصعب الزرقاوي، وفي الصومال كانت حركة الشباب، وفي منطقة الساحل والصحراء الكبرى كانت تنظيمات مختلفة أبرزها المرابطون بقيادة مختار بلمختار، وفي الفلبين جماعة أبوسياف، وفي دول أخرى جماعات صغيرة تدين لها بالولاء.
والآن وبعد الضربات التي تلقاها تنظيم داعش في سوريا والعراق وتراجع دولة خلافته المزعومة، وهروب مقاتليه العرب والأجانب وحتى السوريين والعراقيين، تحت وطأة ضربات التحالفات التي تقودها أمريكا أو التي تقودها روسيا، بدأ التنظيم يعيد حساباته ويفكر في انتهاج استراتيجية القاعدة في عولمة الإرهاب.
خريطة داعش وهجوم النيجر
وبعيدا عن العمليات التي تبناها التنظيم في عدة دول بالعالم وخاصة أوروبا وشمال أفريقيا، ومحاولة إنشاء مراكز بديلة في ليبيا واليمن والصومال وشمال أفريقيا، جاءت عملية الهجوم على عناصر من القوات الخاصة الأمريكية في النيجر 5 أكتوبر، وقتل أربعة جنود، لتكشف بوضوح سعي التنظيملتطبيق عولمة الجهاد بفكر مختلف.
وبحسب تقرير للمركز الأمريكي الوطني لمكافحة الإرهاب، فإن متابعة التنظيم خلال عام 2016 كشفت عن تواجده رسميا في 18 دولة مختلفة، كما انه يحاول إنشاء فروع أخرى حاليا في ست دول أخرى.
وتعد منطقة غرب أفريقيا من اخطر المناطق التي يتمدد فيها التنظيم حاليا، ولا تقل أهمية وخطورة عما يفعله في سوريا والعراق أو شمال أفريقيا.
وبدأ داعش يسحب البساط من تحت أقدام تنظيم القاعدة، حتى أن جماعة “بوكو حرام” النيجيرية أشهر فروع القاعدة في الخارج بدأت تدين لداعش بالولاء، ونفذ فرع منشق عنها عملية النيجر الأخيرة.
واستهدف التنظيم مباشرة القوات الخاصة الأمريكية التي تنتشر في تلك المنطقة تحديدا لمحاربته ومراقبته والحد من خطورته.
وبحسب بيان وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في يوليو الماضي، فإن أمريكا نشرت 8 آلاف جندي من قوات العمليات الخاصة الأمريكية في 80 دولة حول العالم، من بينهم 800 جندي أمريكي في النيجر.
فشل عولمة الحرب على الإرهاب
ورغم محاولة أمريكا مقابلة استراتيجية عولمة الإرهاب باستراتيجية جديدة تمثلت في “عولمة الحرب الإرهاب”، التي بدأها جورج بوش الابن بعد 11 سبتمبر 2001، واكملها باراك أوباما إلا أن تلك الاستراتيجية أثبتت فشلها حتى الأن.
حتى أن أوباما قد انتُخب لتعهده بإنهاء الحروب الكبرى على الإرهاب في العالم وسحب القوات من أفغانستان والعراق ومناطق المواجهة المباشرة مع المتطرفين، وإغلاق معتقل جوانتانامو في كوبا أحد أشهر رموز تلك الحقبة المظلمة من تاريخ العالم.
إلا أنه فشل في هذه المهمة ولم يحقق أيا من وعوده، بل وزاد من الاعتماد على القوات الخاصة والطائرات بدون طيار لمحاربة المجموعات الإرهابية. واتخذ الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، نفس السياسة.
وبحسب تقرير “سي إن إن” الأمريكية عن تلك الاستراتيجية فإنها تهدف بصورة أساسية الاعتماد على قوات محلية ومقاتلين من الدول التي تعمل بها القوات الأمريكية على ان يقتصر دور واشنطن على الدعم اللوجيستي والاستخباراتي وتقديم استشارات عسكرية وتقوم القوات الخاصة الأمريكية بهذا الدور، فضلا عن الضربات الجوية.
لا أحذية أمريكية على الأرض Boots on the ground
وتحرص أمريكا حاليا على عدم إرسال قوات برية للتورط في تلك الصراعات وترفع شعار “لا للأحذية العسكرية على الأرضي” No boots on the ground
ومن أمثلة نجاح هذه الاستراتيجية هي التغلب على طالبان في أفغانستان عام 2001، والذي تم من خلال تحكم 100 من جنود القوات الخاصة على الأرض بالضربات الجوية الأمريكية. كما تعاونوا مع آلاف من عناصر الميليشيات الأفغان لهزيمة طالبان.
تعد سياسة أوباما وترامب في الاعتماد على الوحدات الخاصة والطائرات بدون طيار سليمة في العديد من الحالات. فليس لدى الشعب الأمريكي الرغبة في شن حروب برية ضد داعش أو تنظيم القاعدة، فهذه الحروب تستنفد المال والدم، غير أن هذه التدخلات الهائلة ليست بضرورية للتغلب على الجماعات الإرهابية الصغيرة نسبياً.
وعلى سبيل المثال، فقد ساهمت القوات الخاصة الأمريكية في عملية استعادة السيطرة على مدينة مراوي في جنوب الفليبين الأسبوع الماضي، بعد أن استولى عليها مسلحون تابعون لتنظيم داعش.
كما أرشد 300 من جنود القوات الخاصة الأمريكية في سوريا ما يعرف بـ”قوات سوريا الديمقراطية” المحلية، التي سيطرت على الرقة، العاصمة السورية الفعلية لداعش، هذا الشهر.
وعلى الرغم من جميع مزايا القوات الخاصة، كخفة حركتهم ومرونتهم العملية، فإن قدراتهم المحدودة في حالات تبادل إطلاق النار، كما حدث في النيجر، تعد من أكبر عيوبهم.
الحروب السرية للقوات الخاصة
تعتمد الحروب السرية للقوات الخاصة في أنحاء العالم على سياسة “ترخيص استخدام القوة العسكرية” الذي شرعه الكونغرس الأمريكي بعد هجوم 11 سبتمبر بأيام قليلة، والذي سمح للرئيس السابق، جورج بوش، باستخدام “القوة اللازمة والملاءمة ضد الدول أو المنظمات أو الأشخاص المؤكد أنهم خططوا أو رخصوا أو ارتكبوا أو عاونوا على تنفيذ الهجومات الإرهابية التي حدثت يوم 11 سبتمبر، أو آووا تلك المنظمات أو الأشخاص…”
ولا تزال هذه السُلطة، التي استُخدمت لإرسال القوات الخاصة في عمليات عسكرية إلى غرب أفريقيا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا وجنوبي شرق آسيا، بيد رئيس الولايات المتحدة. ومن الواضح أنه لا علاقة لمعظم تلك العمليات بهجوم 11 سبتمبر.
فلم يكن من المتصور أن تصبح هذه السياسة الإذن القانوني للعديد من العمليات العسكرية ضد مجموعات الإرهاب الجهادية حول العالم من بعد تمريرها بـ16 عاماً.
ولابد من أن يبحث أعضاء الكونغرس نطاق هذه العمليات بدل من جعل الرئيس مطلق التصرف. لكن معظمهم ليسوا على استعداد لطرح هذه المسألة للتصويت. وهكذا تستمر حروب الولايات المتحدة الطويلة بدون نقاش مع الكونجرس.
ولم يكن بعض من أعضاء مجلس الشيوخ على علمٍ بتمركز مئات من الجنود الأمريكيون في النيجر إلا بعد الهجوم الذي شن على جنود القوات الخاصة. (وقد تم إعلام الكونغرس، لكن البيان كان روتينياً وحظي باهتمام ضئيل.)